18 ديسمبر، 2024 7:14 م

موقف الكرد غير المألوف في الانتخابات العراقية 2014 – مقال مترجم

موقف الكرد غير المألوف في الانتخابات العراقية 2014 – مقال مترجم

للمرة الأولى منذ عام 2005 يخوض الكرد الانتخابات الوطنية في موقف فريد لا تكون فيه القوتان الأكبر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني كجبهة موحدة، لا في الانتخابات التي تجري في كردستان ولا في محافظتي كركوك و نينوى اللتين تتمتعان بأهمية حيوية، إذ  شكلت هاتان المحافظتان الجبهة الأمامية للكرد منذ عام 2003 حينما سعوا إلى استعادة ما يعتقدون أنه جزء من كردستان العراق أو “أرض كردستان” التي هي جزء من كردستان الكبرى.

ترك الحزب الديمقراطي والاتحادي الوطني خلافاتهما الداخلية جانبا ً في الانتخابات الماضية ليكوّنوا جبهة موحدة في العلاقات العربية – الكردية في العراق. وإجمالاً فإن الحزب الديمقراطي يسعى لترسيخ الهيمنة التي تحققت له خلال الانتخابات الكردستانية في أيلول عام 2013   والتي جاء فيها الاتحاد الوطني  ثالثاً وخسارته أمام الحزب الديمقراطي وأمام منافسه الجغرافي والآيدلوجي حركة التغيير (كوران).

يظهر الخلاف جلياً في هذه الانتخابات ما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني؛ إذ يتنافس الحزبان بشكل مستقل في كل من كركوك و نينوى، وعلى الرغم من خوضهم مفاوضات لتشكيل تحالف كردي موحد في كركوك، لكنه ما لبث أن انهار في نهاية المطاف عندما اتفقت جميع الأحزاب السياسية الكردية بتاريخ الثامن من كانون الاول 2013 على تشكيل تحالف أطلقوا عليه اسم “قائمة كركوك كردستانية” يترأسها نجم الديم كريم محافظ كركوك من الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان الناطق الرسمي عضو كوران وممثل التحالف في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان يهدف نظام التحالف هذا على ما يبدو إلى استرضاء الجماعات المختلفة التي كانت تصبو إلى مكاسب حزبية، وفي العاشر من كانون الأول 2013 أعلن الحزب الديمقراطي انسحابه من “قائمة كركوك كردستانية” معبرا عن عدم رضاه من أن يكون التحالف بقيادة كريم؛ إذ وصف القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني عرفان كركوكي أن المحافظ كريم “فضل مصالح حزبه على المصلحة العامة” وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني اعترض مراراً وتكراراً على تولي كريم قيادة قائمة كردية موحدة. 

وبالرغم من ذلك أظهر الحزب الديمقراطي تأييده لكريم خلال جلسة المجلس المركزي في الثالث و العشرين من كانون الاول 2013 حينما رحب به الأعضاء المدعوون بحفاوة مع “التصفيق الحار”. إضافة إلى ذلك تحدث سكرتير المجلس عادل مراد موضحا دور كريم في تاريخ السياسة الكردية العراقية ومساهمات كريم كمحافظ لكركوك منذ عام 2010. و بدوره تحدث كريم في الجلسة مفصلاً عمله  كمحافظ لكركوك وأعرب عن دهشته بسماع نبأ انسحاب الحزب الديمقراطي من خلال الإعلام ومن دون إشعار مسبق مضيفاً “إضعاف الاتحاد الوطني في كركوك هو إضعاف لموقف الكرد الموحد”.

يحاول الاتحاد الوطني من خلال هذه الخطوات التأكيد على مؤهلاته كحزب سياسي يبحث عن حماية المصالح الكردية في كركوك، وكذلك دافع الاتحاد الوطني عن كريم – على الرغم من انتقاده لبعض سياساته – بكونه أكثر تصالحا مع الجماعات غير الكردية في كركوك مقارنة مع محافظ الحزب الديمقراطي السابق  عبد الرحمن مصطفى، والأهم من ذلك لا يريد الاتحاد الوطني أن يفرّط بالمصالح الكردية في كركوك نتيجة لقرار الحزب الديمقراطي الانسحاب من التحالف.

المنافسة في كركوك هي فرصة الاتحاد الوطني لاستعادة الحصول على موضع قدم في التوازن السياسي الكردي العراقي الداخلي بعد الأداء الضعيف في الانتخابات البرلمانية الكردستانية التي جرت في شهر أيلول 2013؛ إذ حصل الاتحاد الوطني في نتائج الانتخابات التي جرت في شهر آذار 2010 على خمسة مقاعد من أصل 6 حصل عليها الكرد ويبحث الآن عن نتائج مشابهة في انتخابات عام 2014. ويبقى الشك دائراً بشأن كيفية ترجمة الاتحاد الوطني نجاحه في كركوك لاستعادة النشاط بشكل أوسع في محاولته لإعادة الهيكلة والمحافظة على الحيوية.

أما في نينوى، فإن الكرد غير موحدين نتيجة لقرار الاتحاد الوطني المنافسة مستقلا ومنتقداً “التهميش” الذي حصل له بعد انتخابات المجالس المحلية (إذ خطط الحزب الديمقراطيوعمل مع قائمة “متحدون” على تشكيل حكومة نينوى على حساب الاتحاد الوطني) ووفقاً لزعيم الاتحاد الوطني في نينوى عارف رشدي، فإن الاتحاد الوطني قد اتخذ قراره نتيجة لعدم الإنصاف، مضيفاً: “إن قائمة الإخوة والتعايش لم تنصفنا”.  وباقتراب الانتخابات عانى الاتحاد الوطني من خسارة إضافية في نينوى نتيجة لانشقاق عارف رشيد مع قيادات الاتحاد الوطني في نينوى وانضمامهم إلى الحزب الديمقراطي في نيسان 2014 . الأمر الذي أضعف الاتحاد الوطني وقوّى الحزب الديمقراطي في المحافظة.

