18 ديسمبر، 2024 6:59 م

مقامة الخلاص العراقية

مقامة الخلاص العراقية

كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان.

كان هناك مدينة عظيمة، تعيش حياة مترفة كريمة.

أهلها كرام طيبون، ولهم في قصص الشجاعة والعزة ما يثير الشجون.

لكنهم ــ مع كل ذلك ــ لم يكونوا سعداء، وإلى راحة البال والهدوء هم فقراء!

فبحكم الغنى والنوايا السليمة، كانوا معرضين للهجمات الأليمة، يفقدون فيها دوماً الأحباب، ويطرق الحزن عليهم كل باب!

ولما اشتدت عليهم الخطوب، وزادت الجروح والندوب، ضج القوم بالعويل، ونادوا: اطردوا كل فاسدٍ دخيل.

فلما هم الناس بالعمل، وامتلأت صدورهم بالأمل، باغتتهم أعاصير الشرور، واقتلعت فرحهم من الجذور!

حطمت المنازل والسدود، وأهلكت تحصينات الحدود، وغزتهم جيوش القمّل والجراد، وابتلعت الحيتان كل خيرات البلاد، ومنعوا بالقوة من الاحتجاج، فالحوت الكبير لا يريد أي إزعاج!

فلما التجأوا طالبين العون من الجيران، استقبلتهم سيوفهم وصرخاتهم ان وقت الانتقام قد حان!

فاكتشفوا ان محبتهم كانت خداع، ووجوههم ليست إلا اسوأ قناع!

حينها خاطبهم عاقل القوم الحليم، ان لا نهاية لحزنكم العميم!

فكيف ترجون أمان الوطن، وانتم تتبعون ألف وثنّ؟!

وكيف تنتظرون الفجر والنور، وشمسكم مقيدة بسلاسل الظلم والجور!

وأي خلاص وحرية تريدون، ومدنكم تخبو وتعلو أسوار السجون!

والأنفس تفتك بها الآثام، حتى كادت تكون بلادكم كلها أرضٌ حرام!

والفاسد الأكبر سحر العيون، حين أقسم لكم انه لن يخون، لكنه يسرق عياناً حاضركم، ويقطع التذاكر لسلب مستقبلكم، وهو لا يشبع وما زال يريد، ولسان حاله يردد: هل من مزيد!!

فبادر الناس بالسؤال: كيف إذن نغير الحال؟

قال: أخلصوا النية اولاً، وشدّوا العزم ثانياً، واطلقوا الحمام من أقفاصها، وفكوا الشمس الأسيرة من سجنها، والتقوا على أرضكم السواء، واجعلوها رغم الوانكم واسمائكم هي عنوان الانتماء، وطهّروا الفكر والعقول، واطردوا الكسل والخمول، والفظوا كل ماكر أثيم، الظالم لأهله واللئيم، واحموا حدودكم بسياج الخير والبّر، ففي ذلك خلاصكم… فهل من معتبر؟!!