23 ديسمبر، 2024 1:36 ص

هل فترة ما بعد الحداثة ، هي استمرار لفترة الحداثة( )….؟

هل فترة ما بعد الحداثة ، هي استمرار لفترة الحداثة( )….؟

ولّد انحسار فترة الحداثة والتغريب، فترة جديدة بسمات غريبة تسمى ما بعد الحداثة، و تلك( ) الفترة الممتدة ما بين سنة 1970 و 1990 من القرن العشرين ولا تزال بكل هيبتها الاستعمارية والسلبية كفترة الحداثة التي سبقتها, بل هي استمرار لها بشكل عنيف, و تزداد عنفًا و بشاعة بشكل مطرد، وربما ستكون أعنف، لاسيما بخصائصها السلبية التي تناهض أخلاق وقيم المجتمع العربي، بمعنى أنها استمرار تكميلي لخصائص سابقتها الحداثة, و قد لعبت دورًا تخريبيًا وساهمت في :

1- تخريب بنية وهندسة الأجناس الأدبية، من خلال أفكار و نظريات وتيارات ومدارس فلسفية وفكرية وأدبية ونقدية وفنية، وما بعد هذا التاريخ من بنيوية و سيميائية و لسانية.

2- تقويض( ) الميتافيزيقا الغربية، وسحق المقولات المركزية التي هيمنت قديمًا وحديثًا على الفكر الغربي:

• كاللغة،

• والهوية،

• والأصل،

• والصوت،

• والعقل.

3- استخدمت في تلك الثورة التخريبية التكميلية سمات وآليات جديدة وهي:

• التشتيت
• التشكيك
• الاختلاف
• التغريب
• فلسفة الفوضى
• التفكيك
• الخروج من حدود الجنس الأدبي نحو النص و التناص
• تبني قوة التحرر
• ممارسة كتابة الاختلاف والهدم والتشريح
• الانفتاح على الغير عبر الحوار والتفاعل
• محاربة لغة البنية والانغلاق والانطواء في الأدب والنقد الأدبي بشكل خاص…

لذلك لم أتكلم عنها بالتفصيل كفترة الحداثة، لكونها استمرار تكميلي لفترة الحداثة فقد ذكرت الخصائص الخاصة ، فهي وفي بعض منها ، تكمل خصائص سابقتها بنفس الروح والسلبية المناهضة للفكر العرب الإسلامي ، ونحتاج إضاءة في تلك النقطة…..

