العقلية التي تسببت بالمشاكل هي ذات العقلية التي تدّعي أنها تريد حلا للمشاكل الناجمة عن آليات تفكيرها ومناهج إقترابها السلبية , فكيف يمكنها أن تصل إلى حل , وواقع حالها يشير إلى أنها مبرمجة لتطوير المشاكل وتعقيدها , والإستفادة منها وإتخاذها وسيلة للحكم والتحكم بالبلاد والعباد.
العقلية الفئوية ذات المواصفات التبعية والتوهمية والحُكمية المسبقة , والإنفعالية المدججة بالعواطف السيئة , والمحشوة بالكراهية والبغضاء والعدوانية , أوجدت المشاكل وكاثرتها وطورتها , وهذا هو ديدنها , ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تغير منطلقات نهجها وثوابت وهْمها , وأسس وفائها للتبعية والخنوع للآخر وتحقيق مصالحه بإخلاص وتفاني وتضحيات جسام.
إن السلوك البشري لا يمكنه أن يتغير إذا لم تتبدل العقلية التي نجم عنها ذلك السلوك , وبدون تغيير الأفكار والإقترابات التي أدت إلى المشاكل , لا يمكن القول بحل المشكلة مادامت العقلية هي المشكلة , فالمشكلة لا تحل مشكلة وإنما تأتي بمشكلة!!
فالواقع العقلي الإقترابي المعاصر الذي يتصدى لأية مشكلة يحولها إلى هدف , بمعنى أنه يتصدى لها بالتحليل والدراسة والتقدير الدقيق , ويراها بعيون ما هي عليه وما يجب أن تكون عليه الحال , ويقيس الفجوة القائمة بينهما , ويسعى لردمها وضبط السلوك المؤدي للوصول إلى الهدف والتحرر من أسر المشكلة , والإتيان بمنطلقات ورؤى ذات قيمة علاجية وقائية وصحية لازمة للنماء والرقاء والمواكبة والعطاء.
وهذا الإقتراب يكاد يكون مجهولا أو معدوما في الحالة العربية , ولهذا يصعب على العرب التحرر من قبضة المشاكل , وإنما صار ديدنهم أن يقتربوا من أية مشكلة بمشكلة أعقد منها , وهذا يحصل على جميع المستويات وبدرجات متفاوتة , وهو أسلوب فاعل في الحياة العامة والخاصة والسياسة والثقافة والتجارة وباقي نشاطات البشر المؤطرة بالمشكلة لا غير.
ومن هنا فأن القول بحل المشكلة يكون ضربا من الخيال أو من التصورات البعيدة المنال , ويبدو إستحداث المشاكل هو المفهوم السائد , والمنهج الذي تبرمجت به الأدمغة وتعودت عليه النفوس , وتمحنت فيه الأجيال بعد الأجيال.
فهل من محاولة لتغيير العقلية لكي ينبسط الأفق , وتتراكم الخيارات الإيجابية الصالحة لحياة طيبة ذات عزة وكرامة وإقتدار حضاري منير؟!!