23 ديسمبر، 2024 5:10 م

“الوقوف على قدميك يمنحك مساحة على الأرض ..لكن الوقوف على مبادئك يمنحك العالم بأسره”
بالأمس تحدث لي احد أبناء مدينتي عن قصة استوقفتني كثيراً جعلتني اجتر الحكمة السالفة .
يروي النائب ضابط عبد الله عن صديق له يدعى نائب ضابط “عبد الستار” يقول : في أحدى سني الحرب العجاف مع ألجاره إيران أُبلغ النائب ضابط عبد الستار بظهور اسمه في وجبة السيارات التي كان الرئيس السابق صدام حسين يوزعها بعنوان “مكارم الرئيس” على المراتب والضباط في حروبه مع الجيران على مدى سنوات حكمه، وعند وصول الخبر أليه لم يظهر عليه سرور كبير أسوة بالآخرين كما جرت العادة مع ممن تظهر أسمائهم بوجبة السيارات!.
كان جوابه لمن بشروه (خير أن شاء الله !!). فوجئ المبشرون بردة فعل نائب ضابط عبد الستار وحاولوا استنهاض مشاعره بالقول : (خير أن شاء الله هاي مكرمة الرئيس ….) هنا رد عليهم عبد الستار بهدوء : أذا كانت مكرمة من الريس أني ما ريدها… هاي استحقاقي، أني رجل مطوع على الجيش وهذا حقي!.
استغرب المبشرين حديثه وحاولوا ثنيه عما يتفوه به من كلام . حتى وصل الخبر إلى ضابط الاستخبارات في الوحدة ، أرسل بطلبه للكشف عن الحقيقة، واخذ يسال عبد الستار عن عدم استلامه مكرمة السيد الرئيس!، وكان جوابه أذا كان السيد الرئيس منطيني من بيته، فأنا ارفض الاستلام أما أذا كانت الهدية من الدولة فسوف استلمها !.
يكمل حديثه عبد الله عن زميله ،عرفنا أخبار عبد الستار بعد سنين ، حيث  حكم عليه (15 ) سنة مع طرد من الجيش !!.
يختم محدثنا قصته: بعد سقوط النظام شاهدت نائب ضابط عبد الستار بـ “العاصمة بغداد” مرتدياً زيه العربي، وقد تركت السنين أثارها عل مشيته، لكنها لم تسرق شجاعته وهمته ، ولكونه حفر شخصيته في ذاكرتنا جميعاً حينها، فقد عرفته ودنوت منه ثم بادرته بالقول :أذا مكرمة الريس ما استلمها ؟ فرد علي بشجاعته المعهودة: إي والله ما استلمها…. واليوم استلمت (168 ) مليون دينار من مؤسسة السجناء السياسيين !!.
الغريب ما يدور اليوم من ترسيخ لثقافة المكارم ،على الرغم من ان الدستور العراقي نص في باب الحقوق والحريات المادة (14 )” العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العراق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي “.
فمتى نشيع ثقافة المساواة بيننا ،ويعي العراقي أن المسؤولية هي تكليف لخدمة الناس وليس موقع للوصاية على الناس واللعب بمقدراتهم كيفما يشاء.
اعتقد أننا بحاجة إلى طبقة واعية شجاعة تستطيع أن تعرف الجمهور بأن حقه في العيش بكرامة داخل بلده وتوفير سبل الحياة  ، هو مطلب شرعي وليس مًنه من احد ، ولذلك فنحن نستقبل حقوقنا المشروعة كمواطنين ونرفض مكارم الريّس كتابعين!!.