إلى قلعةِ صلاح الدين الأيوبي
30- 10- 2015
فِي الصَباحِ وَ بَعدَ (دوش) فِي حَمامِ الغرفةِ الفاخر وَبالماءِ الساخنِ، اِرتَدَينَا مَلَابِس صَيفِيَّةً، فَالطقسُ فِي القَاهِرَةِ فِي مِثلِ هَذَا الوَقت مُنعِش رائِع.
نَزلنا إِلَى الطابقِ الثانِي الذي يقعُ فِيهِ مَطعم الفندق، وَجبة اَلفطور عبارة عَنْ بُوفيه مَفتُوح، فَفِيهِ أَنوَاع عَدِيدَة مما تَحتويه مَائِدَةِ الإفطار كَالأَجبَانِ البَيضاء وَالصَفراء وَالبَيضِ وَالبَطَاطَا وَالسلطاتِ والقشطة وَاللحُومِ البَارِدَةِ وَالنَقانِقِ المُحمرة والمقلية وَالفُولِ وَالمُعَجَّنَاتِ وَالحَلوِيَّاتِ ، انَّهَا بِحَقّ كَانَتْ مَائِدَة شَهِيَّة عَامِرَة، اِختَرنَا أحدى الطَّاولَاتِ جَنبَ إِحدَى النَّوَافِذِ الَّتِي تَشرِفُ عَلَى الشَّارِعِ المُكتَظِّ بِحَرَكَةِ النَّاسِ وَالسَّيَّارَاتِ…
بَعدَ إِتمامِ الفَطورِ عُدنا للغرفةِ للراحةِ وَالاِستمتاع بمَنظرِ الِنيلِ مِنْ الشرفةِ والتهيّوء لِمَوعِدِنا مَعَ صَديقي (زُهَير وَ زَوجتهِ أمِّ سَارة) فِي الساعةِ (الحَادية عَشَرَ) رَنَّ هاتفُ الغرفةِ وأخبرنا مُوظف الاِستعلامات فِي الفُندقِ ان ضيوفاً فِي انتظاركم ، أَخذنا المصعد عَلَى وجهِ السرعةِ ، التقينا (زُهَير وَزوجتهِ أمِّ سارة) بَعدَ التحيةِ اخبرنا انهُ أَعدَ لنا برنامجاً حافلاً لهذا اليومِ، لكن وَقبل المباشرة ببرنامجنا سَنتناولُ فنجان قهوة فِي (الكافتريا) التِي تقعُ عندَ مدخل( فُندق وبُرج أم كلثوم ) والتِي تبعدُ عَنْ فندقنا (فركة كعب) أَو(شمرة عَصا) كَما نَتداولها بالهجةِ العراقيَّة، اخترنا طاولة عَلَى الشارعِ العام مُقابل( نَهر النِيل)، ونحنُ تناولُ القهوةِ طلبنا مِنْ عاملِ( الكافتريا) الذِي جَلَبَ لنا القهوة أن يَلتقط لنا بَعض الصورِ الجماعيَّةِ!
بَعدَ استِراحَةٍ قَصِيرَةٍ أُخبرنا (زُهَير) انهُ قَد جَلَبَ مَعَهُ (سَيارة تَكسِي) وَسَوفَ تُقلنا إِلَى (القَلعَةِ) أَيَّ قَلعَةِ (صَلَاحِ الدِّين الأَيُّوبِيّ) وَتسمى كَذلِكَ ( قَلعَة الجَبَل) فَهِيَ مِنْ الأَمَاكِنِ السِّياحيةِ العَرَبِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ القَدِيمَةِ المُهِمَّةِ فِي القَاهِرَة؛ أَتَّصلَ بالهاتفِ النقال (زُهَير) بِسائقِ (التكسي) الّذي كَانَ يَقِفُ عَلَى بُعدِ أَمتَارٍ مِنا أَنَّهُ (عَبدو) السَّائِق الذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مَعَ (زُهَيرِ) يَومَ أَمسِ وَجَاءَ بِنَا مِنْ المَطَارِ إِلَى فندقِنا.
