من عجائب السلوك التي يصعب تفسيرها وتعليلها , أن تجد الشخص من ذوي الشهادات العليا , والذي يعيش ويعمل في مجتمعات ديمقراطية لبضعة عقود , وجيرانه من جميع الأجناس والمعتقدات الأرضية , ويتعامل معهم بأدب وإحترام وتقدير لعنصرهم ومعتقدهم , بل ربما يشاركهم مناسباتهم الثقافية والدينية , وعندما يتعلق الأمر بأبناء شعبه فإنه يُكشر عن طائفيته القبيحة ونوازع نفسه الشريرة , وحينما تواجهه بالحقائق والوقائع يحسبك عدوه اللدود؟!!
سألت أحد الزملاء وهو خبير سلوك , فأجاب بأنها البواعث السلوكية , وضرب مثلا عن المدمن على الخمر , عندما يترك الخمر لفترة ويدخل حانة فإنه يعجز عن مقاومة رغبة إحتساء الخمر , فينتكس ويعود إلى سلوكه القديم!!
فهل أن السلوك الطائفي إدمان؟!!
سؤال يستحق التفكير والبحث والنظر!!
وما هي معززاته ومحفزاته وبواعثه؟!!
كيف يتحول الشخص فورا إلى طائفي , بينما هو يتعامل مع الآخرين بديمقراطية متواصلة , ولا يجرؤ أن يسأل جاره عن دينه أو زميله في العمل عن معتقده , لأنه يعرف أن ذلك من الممنوعات , التي قد تؤخذ على أنها إعتداء على الآخر , وربما يحاسب عليها القانون.
أذكر هذا وأنا أقف متحيرا أمام الذين يتفاعلون مع غير ملتهم بديمقراطية تامة , ومع أبناء وطنهم بطائفية وعنصرية مقيتة بغيضة مقرفة , وهم من أصحاب الشهادات والمناصب والمسؤوليات , فكيف بربك يتحقق بناء مجتمع ووطن بهذه العقليات الخارجة عن قانون البشرية ودستور الإنسانية , وتدّعي الدين والإيمان وتصلي لربّها خمسة مرات في اليوم , وكأنها ترى أن الله مُلكها والقرآن من تأليفها والنبي يخصها لوحدها , ولم يكن رسولا للعالمين , ولا رحمة للناس كافة!!
وتتوارد إليك الكتابات الطائفية من كل حدب وصوب , والذين يسوّقونها يعيشون في مجتمعات ديمقراطية!!
ويبدو أن وسائل الإتصال المعاصرة فعلت فعلها السيئ , لأنها وفرت للمنحرفين والمرضى , فرصة نشر نوازعهم الإنتقامية ودخائلهم القيحية في المواقع والصحف , ويحسبون أنفسهم كتابا ومفكرين وغيرها الكثير من التوصيفات , التي يتم تسويقها من قبل أصحاب الشهادات الذين يعيشون في عوالم ديمقراطية , ويكنزون في أعماقهم سموم الكراهية والبغضاء والأحقاد!!
فكيف يتم الجمع بين المتناقضات , والتعبير عنها بسلوك سلبي وإيجابي في آنٍ واحد؟
فتعجبوا معي وتأملوا كيف يساهم المنوَّرون بالديمقراطيات بتدمير بلدانهم وأبناء شعوبهم , وعندما تواجههم يتناكرون ويحسبون ذلك سلوكا غيرحضاري ولا ديمقراطي , لأن الديمقراطية حمّالة الأوجه في نظرهم , المرهون بأمّارة السوء التي فيهم , فتجدهم لكل قبيحة وخطيئة يبررون , ولله في خلقه شؤون , فدعهم في غيهم يعمهون!!!