الشعر نشاط مهيمن على الوعي العربي في سوح الثقافة , ويكاد يكون نبراس الإبداع وأوحده.
قد يرى الكثيرون ما يرونه , لكن الموضوع يتصل بالسلوك المتوارث عبر الأجيال ويتحكم به الشعر.
وعندما نأخذ بنظر الإعتبار البيئة الزمانية للشعر , تبدو الأمور على أنها تفاعلات هروبية من واقع بائس نكيد.
عبّر عنه بوضوح إمرؤ القيس في معلقته , التي تحول كل شيئ قاس فيها إلى حالة أخرى متصورة ذات أجنحة ضوئية.
ويبدو أن التوجه الهروبي من الواقع لايزال فاعلا في الشعر العربي , وخصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين وما تلاه.
وتجدنا أمام نصوص شعرية فنتازية , محلقة في عوالم لا تمت بصلة للحياة اليومية , ويُراد لها أن تكون جمان الشعر وقدوته ومقياس مستوياته وطبقاته , فالشاعر الفحل من يغرق في الهرب والإندساس بالرمزية والغموض والإستعارات الإسطورية وأخواتها.
أما الشعر الصريح الواضح , فيتهم بالمباشرة والهزالة وفقدان الخيال , وما شابه ذلك من أدوات الهرب والتماهي بمفردات الجمال والإحتيال.
فالكثير من الشعر المنثور يمثل محاولات للربط بين كلمات بآليات لا تتوافق والمنطق السليم , ويحسب الساقط في متاهاتها يكتب شعرا.
فالشعر أن تتخاصم الكلمات وتكتشف عن علاقة جديدة بينها , وتؤبن العبارات وتنهر العقل.
الشعر أن تبوح على السطور , وتعلن قيامة الشعر , ومهرجان القول المدجج بالقول.
فما نفع آلاف القصائد؟
وما معنى أن يكون الشعر بلا معنى؟
وهل أن من الشعر لجنون؟
إنها مذبحة أجيال ومقصلة التداعي في آبار الخبال!!
فهل ما نقرأه شعر , وهو كالأشواك المركونة في صحارى وجودنا الغبراء , ويأبى أكلها حتى البعير؟!!