رَكِبنا السَّيارةَ؛ السَّيارَةُ تَسِيرُ فِيمَا مُضيفِنا صَدِيقِي(زُهَير) يُوَضِّحُ لَنا أَبرز المَعالم الَّتِي نَجتازُهَا ، بَعدَ فَترةٍ قَصِيرةٍ وَصلنا ( كُوبرِي قَصر النِّيل ) وَهُوَ أَحَدُ الجسُورِ الَّتِي تعَبرُ (نهر النِّيل) وَالَّتِي تربِطُ جَزِيرَة (الزَّمَالِك) بِمَيدانِ التَّحرِير؛ يُبهِركَ مَنظر تَمَاثِيل (الأُسُود) البرُونزِيَّةِ (الأَربَعَةَ) الرابِضَة فَوقَ قَاعَدةٍ مِنْ الحَجَرِ المَرمَرِ عِندَ مَدخَلِ (الكوبرِي) مِنْ الجِهَتَينِ فِي كُلِّ جِهَةٍ اثنَانِ مِنها فِي مَدخَلِ الجِسرِ…
وَفِيمَا السَّيارَةُ تَسِيرُ عَلَى الجِسرِ قلتُ لِصَدِيقِي (زُهَير) هَلْ نَستَطِيع ان نَقِف فِي أَقرَب مَكَانٍ وَنَلتَقِطُ صُورَة قُربِ الأُسُودِ الرابِضَةِ ! أَجَابَنِي ( زُهَير وَمعهُ السَّائِقُ عَبدو ) :
– نَعَمْ مِنْ المُمكن.
ركنا السَّيارَة وَالتَقطنا بَعضَ الصورِ فِي مَدخَلِ الجِسرِ أَمَامَ الأَسَدِ البرونزِيّ المهيبِ الرابِضِ مِنْ جِهَةِ مَيدانِ التَّحرِيرِ . . .
ثُمَّ انطلقنا صَوبَ ( مَيدان التَّحرِير) كنتُ بِشَوقٍ كَبِيرٍ ان أَزُورَ هذا (المَيدان)؛ فَبَعدَ احداث (الرَبيع العَربي) ثَورة(2011) فِي مصر، أَصْبَحَ ( مَيْدَانِ التَّحْرِيرِ ) مِنْ الأَمَاكِنِ المَعرُوفَةِ وَالمَشهُورَةِ فِي كُلِّ الدُّنيا؛ فَقَدْ كَانَ حَدِيثُ السَّاعَةِ فِي الأَخبارِ وَالأَفلامِ فِي مُعظَمِ قَنَواتِ وَمَحَطَّاتِ التَّلفَزَةِ وَالإِذاعَاتِ والصحافةِ فِي العالَمِ وَهِيَ تَنقلُ تَظَاهُرات المَلايِين وَاعتِصاماتِهِمْ ، وَشعاراتهم الهادِرةِ بإسقاطِ النظامِ القائمِ ؛ وَشِعارهمْ الشَهِير :
أَرحلْ !
وَكَانَ العالَم بِأَسرِهِ وَعَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ يُتابعُ ذَلِكَ الحَدَث الكَبير بقلقٍ وتَرقبٍ عَما سَوفَ تفضي إليه سَاعة المخاض العَسيرهذا ، والمُنطلق مِنْ أفواهِ مَلايين الجموع الغاضبة مِنْ (مَيدَان التَّحرِير) .
اِلتَقَطَتُ لِلمَكَانِ أَكثر مِنْ صُورَةٍ وَأَنا اجلِسُ فِي السَّيارةِ ؛ التَقَطتُ أكثر مِنْ صُورةٍ لِلمَبنى الضَّخمِ الكَبِيرِ (مُجَمَّع التَّحرير الحكومِيّ) وَلِلتِّمثالِ الّذِي أَمَامَهُ ، عَلَى أَمَلِ العَودةِ لِلمَكَانِ وَالتَّمَعُّنِ بِهِ عَنْ قُربٍ فِي وقتٍ أخر. . .