إضاءة عن أخطبوط الحداثة

التأثير الحداثي عند بعض الشعراء و الاتجاه نحو الإيجابية….!؟…تحليل ذرائعي لتلك الفترة المظلمة
أريد في تحليلي هذا أن أبيّن الحقائق التي تكمن وراء إطلاق أخطبوط الحداثة وما بعدها من غرفة عمليات المخابرات الأمريكية واللوبي الصهيوني، بالطبع هو ليس لخدمة الفكر العربي وتوعيته ضدهم، بل لطمر هذا الفكر وتشويهه وتغريبه عن أهله ليقف ضد الأخلاق، وقد ظهر مصطلح الحداثة في مجلة ” شعر ” التي كانت تصدر في بيروت في ذلك الوقت، واتضح أن المجلة مموّلة من قبل المخابرات الأمريكية, وقد ذكر هذا الارتباط في كتاب وكالة المخابرات الأمريكية الشهير(من الذي دفع الثمن) لمؤلفه (فرانسيس ستونور سونديرز) وكانت تلك المجلة تهدف إلى بث قيم أدبية غربية في الأدب العربي، بهدف إغراق جيل الأدباء الجديد من العرب في أوهام وأفكار شعرية وأدبية غريبة ومختلفة عن واقعهم الاجتماعي، تبعدهم عن تقاليد وقيم المجتمع العربي، وتزيد من غربتهم الفكرية، وتبني قطيعة بينهم وبين المتلقي العربي…..
و بنظرة فاحصة لنماذج شعرية لبعض الشعراء الذين أخذتهم الحداثة سلبيًا بعيدًا عن تراثهم العربي، من فترة الحداثة التي انتعشت كثيرًا في عقدي السبعينيات و منتصف الثمانينيات, تبرز ملامح التدمير والغربة والاستعمار الفكري والأدبي جليًّا في النيل من البنية اللغوية والأدبية في الشعر العربي ، من خلال السخرية والاستخفاف بالتراث والصور المتوارثة، وإحداث بناء لغوي جديد، وسياقات جديدة تحطّ من قيمة الأدب العربي, وتنشر الإسفاف والتشظّي الأدبي، وانتشرت الصور الشعرية السريالية والوجودية، شديدة الغموض، والتعبيرات اللغوية المعقدة، و المشكلة في هذا المنحى هنا، أن المتلقي هو من يتّهم بهذا الإسفاف والتدني، وليس الأديب، أو الشاعر، وشجعت تلك التدخلات الأجنبية في الأدب العربي ذاك الجيل على التحدّي في مقاطعة المجلات الثقافية العربية السائدة في تلك الفترة، وقاموا بإصدار مجلات جديدة مثل مجلة ” إضاءة 77 ” في القاهرة، التي عبرت عن جماعة إضاءة الحداثية، وقد اتهمت هذه المجلة – في مقالاتها النقدية – الجمهور العربي بالانقطاع عن الأدب، ودأبت تروّج لفكرة أن شعراء تلك الهجمة يكتبون للأجيال القادمة، وأن هذا الجيل عصيّ على فهمهم …
أبرز الشعراء والأدباء المنغمسون بمرحلة الحداثة الغربية:
منذ أوائل الستينيات من القرن العشرين، انتقلت الحداثة إلى الأدب العربي الحديث، على أيدي مجموعة من شعراء من الدول العربية، و بالتحديد: سورية ولبنان ومصر، هكذا كان تسللت الحداثة إلى عقول معتنقيها وروادها وسدنتها ” ( )من أدباء ونقاد ومفكرين على امتداد الوطن العربي بشكل هادئ، وهي كغيرها من المذاهب الفكرية، والتيارات الأدبية التي سبقتها إلى البيئة العربية مثل: البرناسية، والواقعية، والرمزية، والرومانسية، والوجودية والسريالية، وجدت لها في فكرنا وأدبنا العربي تربة خصبة، سرعان ما نمت وترعرعت على أيدي روادها العرب، أمثال غالي شكري، وعلي أحمد سعيد المعروف ” بأدونيس “، وزوجته خالدة سعيد من سوريا، وعبد الله العروي من المغرب، وكمال أبو ديب من فلسطين، وصلاح فضل، وصلاح عبد الصبور من مصر، وعبد الوهاب البياتي من العراق،

وعبد العزيز المقالح من اليمن، وحسين مروة من لبنان، ومحمود درويش، وسميح القاسم من فلسطين، ومحمد عفيفي مطر، وأمل دنقل وحسن طلب من مصر، وعبد الله القذامي، وسعيد السريحي من السعودية، وغيرهم …..
وقد ألف شعراؤها قصائد ودواوين ذات سمات ومواضيع شعرية غريبة تنتمي لفترة الحداثة وقد كانت تحمل السمات التالية:

 الاتراع بالفلسفة
 والغموض
 والسريالية بشكل مغالى فيه
 الانعزال وإظهار الشاعر بمظهر فيلسوف منعزل عن المجتمع وقابع في برج القصيدة الماسي
 والتغريب
 الرمزية الثقيلة
 افتقاد المحورية في القصيدة, أي شكل بمضمون ضحل
 والتخريب
 التجاوزات المذهبية والدينية والعقائدية
 تبني العلمانية مذهبًا لأصحاب الحداثة

وبرأيي المتوا ضع، إن ما قيل في أعلاه بشكل سلبي من قبل بعض المصادر العربية التي أوردت ملخصًا لها ، على تلك الثلة من الأدباء، كان مبالغًا فيه كثيراً ، ومحملًا بالهجوم السلبي الغير مبرر بشكل علمي ومنطقي ، لكون تلك الثلة الخيّرة – التي ذكرت أسماؤهم أعلاه- هم من تصدّوا لهجمة الحداثة السلبية في الانحراف الاخلاقي ، وأدخلوا ماهو مفيد للأدب العربي كالرمزية والبرناسية وغيرها من مدارس مفيدة، والتي أصبحت فيما بعد وإلى الآن أهم المقومات في أدبنا العربي، ولولا شجاعتهم وتضحياتهم وإصرارهم، لبقينا نرواح في مكاننا خوفًا من دخول الجديد في أدبنا العربي, ولبقي أدبنا العربي معلقًا في المعلقات السبعة وما خلفها فقط….

