17 نوفمبر، 2024 7:40 م
Search
Close this search box.

مواقف خالدة… حقا انه حر

مواقف خالدة… حقا انه حر

ما ذلك الموقف الذي اشرأبت له الأعناق؟
وماذا يقالُ إذا السائلُ أفحمهُ البرهان؟ وأبكَمه حسن البيان؟ وأذهله بديع الرهان.
أمّا الكلام فلم يسنح بعدُ سهلهُ، وما انقادَ وعرهُ، وما طوِّع ركبهُ.
أترى يأتي بعد تلك السنين العجاف، والتي لا يُرى مع مرورها البطيء سوى القيظ والجفاف، أبعد كل ذلك يأتي بما أتمتع بالدفء بعد الصقيع، وتتدثر النفوس بتلك الخضرة الناضرة؟
وهل بعد الآلام والأحزان تصبح الأشياء جارية في مجاريها جمالاً، وما أودع الله في الأرواح من بلاسم ونسائم.
وماذا في الحكاية يا ترى؟!
أ هي حوادث تنثال أثر حوادث؟ أم أنها عبر ومواقف؟
إنها قصةٌ قد يصبح الواقع فيها خيالاً، لمن لم يعشها.
ومع ذلك فهي الواقع بمرارة ماضيه، وحلاوة حاضره ومستقبله.
وتلك الايام نداولها بين الناس.
فالعيشُ فيها ألذُّ من السلوى، وقراءتها أطيبُ من زوال البلوى.
ورغم الأشجان فهي سائغة الزلال، وفيها من سحر الوصال.
ومع إعادة السؤال، على ذلك المنوال.
أين نقطن؟!
أَ تُرانا نقطنُ في بروجٍ مشيّدة بأعمدة صنعها ذلك العاشق الولهان، أم اننا نقطن في منازل مشيدة من آجر ولبان، ولكنها تبقى شاخصة لعلها تحمينا من آفة أو نيران.
وفوق أعمدة الإبداع سقف لشعورٍ مسؤول، يحرك فينا الضمير، يعلوه بوح الهمس، وقد سكت الكلام، ولم يرجعه صدى.
وعذرا ايها الشاعر فإنني سأستبدل كلمة السيف بالموقف حينما قلت: السيف أصدق أنباءً من الكتب*** في حده الحد بين الجد واللعب
فتدلّت لآلئ الكلمات، الذي صنعته مواقف تنبعث من الأعماق، تصنع بالفصيح معجزة لقصة قال فيها القدر كلمته.
وماذا عسى للمرءِ سوى انتظار البيان يتساقط ودقًا يرنو، ثم يعانق ذلك الإنصات،
يحثّ النفسَ على نهم القراءة مرارا وتكرارا.
فأيُّ سماءٍ لتلك النجمة المتألقة؟ وأيُّ عبورٍ يكون بين دهاليز السطور؟.. إذا تفاقمَ بنا الصمت؟ وقد دُثرنا برداءٍ يُلبسنا استحالة الخروج، بل يحثّنا على التقوقع في محرابِ الحرف والبيان.ترك الحكم والجاه والصولجان، ترك الإمرة والأبهة وما تلذ بها النفس من مغريات الدنيا والفتيات الحسان، تركها على حين غرة من حياته.
وها هو يحتدم الصراع في داخله، صراع الجنة والنار، صراع العقل والانهيار، صراع العز والاستهتار.
ولكنه ثبت ذلك الموقف، ليس لأنه انتقل من ميدان الذل إلى ميدان العز والحرية فحسب، بل إنه انتقل الى جبهة هو يعلم بأنها خاسرة عسكريا، ولكن فهمه بقي متألقا بأنها وبالرغم من انها كانت تبدو مصابة بالعشو، بيد أنها ستُنفض عنها غبار الزمن وتكون كزرقاء اليمامة في حدة النظر.
فتحُ القلوب والأبصار، بحاجة الى موقف ورجال، وكان لها عندما ارخى مقود فرسه صوب الحبيب، فانه اقتلع حب الأنا وغرس حب الحياة في حركته الخالدة تلك.
انه انتقل من النعيم الزائل الى النعيم الدائم، من النعيم المشوب بالمشاكل الى النعيم الذي ليس فيه تعب ولا لغوب ولا غيلة غائل.
المعجزة في الموقف انه ترك الدنيا وما فيها من ملذات الى الموت الزؤام، ولكن الموت عنده يبقى مختلفا عن الموت عند الكثير من الأنام.   
نعم انه الحر، وحقا انه حر في الدنيا وسعيد في الآخرة كما وصفه بذلك سيده ومقتداه في تلك اللحظة الحانية الوادعة التي حفر بموقفه الفريد وبكل جدارة وشهامة ورجولة اسمه بالتاريخ بأحرف من ذهب.
انه نفر من أولئك الذين ليس على وجه البسيطة أنصارا أوفى وأبر وأصدق منهم… 

أحدث المقالات