وكذلك يعاني الاتحاد الوطني من غياب قائده طالباني الذي يتلّقى العلاج في ألمانيا منذ كانون الأول 2012؛ الأمر الذي شكّل تحديات داخلية وخارجية للكرد. هذا وعلى الصعيد الداخلي، لم يتمكن الاتحاد الوطني حتى اللحظة من تشكيل قيادة مشابهة بالوزن لنظيره في الحزب الديمقراطي ورئيس إقليم كردستان مسعود برزاني،  علاوة على ذلك أثّر غياب طالباني في الاستراتيجية والقوى الانتخابية للاتحاد الوطني مما جعل الحزب الديمقراطي في موقف أفضل. أما على الصعيد الخارجي؛ فكان طالباني قادراً في الانتخابات الماضية على الاستفادة من موقعه ومكانته في بغداد و علاقاته مع الحكومة الإيرانية للمضي قدما في مصالح الاتحاد الوطني و الاكراد ، وكان لهذه الحركة أهمية خاصة خلال المفاوضات مع القيادات السياسية الشيعية العراقية التي تمتلك علاقات مع الحكومة الإيرانية.

كما سيضعف صعود كوران المشهد السياسي الكردي،  فمن المتوقع أن تبلي بلاءً حسناً داخل المحافظات الكردية الثلاث نتيجة كون ظهورها محدود خارج هذا النطاق. وعلى أي حال، فإن ذلك سيؤدي إلى سحب الأصوات من الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني.وتحتل النتائج الجيدة في الانتخابات الوطنية والمتزامنة مع الانتخابات في إقليم كردستان في موقف مهم في ضوء الاتفاقية التي جرت بين الحزب الديمقراطي و حركة كوران في 17 نيسان 2014 لتشكيل حكومة إقليم كردستان وتحييد الاتحاد الوطني.

أما المنافسة الجارية حاليا بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي في هاتين المحافظتين يصحبها تدهور في الوضع الأمني مما قد يؤثر في الانتخابات. ومن المتوقع أن يحصل الكرد على 5-6 مقاعد من أصل 12 في كركوك نتيجة إلى الوضع الديموغرافي في المحافظة ومع ذلك فإن الاحزاب الكردية بحاجة إلى قبول النتائج من أجل عدم إتاحة الفرصة لداعش للنيل من العملية الانتخابية، كما أن للانتخابات في كركوك أهمية كبيرة للعرب أيضا، الذين بينّوا أبرز مشاكلهم في الفترة التي سبقت الانتخابات ومنها عدم أهلية المرشحين وتوزيع بطاقات التصويت الإلكتروني. ومما تجدر الإشارة إليه أن المجلس السياسي العربي دعا إلى تأجيل الانتخابات وبالنتيجة فإن هذه الأسباب ستؤدي إلى التشكيك بالنتائج. 

وفي أماكن أخرى من العراق قرر الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني أن يضعوا الخلافات جانبا وأن يعملوا معاً، في بغداد وديالى وصلاح الدين؛ إذ شكل الحزبان تحالفا مع الأحزاب الكردية الأخرى، فمن الأهمية بمكان بالنسبة للكرد أن يكون اداؤهم جيد في هذه المحافظات لتحقيق أهدافهم في المناطق الداخلية المتنازع عليها.

وإن المخاطر في هذه الانتخابات بالنسبة للكرد مرتفعة، وسيستمر الكرد بالبحث عن شركاء يمكنهم ترجيح الكفة في تحديد الحكومة القادمة كما فعلوا في الانتخابات الماضية ولكن ومع ظهور النتائج ستواجه الأحزاب الرئيسة الثلاثة الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وكوران تساؤلات فيما يتعلق بكيفية تمثيل المواقف التفاوضية وتجنب انعكاس الخلافات الكردية الداخلية على المفاوضات في بغداد، فللموقف الكردي أهمية كبيرة نتيجة لقيام حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط من كردستان العراق إلى تركيا بالرغم من اعتراض بغداد وكذلك سيواجه الكرد معضلة في المساومات خلال مفاوضات تشكيل الحكومة لأن  طالباني لا يمكنه الحصول على مقعد الرئاسة مرة اخرى نتيجة لانتهاء ولايته الدستورية ومن غير الواضح من الذي سيخلفه إذا ما حاول الكرد الحفاظ على هذا المنصب، ومن المحتمل أن يبحث الكرد عن مناصب غير الرئاسة ووزارة الخارجية التي يشغلها عضو الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري منذ العام 2003 و إذا ما تطورت هذه المطالب فإنهم سيقومون بتحالف شيعي كردي ولكن على حساب السنة.  وعليه ووفقا لجميع السيناريوهات هذه، فإن وحدة الكرد ومواقفهم التفاوضية ستؤثر بشكل كبير في حظوظ التجمعات الطائفية العراقية الأخرى.

• مقتبس من تقرير نشر بعنوان الانتخابات العراقية 2014–معهد دراسات الحرب – في نيسان 2014 للكاتب أحمد علي (باللغة الإنجليزية)

• رابط التقرير كاملاً :

http://www.understandingwar.org/sites/default/files/AhmedAliIraqElections.pdf

* جامعة البصرة – كلية الآداب – قسم الترجمة