رسالة استلمتها من صديق عزيز ، يطلب مني الأجابة عليها بحيادية المنطق ..فاقول له :
دعوة ليست سهلة على الدكتور العبادي تحقيقها ، بأنسلاخه من الدعوويين ،لأنها تحتاج الى قيامة بحركة فاعلة مسنودة من المؤيدين، تتمثل في معاضدته من قبل المفكرين والمتنورين الذين يدركون بفكر متنورعصري للحركة الوطنية العراقية ،بعد أنتصاره على داعش الأجرام ،وأسقاط الأنفصاليين ،وهما بلاشك مكسبان حققهما العبادي للوطن العراقي أغضبت الأخرين،لأنهما منحتاه حضورا بين العراقيين .أعتمدت على همته في التنفيذ، وعلى ايمانه بمبدأ تعايش الاديان ورفض الطائفية والعنصرية ، لتحرير العقل العراقي من مبدأ تغول التزمت الذي جاء به من لا يؤمن بالوطن والشعب اجمعين ، وارهاب الاستبداد ،والنزعة الاصولية من مؤسسة الدين ، ومن يصاحبها من المنتفعين ، والتي تزعم احتكارها الحقيقة ، وحيازتها اليقين وهي مبالغة بقياس الزمن اليقين. ان حققها العبادي سيقطع نصف مسافة الطريق الضامن له في الوصول للتحرير.
على كل المثقفين ومن يعمل في مجال الفكر والثقافة والحركة الوطنية والتواصل الاجتماعي النزيه ، ان يكرس جهده وكتاباته من اجل ربط هذه المهمة الانسانية المقدسة بتحرير العقل والأرادة ومجابهة الفاسدين..لان الاسلام حركة ثورية ضد الظلم والاستبداد والاستغلال والهيمنة ،وهي مبادىء لا يفهما المتخلفون.
فتقديس العقل ، وأجماع أكثرية الناس على الصحيح ، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الأختيار، وأحترام التعددية ،وألغاء الفئوية ،واحلال الهوية العراقية الواحدة ،بغض النظر عن الدين والمذهب ، هي الكفيل بالمحافظة على الحرية والعدل
2
والكرامة الانسانية والوحدة الوطنية وحقوق المواطنين .ألم نكن وكانوا هم ينادون بهذا قبل التغيير..؟
نحن لسنا أول المبتدئين بهذا التوجه الاخلاقي الرصين ،فقد سبقتنا المعتزلة من سنين وهي عراقية التوجه .والاشاعرة لبناء المفاهيم الوطنية والدينية وفق المنهج الحديث وهي عراقية التوجه. وجماعة أخوان الصفا وخلان الوفا البصرية وهي عراقية التوجه ، الذين كانوا يؤمنون بأن الايمان يجب ان يكون عاما وشاملا مستمدا من النص الآلهي ،الذي لا يتعارض مع التحليل والتـأويل العلمي والفقهي ،وبناء القانون والمسئولية الوطنية على مفاهيم الحق والعدل دون أختلاف أو تفريق بين المواطنين،هذا الذي تنكر له الحاكمون اليوم.
فهل سيستطيع العبادي فصل مؤسسة الدين عن مؤسسة السياسة ليكون دولة مستقلة تحترم الانسان والدين معا بعيدا عن سيطرة المتنفذين. ورفض فرض التصورات المتزمتة للنص الديني بفعل التفسير السلفي الذي وضعنا في سجنه الرهيب والذي أبعدنا عن مفهوم الزمان والمكان، حين أغتالوا مفهوم التاريخ وأسقطوا العقل ،حتى جعلونا نعيش في هروب مقنع من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. فأصبحنا نعيش في فراغ الذات ، وليس في أرض الواقع.
نحن بحاجة اليوم بمساعدة من يحكم الوطن من المتنورين والرافضين لنظريات الفساد والمفسدين – غالبيتهم دون استثناء- لوأد نظريات الألتباسات التأويلية المتسارعة في الفضاء العراقي وخاصة في مجال الفتاوى الوهمية ،والتشريعات التي تغفل المقاصد الاسلامية الكلية وتتعارض مع القيم الانسانية ،وتعصف بخيرية الكائن الحي،وتبدد تطلعاته نحو العدل والحرية والكرامة الانسانية ،واحترام العقل وتقديسه،
هذه النظريات التي لا يفهمها الا العالمون.
3
ليستبدلوها بنظريات الوهم والتقديس لوضع سياج لها لا يُخترق ، وبالتالي وضع الامة في سجنها المقفل عن كل هواء نقي . مثل نظرية المهدي المنتظر الوهمية والفتاوى الدينية التي لا يعترف بها القرآن ، ونظرية قدس الله سره المخالفة للنص في الآية 174 من سورة البقرة ،والمسيرات الدينية التي تغلف فكر المواطن بالاحزان والتكتيف ، وحكم المرجعيات الدينية التي لا تقرأ الا نصوص القديم دون تأويل.
فهل يستطيع السيد العبادي أختراق الصعاب وزرع شجرة الزيزفون بين الصخور،واثبات ان النص الديني ثابت في منطوقه ، لكنه متحرك في محتواه ودلالاته، يقول الحق :”وقل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق….،العنكبوت 20″ نظرية التطورفي القرآن الكريم . ومن حق المؤولين الراسخين في العلم والمعرفة ، أنتاج شروط قراءة جديدة للتراث والنص الكريم ، تنتقد شروط القراءة القديمة للخطاب الديني والسياسي ،بما يتوائم مع المتطلبات العصرية للزمن الحديث .
أكتب يا عبادي تاريخك من جديد ..ولا تبقى تتعكز على الأنتظاران كنت راغبا في التنفيذ وابتعد عن سين وسوف ، فالشعب اليوم ينتظر منك المزيد ، والتاريخ لا يرحم المقصرين.
يبدو في زماننا اليوم – في عراق المظلومين بالذات – قد غادر الحاكم الألتزام بالعقل والعدل والحرية والأستقامة والصراحة والوضوح،بعد ان استبدلها بالمال والمنصب اللئيم ، وبعد ان أرتحلت هذه المفاهيم عن وطننا المكلوم من زمن بعيد –وهي ليست من طباعه ومعتقده – وايأ كان الأمر ايها السائل العزيز ،الشعلة ما تزال مشتعلة تلاطم الريح..فكن من موقديها دون تعطيل..فالتاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار،أما في باطنه فهو الأحداث ..وهو لا يرحم المتهاونين في حقوق الله والوطن أجمعين. هُم قصيري نظر ان اعتقدوا انهم سيستمرون بهذا الوهم القصير.
تقبل تحياتي أيها العزيز..؟