تباينت ردود الأفعال حول تعيين مذيعة في التلفزيون العراقي من ذوي البشرة السمراء، وهل يدل ذلك على وجود عنصرية في العراق ؟
في الحقيقة لا توجد عنصرية ممنهجة في المجتمع العراقي وهناك تعايش ناجح مقارنة بكثير من المجتمعات ، ولكن هناك صور نمطية “سلبية” وثقافة مشوشة حول “الآخر “، وهي بمجملها لم تصل إلى درجة العنصرية لأنها بقت محصورة في أطر أفراد أو جماعات ضيقة ولكنها مضرة للأطراف المستهدفة بها نفسيا وأخلاقياً..
هناك على سبيل المثال ، سلوكيات مهينة تتعلق بالأشخاص “المختلين عقليا” أو قصار القامة أو من لديهم عسر في النطق و غيرهم، تتباين تجلياتها بين السخرية والتندر والعنف وتذهب إلى حد القتل في أقصى الأحوال … بعض الأعمال المسرحية تظهر مشاهد ساخرة من الآخر المختلف ( معاق أو ملون ) وهناك طرائف شعبية تندرج في السياق ذاته … قبل أشهر تم الاعتداء على الفنان فائز السنفور وتوفى على إثر ذلك ، بعد أن أمضى حياته مظلوما بسبب قصر قامته وتندر الآخرين عليه ….
الطفلة السمراء في قسم ليس بالقليل من العوائل توصف بأنها( زركَة) وهو وصف خادش نفسياً ومميِّز ويترك أثرا سلبياً على حياتها ..
وهناك استعمالات “لغوية عسيرة” مع السمر ( يطلق عنهم بشكل عفوي “عبيد” ) أو مع الغجر ( يقال عند الحديث عنهم حشاك كاولي ) وهكذا..،
هذه “النمطيات” تزرع مشاعر الظلم والاقصاء في نفوس الأفراد الذين يفترض أن يكونوا في درجة واحدة على سلم الإنسانية والمواطنة ومن المهم تجاوزها لتحقيق مجتمع متصالح مع إنسانيته …
القيم الدينية والأدبيات الاجتماعية تؤكد على احترام الآخر ولكن “العفوية” في العلاقات واللامبالاة في ردود الأفعال، تولد سلوكيات ظالمة تحتاج إلى قوانين وأعراف جديدة لضبطها فضلا عن حاجتها لجهود ثقافية تنويرية تسلط الضوء عليها كي تسهل الخلاص منها ولو بشكل بطىء .
في خطبة مثيرة لرئيس شركات دانون “ايمانويل فابر” خلال حفل تخرج كلية التجارة تحدث عن أهمية (الآخر ) من خلال سرد قصة وفاة شقيقه المجنون، قال فيها : ( بفضله تعلمت أن أتفاوض مع شخص سلاحه بيده وعقله غائب ..تعلمت أن أبحث عن أشخاص مثل أخي في المستشفيات العقلية وأجيد “لغة المجانين ” واكتشف جمال هذه اللغة، واكتشف كذلك بأن الحياة التقليدية سجن وأن انفتح بفضله وأعرف جمال الاختلافات … بسببه تعرّفت على حياة المهمشين ونمت معهم ..،).
ثقافتنا والثقافات المختلفة توفر للإنسانية إرثا انسانيا كبيرا يفيد في الملاقحة للحصول على حياة أفضل، وما نحتاج إليه لتحقيق ذلك هو الانتباه إلى مشاعر الآخر ومنزلته كإنسان واتقان طريقة التواصل معه ومشاركته الفرص والتحديات.