يجب أن لا ننكر أن شعراءنا اليوم وكتابنا يترعون بحرية فيما رفضناه سابقًا وأعطيناه صفات وأسماء ونعوتًا سلبية، وما جاء من تقدم في الأدب العربي يعود لهؤلاء العظماء، الذين قدموا أنفسهم قربانًا في زمن السبعينات حتى وصل بهم الحال إلى الاغتيال ومنع إصداراتهم من النشر…وما نرفضه نحن اليوم من الحداثة الغربية هو الذراع السياسي والذراع الاخلاقي والذراع التجاري وتلك الأذرع ساهمت في نشر الفساد والتحلل الاجتماعي والاخلاقي واشاعة الحروب والويلات كما نشاهد الان في الشارع العربي من قتل وذبح وتهجير …. ولو اوردنا امثلة في

الاغراق فخير مثال على ذلك الإغراق في النظم الشعري المحدث هو ديوان ” سيرة بنفسج “وديوان ” زمن الزبرجد” وآية جيم ” للشاعر الدكتور حسن طلب،”( ) أستاذ الفلسفة وعلم الجمال، و يعد أحد مؤسسي جماعة “إضاءة” للشعر والذي نال جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب وجائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي ، نشر العديد من الدواوين الشعرية وكتابات في الفلسفة وعلم الجمال….

فقد حمّل شعره برؤية فلسفية عالية المستوى, وبتكنيك إختباري رمزي مكشوف غير مسبوق ، اعتمد فيه مبدأ الاختيار المتعدد الاحتمالات( MCQ Technique) حين يدرج مجموعة من الجمل بحرف واحد(الجيم على سبيل المثال) وبعدها يدرج مجموعة كلمات من المعجم يقصد بها الاختيار العشوائي للمتلقي الذكي الذي سيجد رابطًا ما بين الجمل الشعرية و جوابًا مختارًا او معاكساً ينسجم معها، وهذا الدأب ظهر جليًّا في (آية جيم) ، وامتاز شعره برؤى فلسفية راقية , خصوصًا لزهرة البنفسج وجوهرة الزبرجد، فقد جعلهما ذاواتا عالم فلسفي متكامل، وعند هذا المنحى أثبت نفسه شاعرًا حداثيًّا من الدرجة الإولى, فقد استفاد كثيرًا من الحداثة وغلالها الثقافية، وتلك سمة جيدة فيه، ولو انها حُمِّلت بذريعة الانقطاع عن مشكلات المجتمع والابتعاد عن هموم الناس، وواقع الشباب الفكري حينذاك ، وهذا الرأي خاطئ جداً فكرياً ، فلو كان الرمز معروفًا في ذلك الزمن ، وذا حظوة كما هو الآن، الحالة التي اعتُبِر الشاعر عندها معزولًا في واد ومتلقيه في آخر، لكان ديوانه ” آية جيم ” رمزَا أدبيًّا راقيًا في تلك الفترة كما هو الآن ، لكن العكس ما حصل ، حينما أثار ديوانه هذا سخط الأزهر الشريف والسلطة التي منعت نشره, بسبب جملة يستهل و يختم بها الشاعر قصائده وهي تقول: (أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم) التي أخذت كجريرة سياسية و دينية…..ومن كل ما تقدم نستنتج ان هذا الشاعر قد عاش حقبتين متناقضتين بمفهوم الإدراك التوعوي للفكر الإنساني المتجدد ، لذلك فهو يتقدم شعراء جيله الرواد بعدة خطوات تحسب له وذلك بقدرته الفائقة في تطويع ميزات الحداثة التي اعتبرت سلبية في زمن السبعينات و إيجابية فوق ساحات اليوم الأدبية ، واثبات ذاته ان يصبح ميزاناً ومؤشراً فكرياً حداثياً ثابتاً ، يقيس ثبات فكر هذا الشاعر وصموده بوجه التغيير الجمعي للمجتمع درجة التنوير في الأدب العربي في حقبتين مختلفتين عاشهما بظلم ومعاناة…..

