منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والعرب يعيشون في وهم وخيم , خلاصته أنهم يتعاونون مع أعدائهم للوصول إلى ما يريدون ومن ثم ينقلبون عليهم , وهذا الوهم أصابهم بمقتل في ثورتهم الكبرى , التي تجيّشوا فيها مع الدول المعادية للدولة العثمانية على أمل التحرر وإمتلاك الإرادة وتقرير المصير , وحصل لهم ما حصل.
وتكررت ذات النمطية في سلوكياتهم التي تسمى تحررية , فالعديد من الحركات التي أجهزت على أنظمة دولهم تحت مفهوم الجمهورية والثورية إنتهت بهم إلى أصعب الأحوال , لكن العرب لا يتعظون ولا يتعلمون ولا يريدون المواجهة الشجاعة مع أنفسهم.
ويدور ناعور الولاءات لأعدائهم على أمل طردهم بعد أن ينالوا ما يهدفون إليه بواسطتهم , وكأنهم يحسبون أعداءهم مطايا يركبونهم للوصول إلى ما يريدون , ويغيب عن أذهانهم أن لا أحد يساعد أحدا في مدينة الغاب الأرضية إلا لتحقيق مصالحه , فما يحسبه العرب مساعدة وإسناد , يراه الآخر فرصة وإستثمارا في مشكلة سيوظفها لصالحه وللوصول إلى أهدافه ومراميه.
وتجدنا اليوم أمام ذات اللعبة الخاسرة التي فيها يريد الذين توهموا بأنهم ركبوا قطار قوة ما للوصول إلى هدف معين , وتناسوا أن تلك القوة كانت تريد الذي حصل , وأنها إستخدمتهم وسخرتهم لصالحها وليس العكس , وتراهم بعد أن إستولوا على كل شيئ , صاروا يتكلمون بلغة الفاتحين والمناضلين , وينكرون أنهم قد جاؤوا بقطار تلك القوة التي لفضلها يتنكرون , ولدورها في وضعهم في مناصب ما كانوا فيها يحلمون.
والعجب العُجاب أن الخراف تريد أكل الذئاب , والذين في العرين يريدون التخلص من حماته , والحافين من حوله بقوة وإقتدار لا يُضاهى , والأعجب أن محاولات تشويه الحقائق وطمسها تمضي بشدة , وتتوشح بأغطية عقائدية , وتتصنع التدين والوطنية والحرص على سيادة لا تؤمن بها ولا تعترف بوجودها , لأنها تمضي خانعة وراء وليّها وكبشها ذو الأجراس الرنانة.
فهل من المعقول أن الخراف ستنتصر على الذئاب , وهل أن القرون لها القدرة على تحطيم الأنياب وقلع المخالب , وتفتيت جمع المنقضين على كبش سمين؟
إن الواقع يشير إلى أن التفكير بتحطيم الدبابة التي أوصلت مَن أوصلت إلى السلطة يعني تدمير قدرات البقاء في السلطة , ولا يمكن الإدعاء بغير ما جرى وحصل , فالذين يحكمون تسلموا الحكم من الذين قادوا الحرب على النظام الذي كان قائما وأزالوه بجميع مؤسساته وأركانه , ووضعوهم في محله ووفقا لقياساتهم ومواصفاتهم التي تؤمّن مصالحهم ومشاريعهم البعيدة المدى.
فعن أي إخراج وتخريج ومواجهة وسيادة يتحدثون , وكأن البلاد ذات سيادة وفيها حكومة ذات هيبة وقوانين وقيم وأخلاق سلوكية تتباهي بها بين الدول , وما أنجزت سوى الدمار والخراب , وتعممت بالفساد والإفساد الرجيم.
فمَن سيُخرج مَن , يا أمة يجهلون؟!!