22 ديسمبر، 2024 7:16 م

نكَـسْ يطرد نكَـس

نكَـسْ يطرد نكَـس

وهذا المثل يكتب بالكاف المعجمة وهو من العامية لكلمة (نجس) واصلها من النجاسة، ويضرب للكلاب السائبة التي تعيش في مجموعات والتي ربما جمعت في دار واحدة فيطرد احدها الآخر، وطالما حدثت بين هذه الكلاب التي تعيش في مجاميع وتسكن بقرب المدن معارك دامية ، فيطرد القوي منها الضعيف، والأدهى أنْ لا احد يدافع عن الضعيف بل تتهاوشه المجموعة كلها، فلا يستطيع أن يتقي عضاتها المتكررة، فيضع ذيله بين رجليه وينكس رأسه ويهرب بذل واضح، فيقال: لا تتحسروا على هذا الكائن لان الأمر برمته: ( نكَس يطرد نكَس)، وحملات التسقيط التي نشاهدها بين المرشحين، هي من هذا الباب، لأن الاثنين يتمتعان بالنجاسة، الفاضح والمفضوح، والطارد والمطرود، وستكون النتيجة واحدة ومحسوبة بدقة كبيرة، سيتسلم مقاليد الأمور أما النجس الفاضح أو النجس المفضوح، وهذه لعمري بلية لم يبتلِ بها سوى الشعب العراقي فهو بين نجسين إنْ تحمس وخرج وان استكان وجزع، الأمر واحد ولا مفر منه، والممض والمكروه فيه ان التجربة الديمقراطية في العراق هي لعبة، وحيكت هذه اللعبة بدقة لتنال من الشعب وتدمر إمكاناته المادية، هل سمعتم بانتخابات يترشح لها ستة آلاف مرشح، انه (هجمان) البيوت كما يقولون، الناس تتذمر من حجم الإعلانات ، المناطق السكنية والمدارس والروضات صارت واجهات للإعلان، وانتعشت مكاتب الإعلانات، كل واحد من هؤلاء جاء بحمل بعير أموال منه ومن خزينة الدولة، وسيعوضها عندما يصبح نائباً، ومن أين سيعوضها من جيب الشعب الذي وصل به الأمر ان ينقل المرضى بالستوتات، ويطير كيس المغذي بين آونة وأخرى، ليهرع احد المرافقين الى جلبه ثانية.

الجميع رأى الرجل المريض الذي وضع في ثلاجة الموتى وهو حي يرزق، وعلى هذا المثال البريء نقيس حجم ما وصلنا اليه من هذه اللفظة المقيتة التي صارت نقمة على العراقيين، الديمقراطية، ربما تكون لغة للشعوب المتطورة، الواعية والمثقفة، ولا اعتقد أنها لغة لشعب ينذر النذور لجرار حراثة مرمي في بقعة مهجورة، ويبتني المزارات على الأشجار والخرائب المضيئة التي ربما أشعل احدهم سيكارته قربها فانطلى الأمر على المساكين وصاروا يتقربون إليها بالنذور والحناء، شخصية سيد سراب في بلابوش دنيا للكاتب (شمران الياسري) مازالت ماثلة أمام عينيّ، وشخصية سيد بستان الذي يستجير به صديقي أيام الدراسة لم تزل هي الأخرى عالقة بذهني، وكان يشتمه غالبا عندما تظهر النتائج، ربما الحكم على نوعية الشعب تأتي من حجم الخرافات التي يؤمن بها هذا الشعب أو ذاك، واتجاهاته نحو تأليه الأشخاص وجعلهم من المقدسات حتى صارت المقدسات من الكثرة بما تعجز عنه أيام السنة لإحياء مناسبات أوليائها، ما هكذا تورد الإبل، ولا هكذا تحيا المجتمعات، إنها تحيا بالاجتهاد والعمل والمثابرة، تحيا بالقراءة والتدقيق ومحاسبة المخطئين ، مهما كان حجم الخطأ كبيراً أو صغيراً، مارتن لوثر لا يمكن له أنْ يظهر من بين المعممين لأنهم يشجعون على الخرافة وحياتهم وحياة ابنائهم تكمن في هذه الجزئية التي أعادت العراق الى عصور قصية، ذاكرتي تزخر بمواقف ربما تترجم ما نحن بصدده، كانوا ينصحون أبناءهم في المدن المقدسة بترك الدراسة وتعلم مهنة الآباء والأجداد، فهي تدر ذهباً عليهم، ولكنهم يتمسكون بالمثل القائل: ( العمامه ما اتلف راسين)، وهم يقصدون مايقصدون بهذا، الشعب مسكين منشغل بأعمال التسقيط، ويدافع عن هذا ويقف ضد ذاك ولا يدري أن هؤلاء: ( نكَس يطرد نكَس).