أخفت السلطات قرار منع ديوان (آية جيم) والأمر معروف (الأسباب السياسية) وعليه جعلت السلطة الشارع يرجم بالغيب الروحي بشكل خبيث، حين أوحت بفكرة مساس الديوان بالدين والقرآن الكريم، ولم يكن ذلك صحيحًا، كون فاتحة و خاتمة الديوان قد جرت على اقتباس الوزن القرآني : ( أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم / باسم الجيم والجنة والجحيم ومجتمع النجوم/ إنكم اليوم ستفاجأون/ كم وددتم لو ترجأون/ على يوم لا جيم فيه ولا جيوم/ فإذا جد الهجوم/ فأجهشت الجسوم فسجرت الجيم وما أدراك ما الجيم/… قل يا أيها المجرمون، أخذت القصائد نسق القرآن الكريم, وكانت مثار جدل… وقد احتوى هذ الديوان على بناء لغوي شديد التعقيد، فقد أخرج جميع مفرداته من باب الجيم في المعجم وبدأ تنضيدها بقصائد شديدة التعقيد والغموض، وملأ تلك القصائد بتجاوزات عقائدية و فكرية و بقصد التجديد و التحديث، وربما كانت بذريعة التجريب والتغريب وتلك المصطلحات كانت مرفوضة في زمنه وهي تتقدم زمننا الآن…..

وبعد قراءتي هذا الرجل، أرى أنه شاعر شجاع هزم سلبية الحداثة واستفاد منها، حين صارعها ولم تصرعه، من بين شعراء الحداثة أجمع والذين تأثروا بها سلبًا، انفرد بعبقرية التبليغ والتوصيل والتلقي بحنكة وذكاء شعري بالاستفادة من عناصر الحداثة وتطويعها لخدمة حرفه , وأقصد بالتحديد(الرمزية) باستراتيجية خاصة به، لا تمت بصلة للأشياء المخبوءة ، بل لأشياء ظاهرة في حروف يسوقها بكلمات، وعلى المتلقي أن يأخذ منها ما يريد ، لكن بمجموعها موجهة نحو المجتمع، الظلم السياسي، والحكومة بكلمات ظاهرة ومدرجة فعلًا في القصيدة، وهذا دأب يعد ضربًا من التحدّي الشجاع ضد السلطة في ذلك الزمن، فهي تعتمد على تكنيك ذكي في توظيفه للرمز بشكل ذرائعي حين تعمّد التكلم بظواهر الأشياء بمساس ديني خفيف ، لا يقصد به الإساءة للقرآن الكريم والدين , بل فلسفة التوصيل والتبليغ وإشاعة الانتباه بشكل شجاع ، و لكن بدافع إنساني ذكي يروم به التجديد في الأدب بشكل فعلي، أراد فيه أن يجلب انتباه الناس للسلطان السياسي الجائر والممارسات الخاطئة التي يقوم بها بشكل تهكمي ذكي ، وهذا حق أدبي للشاعر أو الكاتب منبثق من واجبه إتجاه مجتمعه ، لا ينكر له او يحاسب عليه ، ولم تكن تلك الاستراتيجية بشكل شامل جديدة، بل مورست من قبل كتاب وشعراء أوربا بالنقد المخبوء ما بين السطور للكنيسة والأنظمة السياسية القمعية آنذاك, وتلك التقنية تسمى الرمز (allegory) و التقنية الأخرى التي استخدمت في ذاك الزمن البعيد، في القرون الوسطى (irony) التهكم أو السخرية, لكن حسن طلب استخدمها بتقنية إختبارية متفردة وخاصة به غير مسبوقة في الأدب في (آية جيم) بالتحديد، يذكر شيء ويعني المعكوس او المباشر بين مشوشات(Distractors) من نفس الحرف وسمى هذا التكنيك بالأجرومية….فقد وظف الشاعر حسن طلب تلك التقنية بشكل سافر وغير مخبوء, حين وضعها بين اختيارات متشابهة ظاهرة بشكل شجاع، وكأنه يختبر المتلقي بتقنية السؤال متعدد الإجابات (MCQ Technique )

