ذكـرنـا فـي الـحـلـقـة الأولـى أن الـكـاتـب الـمـبـدع ( أحـمـد الـجـنـديـل ) أراد أن يـزيـح ركـام رمـاده عـن كـاهـلـه لـيـلـقـيـه عـلـى روابـي الـمـجـهـول ، وذلـك مـن خـلال إشـارتـه إلـى أن روايــتـه مـن صـنـع الـخـيـال ، ولـكـن الـمتـابـع لـمـجـريـات وأحـداث الـروايـة لا يـجـد أي سـنـد مـوضـوعـي يـرتـكـز عـلـيـه الـمـؤلـف كـي يـقـدمـهـا بـ ( هـذه الـروايـة مـن صـنـع الـخـيـال ) بـيـنـمـا جـمـيـع أحـداثـهـا ، ومـع مـا تـحـمـلـه بـطـيـاتـهـا مـن مـجـافـاة لـواقـع الأحـداث ، ولـكـنـهـا تـشـيـر بـجـلاء أنـهـا تـؤرخ لـحـقـبـة مـعـاصـرة مـن تـاريـخ الـعـراق ، وهـي فـتـرة الـغـزو ( الأمـريـكـي – الـبـريـطـانـي ) للـعـراق ومـن ثـم إسـقـاط الـنـظـام ورئـيـسـه .
والـخـيـال لا يـتـعـدى ( لـولـو ) و ( سـبـع الـهـور )
ومـع أن الـجـوانـب الـخـيـالـيـة فـي أي روايـة يـمـكـنـهـا أن تـخـضـع للـتـأويـل والـتـكـهـنـات عـلـى وفـق مـقـدار إيـحـاءات الـكـاتـب ، ومـستـوى وعـي الـمتـلـقـي وآفـاقـه .
ولـم يـنـجـح الـمـؤلـف فـي مـحـاولاتـه بـالإشـادة بـالـدور الـنـضـالـي الـذي تـصـدى لـه الـشـيـوعيـون الـعـراقـيـون فـي حـقـبـة طـويـلـة وحـرجـة مـن تـاريـخ الـعـراق الـسـيـاسـي ، بـل كـان أداءه مـغـايـرا ً لـمـا جـاء عـلـيـه ، إذ إنـه جـعـل مـن ( الـرمـز ) جـابـر خـمـيـس الـعـثـمـان شـخـصـا ً سـوقـيـا ً وبوهـيـميـا ً لا يـختـلـف فـي تـصـرفـاتـه الـسـلـوكـيـة عـن واحـدا ً مـن أبـنـاء ( سـويـف ! ) فـهـو سـكـيـرا ً ومـدمـنـا ً عـلـى الـكـحـول ، ويتـبـول واقـفـا ً مـتـى مـا شـاء ، ويتـرحـم عـلـى الـنـظـام الـسـابـق ! ويـغـرر جـارتـه لـيـهـرب بـهـا إلـى مـكـان مـجـهـول ، وهـذه الـمـتـرادفـات هـي بـمـثـابـة ذم بـطـرف ٍ خـفـي لـكـوادر أراد مـنـهـم الـروائـي ذر الـرمـاد فـي عـيـون مـن استـحـسـنـوا وصـفـقـوا لـهـذا الاحتـلال .
بـيـد أن الـكـاتـب لـم يـشـر مـن قـريـب أو بـعـيـد عـن رأي الـمـرجـعـيـة الـديـنـيـة ،سـواء ً فـي ( الـنـجـف ) أو غـيـرهـا بـأنـهـا لـم تـعـلـن الـجـهـاد ضـد الـمـحتـل الـذي تـقـف أرتـالـه عـلـى مـشـارف ( الـبـصـرة ) وتـصـريـحـات الـقـادة الـعــسـكـريـيـن بـأنـهـم بـانـتـظـار أوامـر الـرئيـس ( بـوش ) للـزحـف إلـى بـغـداد ، ولـم يـستـطـع أن يـشـخـص هـذه الـدواعـي لانـشـغـالـه بـالـحـدث الـجـلل ، الـذي دعـاه لـفـتـح الـجـحـيـم عـلـى مـن تـضـامـنـوا أو فـرحـوا ، أو قـابـلـوا الـجـيـش الأمـريـكـي ، كـمـا فـعـل ( فـؤاد ) ودفـع ثـمـن هـذا الـفـرح حـيـاتـه قـربـانـا ً لاتـهـامـه بـالـخـيـانـة ( الـعـظـمـى ) مـع إنـه لـم يـكـن هـكـذا ، بـل كـان سـعـيـدا ً بـهـذا الـحـدث الـجـلـل ، وبـعـد أن كـان مخذولا ً ومـحـبـطـا ً فـي أحـداث عـام 1991 .