وَمِنْ ثَمَّ اجتزنا ساحَة (طَلعت حَرب) بِتمثالِهَا المهيبِ ، حَتَّى وَصَلنا جَبَل(المقطم) حَيثُ القَلعَةُ المُشيدةُ عَلَيهِ؛ تَرجلنا مِنْ السَّيارةِ وَتَركنا السائق (عَبدو) وَالسَّيارة فِي الكراج المُجَاوِرِ لِلقَلعَةِ ، يَنتَظِرُنا لِحِينِ انتِهَاءِ الزِّيارةِ ؛ قَطَعَ لَنا مُضيفنا (أَبُو سَارَّة) تَذاكر الدخولِ – أَعتَقِدُ( 5) جُنَيهاتٍ مصريَّة لِلفَردِ الواحدِ لِلمواطنِ المِصرِيّ وَكَذلِكَ للمواطنين العَرَب ؛ وَبَدأنا مَسِيرَنا صعُوداً صَوبَ القَلعَة ، الطقسُ خَرِيفِيٌّ جَمِيلٌ ، حشُود مِنْ النَّاسِ تَسِيرُ مَعَنا ، بِنَفَسِ الِاتِّجَاهِ ، فَاليوم هُوَ (الجُمعَةَ) عطلةً رَسمِيَّةً فِي مِصر.
تُشيرُ مَوسُوعَة المَعرفة (ويكيبيديا) أَنَّ صَلاح الدِّين الأَيُّوبِيِّ : ( شَرَعَ فِي تَشيِيدِ القَلعَةِ فَوقَ جَبَلِ المقطم فِي مَوضِعٍ كَانَ يعرِف بقبةِ الهَواءِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُتِمَّها فِي حَيَاتِهِ ، وَإِنَّما أَتَمُّهَا السُّلطان الكامِل أَبَنَّ العَادِل فَكَانَ أَول من سَكنها هُوَ المَلِكُ الكامِلُ وَاستمرتْ كَذلِكَ حَتَّى عَهدِ مُحَمد عَلِيّ)
وَكانتْ بِداية بناء القَلعة عَام ( 572 هـ) أي ( 1176 م) وَالِانتهاء منها عَام ( 578 هـ) أي ( 1183 م ) وَصممتْ عَلَى الطرازِ الإِسلامِيّ.
تَجولنا فِي شَوارع القَلعَةِ وَالَّتِي تَضم العَديد مِنْ الأَبنيَةِ وَالقصُورِ وَالدَّواوِينِ وَالمَسَاجِدِ، انَها قَلعَةٌ حَصِينَةٌ مُحَصنَةٌ بِالأَسوارِ وَالعَدِيدِ مِنْ الأَبوَابِ الكَبِيرةِ؛ مِنْ هَذَا المَكَانِ الحَصِينِ المُرتَفعِ تشرِفُ القَلعَةُ عَلَى مَدِينَةِ القَاهِرَة . . .
فِي القَلعَةِ شَيَّدَ ( مُحَمَّد عَلِيّ باشا بَيْنَ عَامِ 1830- 1848 م ) مَسجِدا ًعُرِفَ بِاسمِ ( مَسجِدُ مُحَمَّد عَلِي باشا أَوْ مَسجِدِ الألبستر أَوْ مَسجِدِ المَرمَر) وَالذي يُعتَبَرُ أَحَدَ التُّحَفِ المِعمَارِيَّةِ الاثرية الجَمِيلَةِ وَقَد بناهُ عَلَى الطِّرَازِ العثمَانِيّ ، عَلَى غِرَارِ مَسجدِ (السُّلطان أَحمَد) فِي إِسطَنبُول ؛ وَقَدْ شَيدَ المَسجِدُ عَلَى قِسمٍ مِنْ ( قَصر الأبلق).
عندما شَاهَدَتُ مَنظر طراز البِناء المِعمَارِيّ الجَمِيل لِمَسجِدِ (مُحَمَّد عَلِيّ باشا) مِنْ الخَارِجِ قَررتُ الدخُول لِقَاعَةِ المَسجِدِ ، عِندَ البَاحَةِ الوَاسِعَةِ المُقابِلَةِ لِقَاعَةِ المَسجدِ ، فُسحَةً وَاسِعَةً تَتَوَسطُها بِناية دَائِرِيَّة الشَّكلِ ذَاتَ قبابٍ مُتداخِلَةٍ تَحمِلها أَعمِدَة رُخامِيَّة وَهُوَ مَكَان مُخصص لِلوضُوءِ وَعَلَى مَقرُبَةٍ مِنهُ تَجَمعَتْ بَعض (الصبيَّة) وَهُمْ يَحمِلُونَ بِأَيدِيهِمْ – أَكياس مِنْ النَّايلون – كَواقِياتٍ للأحذيةِ – كَمَا الَّتِي تستعمل فِي المُستَشفَياتِ ، تستَعملُ استِعمالاً واحِداً؛ إِذ أَخبَرونا انهُ لا يسمح بِالدخولِ لِلمَسجِدِ بِأَحذِيتنا وَتَحتاج إِلَى شِرَاءِ مِثلِ هَذِهِ الواقِياتِ وَ(تلبس) تستَعمل الواقِيَة فَوقَ الجواريب.