حيث يورد عدة كلمات من القاموس بحرف واحد تحوي إجابات خاطئة وأخرى صحيحة وعليك أن تتوقع الصحيح بذكائك الذهني، وهذا تكنيك إختباري راق وصل مفهومه السلطة فمنعت كتابه(آية جيم) من النشر….ولو كان حسن طلب في مجتمع غير المجتمع العربي لأقاموا الدنيا واقعدوها مدحاً وتقديراً واحتراماً لابتكاره تلك التقنية الأدبية الرائعة …..

أما الدليل الآخر في التغريب والتجريب يحمله ديوان ” الأبيض المتوسط ” للشاعر حلمي سالم، حيث حمل هذا الديوان أبنية لغوية برمزية معقدة تصل إلى درجة الألغاز، وافتقرت قصائده بشكل عام إلى الفكرة المحورية للنص، بل هي مجرد تسطير لصور وأخيلة متوالية، لا رابط بينها إلا ما يضفيه المتلقي من علاقات فكرية مصطنعة من رؤيته الشخصية أثناء القراءة، هذا ما قيل عن هذا الرجل في الكثير من المصادر لكن ما أقوله أنا مخالف لما سبق تماماً، أن ليس من قصيدة تخلو من الفكرة أو الموضوع إما بشكل إخباري واقعي أو بشكل رمزي، لكن قد يتفوق فيها الشكل على المضمون، ممكن جدًا، وتلك نظرة شكلانية حسب النظرية الشكلانية الروسية، التي تعتبر المضمون حاضرًا بينهم, أما الشكل فهو الجانب الأدبي الذي يتفوق فيه الأديب، لم ينصف هذا الشاعر من كتب عنه ….

وأنا كمتلق بسيط ، اعتبر أصحاب تلك الدواوين، رواداً وسادة للتنوير والتقدم والتصحيح والتجديد والحداثة في الأدب العربي، وإن اتهموا كل من خالفهم بالرجعية والتخلف ، وصار كل من لا ينظم الشعر على طريقتهم متأخرًا، كما يقال عنهم، وانهم قد نشروا إرهابًا أدبيًا وفكريًا أدى إلى انصراف القراء وعزوفهم عن متابعة شعرهم ، فنتج عن ذلك عزلة الشاعر عن الحياة والناس، ومن أخرى زيادة جرعات التعقيد والغموض والتغريب في النص الأدبي، بسبب ربط الموجة تلك بموجة الحداثية بالفكر الغربي بشكل عام وهذا القول مبالغ فيه كثيرًا من الذين يمقتون الحداثة وهم الآن يكتبون بمحتوياتها من رمز وخيال ومذاهب, وتلك الازدواجية تنكر على الناس جهودهم وأفكارهم، فالحداثة كانت سلبية في النواحي الأخلاقية والسياسية والتجارية النفعية ونشر الحروب لتسويق الأسلحة ، لكنها ايجابية في الثقافة والأدب….

وقد أعيب عليهم أنهم اتخذوا العلمانية مذهبًا وشعارًا لهم، لكن الحال لا تدوم على وتيرة واحدة، و يشملهم زمن الانحسار، ويأتي من بينهم من يتمرد على رؤاهم، ويبدأ اتهامهم بالتعالي والتفرد والمغالاة في التفلسف والانعزال، فانقلبوا عليهم وجنحوا بالقصيدة إلى البساطة والوضوح، وتبنوا بعض أطروحات ما بعد الحداثة التي رحبت بالقيم الدينية والمجتمعية – جزئيًا، وتاهت أسماء هؤلاء في سموات النسيان، لكن ظهرت موجات شعرية جديدة، تجاوزتهم…. وذلك القول

أيضًا غير منصف بحق شعراء الحداثة و معكوسه هو الصحيح ، فبعد الحداثة لم تغير شيئًا بل أتت بأشياء أفادت الأدب أيضًا كالمدارس الجديدة مثل التفكيك….