وعـودة ُ عـلـي ذي بـدء فـأن الـصـديـق الـعـزيـز ، والـزمـيـل الـكـاتـب ، ومـع قـربـه مـن مـصـادر الـقـرار الـمـرجـعـي ، لـم يـحـدثـنـا عـن سـبـب انـكـفـاء كـافـة الـمـراجـع الـديـنـيـة ، وأخـص مـنـهـا ( الـشـيـعـيـة ) عـن عـدم إصـدار أي فـتـوى بـالـجـهـاد ( ضـد الـمـحتـل ) مـع مـا تـعـرضـوا لـه مـن ضـغـوط ومـضايـقـات كـبـيـرة مـن قـبـل الـنـظـام الـمـقـبـور ، وتـهـديـدات وصـلـت حـد تـصـفـيتـهـم جـسـديـا إن لـم يـفتـوا بـقتـال الأمـريـكـان ، بـيـد أن الـمـؤسـسـة الـديـنـيـة وبـدوائـرهـا الـضـيـقـة و ( الـسـريـة جـدا ً ) لـهـا رأي قـديـم يـفـيـد بـأن جـواز ( مـنـاصـرة الـكـافـر عـلـي الــحـاكـم الـظـالـم ) وهـذا الـدرس كـان قـد استـنـبـطـوه ( الـشـيـعـة مـن دعـمـهـم للـعـبـاسـيـيـن ) فـي مـسـانـدتـهـم لإسـقـاط الـدولـة الأمـويـة كـمـا يـصـفـه ، وقـد تـتـلــمذ الأسـتـاذ ( أحـمـد الـجـنـديـل ) فـي ريـعـان شـبـابـه عـلـى يـد بـاقـة مـن الـفـقـهـاء الأفـذاذ ، أمـثـال الـشـيـخ الـقـزويـنـي ، والـدكـتـور أحـمـد الـوائـلـي ، وتـأثـره كـثـيـرا ً بـالــشـيـخ ( عـارف الـبـصـري ) وقـد أمـضـى أشـهـرا ً فـي مـنتـصـف الـسـتـيـنـات يـدرس الـفـقـه فـي مـا يـسـمـى بـ ( الـحـوزة الـعـلـيـة ) فـي الـنـجـف .
لـيـس لـي أن أقـول سـوى إن هـذه الـروايـة الـتـي قـرأهـا الـعـديـد مـن الـقـراء والـنـقـاد ، والـمـفـكـريـن ، لـم تـمـت للـواقـع بـأي صـلـة عـلـى الإطـلاق ، بـل هـي ثـورة هـيـجـان لـمـرحـلـة عـصـائـبـيـة مـن تـاريـخ الـعـراق ، ذهـبـت مـع الـريـح ( ولـم تـعـد ) عـلـى الإطلاق أبـدا ً .
أنـتـقـى الـكـاتـب اسـم روايـة الـرمـاد اقـتـبـاسـا ً مـن عـبـارة الـرئـيـس الـمـخـلـوع الـشـهـيـرة الـتـي تـفـيـد ويـرددهـا عـلـى الـدوام ( إذا أراد أحـدا ً أن يـحتـل الـعـراق فـسـوف لـن يـجـنـي غـيـر الـرمـاد ) وهـذا هـو الـرمـاد الـمـستـوحـى مـن تـجـلـيـات ( الـقـائـد ) وتـصـورات الـكـاتـب عـن الـرمـاد ! وركـامـه الـكـئـيـب .