22 نوفمبر، 2024 8:02 م
Search
Close this search box.

نصف يوم نصف ديمقراطي

نصف يوم نصف ديمقراطي

هو يوم ليس كباقي الايام هو يوم كنا نعيشه في اوهامنا فقط انتظرناه طويلاً ليس لاننا  فيه سنصبح اصحاب القرار انما لان تجربة الحرية متعة لا توازيها متعة .. كان يغمرني شعور بالسعادة الجزئية  !! وانا في طريقي الى صناديق الاقتراع صادفت الكثير من المواطنين الذين رسمت الحرية  الوان طيفها فوق جباههم  الكل يسأل من ستنتخب … وجوابي كان ابتسامة !!!  فجأة يتوهج في داخلك شعور المواطنة ويأتيك احساس انك اليوم مهم اكثر من اي وقت مضى  اليوم انت مواطن يحترمك رجل الأمن ويتصل بك النائب السابق والحالي  !! وتأتيك رسالة من كتلة سياسية تتوسلك لانتخابها … مديرك الذي يمقتك فجأة يصبح صديقك المخلص .. الزهو والخيلاء والفخر كلها تجتمع لترافقك الى الصندوق الذي حلمنا بوجوده امام اعيننا  طيلة عقود من الاستعباد .. اليوم انت مهم
وبعد ان ادليت بصوتي لمن  اراه يستحق صوتي رجعت وانا انظر تلك الوجوه البريئة التي ملأتها النشوة والغبطة بانتخاب مرشحين فرضوا عليهم بقوة الدعاية الدينية والمادية والسياسية اشعر انه تمت خيانتهم على مرآى ومسمع العالم أجمع ..
فالناخب البسيط هو مسير وليس مُخير وهو  مغلوب على امره
فكيف يختار بحرية من نَبثُ له في كل ساعة ان وجوده معرضة للخطر 
كيف يختار بحرية من نُسوق لنه ان طائفته ستُباد
كيف يختار بحرية من نشعره ان مستقبله الوظيفي مرهون بفوزنا
كيف يختار بحرية من لم نجعله يؤمن  بالحرية
نحن لم نَختار بل اُختير لنا وهكذا سيبقى الحال في كل انتخابات مالم ننشئ ديمقراطية كاملة
فالديمقراطية التي لدينا ليست كاملة انما هي ديمقراطية منقوصة و المنقوصة تنتج نظام حكم منقوص وبالتالي اداء حكومي منقوص وخدمات منقوصة ومواطنة منقوصة وحرية وامن منقوصين  لسبب ان مفهوم التفكير عن الاخرين للاخرين ما زال مترسخ في ثقافتنا فنجد ان  رب الاسرة هو من  يفكر ويختار عوضاً عن اسرته المرشح الذي يراه مناسباً ورب العمل هو من يفرض في الوعي او اللا وعي على عماله المرشح الذي يقتنع به وشيخ القبيلة هو من يحث قبيلته على شخص معين وفق نظرته الخاصه لا يوجد هناك ناخب مستقل بذاته الا مارحم ربي فالدعاية الدينية والمذهبية هي احد وسائل اجترار الناس نحو شخص وكيان دون سواه وهذا ما لا يصح في الديمقراطية التي نفهمها و يفهمها العالم ويطبقها فهي شكل من اشكال الحكم الذي يجب ان ينبثق من مؤسسات ديمقراطية التي بدورها يجب ان تبنى على فكر حر ومستقل
فنجد ان الاسلام السياسي ضل لعقود من الزمن يعارض الديمقراطية لانه لا يؤمن بها كشكل من اشكال الحكم ويؤمن بالخلافة  والشريعة والسنه كالية بديلة ومثالية لتنظيم حياة الناس  !! ولكن عندما فرضت عليه الديمقراطية فرضاً استطاع ان يتقولب معها لا بل جيرها  لصالحه كما فعلت حماس في فلسطين والاخوان في تونس ومصر وليبيا والاردن والكويت لذلك تشبثوا بالديمقراطية لا بمفهومها العالمي الذي يؤمن العيش الكريم والمواطنة والمساواة واحترام الاخر بل بمفهومهم هم اي مفهوم الاغلبية هم من يحكمون الاقلية وفق شريعة وقوانين وثقافة الاغلبية وهذا ما لا يمكن قبوله من عاقل ..
لم يستوعبوا فكرة ان الديمقراطية هي ليست حكم الاكثرية وفرض نظامهم على الاقلية انما هي وسيلة من وسائل حكم المجتمع من خلال مؤسسات مدنية يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات وتكون المواطنة هي الأس المشترك بين جميع ابناء المجتمع فلا يسمح لأي شخص ان يكون اكثر من مواطن كما لا يسمح له بأن يكون اقل من مواطن ..
 ففي الدول الديمقراطية ليس هناك قلق ان يحكم مسيحي كاثوليكي مجتمعاً بروتستانتياً وليس هنالك قلق او خوف من ان يحكم رجل من اصل  مسلم دولة ذات غالبية مسيحية كما في الولايات المتحدة  لانهم يدركون ان دين الحاكم ودين طائفته سيضل بمعزل عن العمل والاداء الحكومي  لأن المؤسسات الديمقراطية لن تسمح بحدوث ذلك فالذي يحكم بلد فيه  المسيحي والصابئي والمسلم واليهودي والبوذي يجب ان يتدين بديانة هؤلاء جميعهم وبنفس الدرجة لانهم مواطنون ولا يقزم شخص ويغول شخص وفقاً الى نوع ديانته وهذا مالم يتحقق لدينا حتى ساعة كتابة هذه السطور ..

الديمقراطية العراقية بحاجة الى المزيد من الوعي والنضج كما بحاجة الى ترسيخها كثقافة شعبية تمارسها كافة الطبقات والافراد والمؤسسات وهذا الأمر يحتاج الى تظافر الجهود من قبل المثقفين ومنظمات المجتمع المدني وكل المؤسسات الحكومية لكي ناخذ من الديمقراطية لُبها لا قشورها وشكلها الحقيقي ومضمونها الذي هو غاية كل مواطن
مبروك لكل من شارك في هذه الانتخابات
مبروك لمن فاز فيها
حظاً طيباً لكل من خسر
شكراً لكل الناخبين الذين ادلوا  بأصواتهم

*[email protected]

أحدث المقالات