والأهم بالأمر وعلى سبيل الإنصاف والحق الذي جاء عن لسان من انتقدهم ، أن لأدباء الحداثة فضل على الأدب العربي :

1- لقد أخلصوا النوايا في الكثير من تجاربهم الشعرية، ولم يتهموا بالعمالة أو التبعية السياسة المخابراتية لأي جانب أو جهة غربية ضد بلدهم, وإنما سخّروا الحداثة لأجل الأدب فقط ،

2- كان هدفهم ابتكار أشكالِ جديدة في الشعر، تخالف ما وجدوه عند السابقين, ونجحوا فعلًا, وظهر الشعر الحر على أثرهم وبتأثيرهم ،

3- كان همهم التجديد والتنوير والمخالفة, لكونهم شبابًا في ذلك الوقت, و الشباب توّاقون للمغامرة, وقد اعترفوا بذلك بأنفسهم في التسعينيات من القرن المنصرم، حيث يقيّمون تجربتهم الشعرية التي تخلّلها الكثير من المآخذ والأخطاء، وبرّروا ذلك بغياب الحركة النقدية الجادة عن ساحاتهم المترعة بالجديد والغير مطروق مسبقًا…..

4- لقد نشطوا وحركوا الساحة الأدبية والفكرية والثقافية للمجتمع العربي, وأحدثوا حراكًا يثير تساؤلات كثيرة في تلك الفترة حول أسباب جمود الشعر العربي، حتى اتجه نحو طريق مسدود على صعيد الصور والرموز،

5- ابتكارهم تعابير نقدية وسردية عديدة جديدة , وتبنوا المدارس الأدبية الحديثة, وأدخلوها في الشعر والسرد ،

6- واهتموا في الكتابة بالنوعية، وهذه ولدت جيلًا جديدًا من الكتّاب و النقّاد ظهر بعد ذلك بأدواته الأدبية و النقدية المستحدثة من أجل مواكبة النصوص الشعرية والسردية الجديدة…..

ومن هذا المنطلق يجدر القول أن الحداثة في الأدب العربي كانت مكسبًا تنويرياً فعليًا لكن الوعي في ذلك الوقت لم يكن بمستوى التقبّل الفكري لمعطيات التطور الحضاري، مما خلق تصادم حضاري بين الحديث والقديم واعتبر التحديث والتنوير
، مخادعة لأنه بني على أساس سياسي منخور، وذلك بسبب تبني المخابرات الأمريكية هذا المنحى الثقافي بغرض السيطرة على العقول العربية، وهذا الخطأ خلق اتجاهين :

الأول : أن الوعي الثقافي العربي يعرف الهدف الأمريكي والغربي من وراء ذلك, لذلك أخذ ما يفيده وما يناسب الأخلاق العربية والأدبية, واستفاد منها في الأدب العربي في الشعر والقص, وظهر الشعر الحر نتيجة لذلك..

والثاني : كان الأدباء أكثر حذرًا من اتباع وتبني تلك الثورة, لأنها تخالف الأخلاق العربية بالمضمون والهدف، والاتجاه نحوها يخلق شك لدى المتلقي من الحساسية الغربية التي تقترن بالاحتلال والاستعمار، بمعنى أن ذلك الاتجاه أثبت فشله, وقوبل بالحذر من قبل العرب لصبغته السياسية المناهضة للأعراف والدين الإسلامي والأخلاق العربية….

ومن خلال تصفح السمات المميزة للحداثة ومقارنتها مع السمات المميزة لما بعد الحداثة بدقة, يظهر التشابه بينهما جليًا من حيث السلبية الأخلاقية وليس الأدبية من وجهة نظر عربية إسلامية ذرائعية، في مضامينها خصوصًا انفرادها بضرب الجنس الأدبي وشيوع التفكيك والمبالغة بالفوضى والتغريب والتجريب والتخريب, هذا ما أضيف لفترة ما بعد الحداثة, وجعلها فترة تفوق بالفوضى على فترة الحداثة…

انقر هنا من أجل الرد أو الرد على الكل أو إعادة التوجيه