طواف حول (جلالة الوقت ) للشاعر خضر حسن خلف
الورقة المشاركة في جلسة ملتقى جيكور الثقافي / قاعة الشهيد هندال / 25/ 6/ 2019
(*)
خضر حسن خلف :هو ناقد مثلما هو شاعر، شخصيا قرأت ُ له نقودا أدبية جميلة وتوقعته سيستمر، لكن كما يبدو أسباب الحياة اليومية بشرطها الشرس، هي التي تفترس ساعاتنا اليدوية ومنها الساعة اليدوية للشاعر الناقد خضر حسن خلف. الجميل في خضر:أنه حافظ على همومه الشعرية، وأعتكف على قصيدته، وهو مازال يعد الأشياء منذ صباح الأماني وهو يعلم جيدا (إن ماتشظى يسحقه العابرون وتلمه المكانس تلالا صغيرة في آخر الليل )
جلالة الوقت : عظمة الوقت
المضاف والمضاف إليه، بالتجاوراللفظي والإعراب يذكرني بعنوان رواية نجيب محفوظ (حضرة المحترم)، وفي قراءته يراها جورج طرابيشي هي أن مفردة حضرة هي لحظة الصوفي في الحضرة الإلهية التي(لايتردد في أن يقايض حياته برمتها من أجل لحظة،، حضرة،، واحدة,,/124) واللحظة تنتسب للوقت والوقت مقدار من الدهر والزمان ..والوقت وقتان (وقت للحب ووقت للموت) وهذا عنوان رواية أريك ماريا ريمارك وقد اقترضه ريمارك من سفر إرميا.. لكن يبدو إبداعيا أن الوقت في البصرة يتدفق بين السرّية والجلالة ،القاص المتفرد سلوكا وسردا قصي الخفاجي يراه وقتا سريا* والصديق الشاعر خضر حسن خلف، يجعل وقته مسبوقا بالقداسة (جلالة الوقت )
الشاعر خضر حسن خلف لم يقل : جلالة وقت، لو قالها لكان يعني وقتا معينا أما أن يقول جلالة الوقت فهو يعني الوقت كله، كما أنه لم يكتف بقوله : الوقت، بل هو أسبغ تميزا عليه،فأطلق عليه :اسما من الأسماء الحسنى : الجلالة .إذن جلالة الوقت تعني عظمة الوقت. لكن الوقت يمكن التعامل معه كمادة خام من مواد أنتاج الحياة
والمختلف هو الكيفية أعني كيف تعاملنا مع الوقت . تقول العرب(الوقت عدو مجتهد لايقتله إلاّ كل مجتهد) وهناك مَن يرى الوقت ماءً، فيعمد إلى تدجين الماء وعقلنته وهكذا ينجو من الغرق، ويستعمل الماء في كل ما يحتاجه
الشاعر خضر، نظر إلى ماء الوقت بعمق الهادئين ، وأغترف منه غرفة غرفتين غرفتين أثنتين ..وهكذا تمت شعرنة وقته وتحويله إلى مسبوكات شعرية
(*)
مع خضر نستولي على وقت ٍ مبأر تبئيرا شعرية خاصا ..هل أقول مبصوما بشعرية الشاعر خضر حسن خلف ؟ يحاول الشاعر تثبيت وقته مستعينا بتقاويم يقرأها قراءة ذاتية ،حيث يتسلل من (ثغور التواريخ أراني) فتكون عنوانات نصوص مرقما بتواريخ معينة
*1تموز 1952
*14تموز 1958
*منتصف أيلول 1958
*ظهيرة الأول من آب 1962
*نهاية شهر أيلول 1962
*منتصف تشرين الأول 1962
*أول كانون الثاني 1962
*منتصف كانون الثاني 1963
*6 شباط 1963
(*)
في هذه العنوانات منحنا الشاعر خضر، ما عاشه في وقت سابق ثم قام بتصنيعه ضمن تدوير النص، فأنتقل تجربة الشاعر من الميداني إلى الشعري وهكذا حقق مقولة (الوقت صناعة الهادئين ورفاهية المطمئن) شخصيا سأشطب كلمة مطمئن وأثبّت كلمة الغاضب في نفسه وعلى نفسه ..وبالطريقة هذه أنتقلت (الوصايا التسع ) إلينا نحن رفقة الشاعر خضرلنتعلم تقفية (أثر الجوهر في المضامين) ولم نصالح الحياد وتعلمنا أن نكون مريدين في سلوك العبارة
(*)
خضر حسن خلف شاعر، وهذا الشاعر أمتلك رأسا مبلولا ً فزهدها وقال للأضوية وغير الأضوي : غري غيري، ثم أنتبذ في بقعة ٍ زرقاء من غير سوء، فرأى بعينين شعريتين وأعلن رؤيته في قصيدة (حياة)
(لي سلطان ُ الأحلام
وبمعيتي حشد ٌ من النجوم والأسرار
حاشيتي كلمات ٌ وحدائق معان ٍ)
هذه الذخيرة المعنوية، التي لا تثير قلقا في سوق التجار ولا تجعل المليشيات يشهرون فوهاتهم .. بهذه الذخيرة يشحن الشاعر حسن خضر يومه ويتقدم ويحاول كتابة ً ورسما ً، وهو إذا كان يوجز المختلف الكتابي لديه بسطر شعري
(أكتبني مختلفا في كل ّمرّة ٍ..)
فهو بالرسم يتجاوز الوجيز نحو الإحالة التكرار لفعل الرسم
(أرسمني جسدا يتربّص بالأحزان )
(أرسمني جسدا في حضرة البكاء)
(أرسمني جسدا يرعى رغباته في صحراء الروح)
(أرسمني جسدا ينحرُ الوقت بدم بارد)
(جسدا يتوضأ بقشور اللغة )
ثم ..ربما يبرر الشاعر تكرارات الرسم ،هكذا شعريا
(أعترف ُ
لم يأتيني حلم ٌ قط
أرسمني فيه جسدا مجنونا بالسرور)
هل هذه الرسومات الجسدانية هي رد فعل ذكوري على فعل ٍ ذكوري جمعي في تمسيخ أنوثة المرأة؟ وركيزة تساؤلي تنطلق من هذا الكلام الذي توجهه القصيدة إلى امرأة ٍ منتهكة
(هم وأعترف ُ مَن هم
خارج نطاق بصيص الفوانيس
يرسمونك ِ شجيّة ً في المكاتب
وعلى شكل شراشف بيضاء في المخادع)
إذن تمتلك هذه القصيدة جهتين : جهة الذات تعلن مكابداتها وجهة تنشد / تناشد الآخر لتكتمل من خلاله . وجهة الذات : يمكن قراءتها الوجود في ذاته وهذا الوجود يكتنز بالشعور وتمثلات أنظمة الوعي والحساسية الشعرية في تناول العالم، أم الجهة الثانية من قصيدة (الحياة) فهي تجسد الوجود للغير، ومن خلال هذا الغير يكون للذات في الجهة الأولى : موضوعها الذي من خلاله تسرد مفقوداتها المعنوية وتتخلص من وضر التشيوء والتغرب . فما يريده الشاعر خضر حسن خلف هو الأقل من القليل وبوجيز الكلام هو هذه الأمنية الأعتبارية
(أبحث ُ عمن يستطيع أن يراني
ليمضغ غربتي بتأن
ويتمثل العزلة َ دون توابل )
*خضر حسن خلف/ جلالة الوقت/ أصدارات اتحاد أدباء البصرة/ ط1/ 2017