فَطَلَبتُ مِنهُ وَاحِدَةً لِيّ وَأُخرى لِصَدِيقِي (زُهَير) وَالذِي وَافَقَنِي بِالدخولِ لِقَاعَةِ المَسجِدِ، أَعطَى(الصَّبِيّ) لِكُلِّ وَاحدٍ مِنَّا زَوجاً مِنْ (الواقِياتِ) ، كانتْ حِصَّتِي زَوج مِنْ (الواقِياتِ) المُستَعمَلَةِ ، طَلَبَتُ مِنهُ إِبدالِهِمَا بِواقِياتٍ أخرى عَلَى شرط أن تكون جَدِيدَة ، أَمتَعض وَقالَ ليّ: :
– مالها يا سيدي دي كويسه .
وَعندما لاحَظَ إصراري. بَعدَ أن قلتُ لهُ:
– هلْ تبدلها؟ أَمْ أذهب وأشتري من غَيرك؟
وَافَقَ بإِبدالِها بِأُخرى غَير مُستَعمَلَةٍ لَكِن عَلَى مَضَضٍ، وَعِندَما سَأَلتهُ عَنْ سِعرَيهِمَا قَالَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ( بِخَمسَة جنهات ) ضَحِكَ صَدِيقِي (زُهَيرِ) وَأَخبَرَهُ إِنَّ سِعرَ (الشبشب) الجَدِيد فِي الأَسواقِ بِـ (خَمسَة جنيهات) ؛ ضَحِكتُ أَنَا أَيضاً وَأُعطيته (10) جنيهات.
دَخَلنا مِنْ أَحَدِ أَبوابِ المَسجِدِ العالِية الكَبِيرَة ، جَمِيع أَرضِيَّة قاعة المَسجِد مَفرُوشَة بِالسجادِ ، وفِي أَحَدِ أَركَانِ قاعةِ المَسجِدِ يُوجَد ضَرِيح ( محَمَّد عَلِيّ باشا) تُحِيطُ بِالقَبرِ مَقصُورَة برونزِيَّة ذات زخرفِيَّة بَدِيعَة الطرازِ، قَاعَةِ المَسجِدِ كَبِيرةٍ ، تَتَوسَّطُهَا قُبَّة شَاهِقة وَاسِعَة ، تَتَدَلَّى مِنهَا العَدِيدُ مِنْ الثَّرِيَّاتِ البلورِيَّةِ المُتلأْلِئَةِ الكَبِيرَةِ الحَجمِ البَدِيعَةُ المَنظر، يَتَوَاجَدُ العَدِيدُ مِنْ النَّاسِ – مِنْ النِّساءِ وَالرجالِ وَمِنْ مختَلفِ الأَعمَارِ- فِي داخلِ الْقَاعَةِ، البَعضُ يُصَلِّي وَآخَرِونَ جَالِسِينَ بِشَكلِ حَلَقَاتٍ أَو مُنفَرِدِينَ ، فِيمَا رَاحَ الْبَعضُ يَلتَقِطُ الصُّوَرَ، وَعَدَدٌ آخَر مِنْ الناسِ يَقِفُونَ أَمَامَ وَبِالقُربِ مِنْ مَقصُورَةِ القَبرِ.
وتشير الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) أن (محَمَّد عَلِيّ باشا) والملقب بالعزيز أو عزيز مصر، هو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي (1805 إلى 1849م) والذي توفي عن عمر يناهز (80) عاماً، ويوصف بأنه (مؤسس مصر الحديثة)
الجزء القادم من جولتنا في (قلعة صلاح الدين الأيوبي) ستكون الى (سجن القلعة) والمتحف الحربي القومي في القلعة.