22 ديسمبر، 2024 7:07 م

مقالات عن وباء الكورونا ابداعا ..

مقالات عن وباء الكورونا ابداعا ..

ترجمة : خضير اللامي ..
الجائحة وامتدادت سردها التأريخي..

تأليف : ريلا آسكيو
ترجمة : خضير اللامي
ريلا آسكيو تُعنى بكتابة سرد الروائي التأريخي ، تقيم في قلب الولايات المتحدة الأميريكية ، وتعد الوباء الزاحف والمحتمل فضلا عن الكتابة عنه، آت في قادم الزمان ..

يبدوأننا سنستيقظ مع قدوم طبول الجائحة ببطء ، هنا في قلب هذا البلد : وكيف قد تغير جوهريا .
فحين كنت فتاة ، جاءت إلينا ازمات الحوادث بسرعة فائقة جدا ، نقلتها لنا اخبار الساعة السادسة مساء ، وسهلت موضة الازياء طريقها الينا تدريجيا ، كطلاء مسكوب ، زاحفا من السواحل باتجاهنا هنا في اوكلاهوما . وكنا متأخرين دائما مسافة اشهرعن كاليفورنيا ونيويورك .
وشعرنا برائحة الجائحة الى حد ما . في البدء ، كانت ثمة مسافة أو حفيف ينذرآن فيها الصين وايطاليا . ومن بعد ذلك ، من الساحل الغربي : سيتل لا .Seattle LA ، ومن ثمة مدّ أحمر من الصفاء والفوضى . ومن بعد ذلك ، جاءتنا النذر من نيويورك . وخلت الشوارع ، وخيّم الصمت . ومن ثم شيكاغو وديترويت تلا ذلك اوريليانز . وادركنا أنها تشق طريقها الينا مباشرة . ولكن لا يبدو عليها أنها تقوم بشيء مهم حتى الان .
ولكن فعلتها بعد حين ، مع زميل لي في الجامعة ، هو صديق لصديقي ، وثمة كثير من كبار العمر اجروا فحوصات قريبا من دار رعاية ، وكانت النتيجة ايجابية . وهنا في اوكلاهوما ، يبدو أن زحف الوباء اقل ، وكثير في مكانات أخرى ، وبخاصة في المدن الكبرى ، وباتجاه المدن الصغرى يتكشف تدريجيا ، وبحركة بطيئة ، وسرعان ما تكون هذه الحركة اسرع .
ولكن ، لم تكن حركة رهيبة هنا ، قلنا لنفسنا . فموتانا اصبحت بالمئات ، ولم تكن بالآلاف ، وأننا حاليا ، نصرخ أن اخرجوا من البيوت ، واذهبوا الى العمل ، فإن الجائحة هي من الصغر بحيث لا يتعدى حجمها حجم ضفدعة لا يتعدى هو الاخر ، وعاء ماء على النار سرعان ما شعرت ان الماء يغلي ، تهيأ للقفز .
وقد تناولتُ ثيمة الجائحة في اعمالي السردية السابقة ، سواء القصيرة منها أو الطويلة : فإنّ التآكل التدريجي للكرامة والأمل بين التشرد والحرمان والكآبة ) رواية القيثارة (. فإن العنف العرقي والرعب خلال العام 1921 ، زمن مذبحة تولساTulsa Race Massaker ، في رواية “حريق في في بيولا ” Fire in Beula ، قد تعقبت الورم والمذابح الوحشية، فضلا عن اعادة التشكيل الانجليزي للرواية التي اعمل عليها الان . ودائما هنالك حاجة لتتبع التراكمات الصغيرة والتفاصيل التي تقود الى دورات المناخ .
ومن فوائد السرد التاريخي ، هو أننا نملك منظور الزمن والبعد . وإننا نعرف تماما ، أننا ننظر الى الخلف ، حيث ثمة طرق لا تُعد ولا تُحصى ، وثمة من ينظر احدهم الآخر. وإن المشاكل التدريجية . الذنوب ، والفرص ، والاضطرابات ، كما وصفها جون بارت . إن هذه الاضطرابات هي في قوس التاريخ الانساني . وإننا نعرف أن هذا الجمعي ، اذا لم يكن هو جمعيا ، فإننا نعيش . فإن ذلك الشيء الذي نعيش ، ذلك الشئ الذي نريد ان نسرده لانفسنا في خضم الجائحة حقا . في جريانه السريع . هو أن كل شيء سيكون حسنا ، تغيير و لاتغيير ، مختلف بيد أنه ليس مختلفا .
وحين بلغت سن الرشد ، فإنّ قس كنيستنا اعتقد أن اضطرابا سيصل في أي لحظة : وإن نهايات ايام التحول قريبة حين يظهر السيد المسيح مرة ثانية : وسيولد من جديد اطفال المسيح وسيمسكون به مرة ثانية لمقابلته في الهواء الطلق . وفي كل ليلة يوم احد سيصلي بهم الاخ لوك في الهواء الطلق ، وبيده انجيل الملك جيمس مفتوحا ، وبيده الاخرى ، جريدة اخبارية يود أن يخبرنا فيها ، كيف أن الأختام قد تحطمت .
وقد صدقته . وفي المدرسة ، قمنا بتمارين دحرجة للحماية في حالة تهاجمنا قنبلة نووية . كما يتدرب الاطفال الان على اطلاق الرصاص الحي . وهكذا ، أننا الان نعيش اجواء حرب عالمية ، فقد حارب اباؤنا ، الى حد أننا توقعنا قدوم الهولوكوست في أي لحظة، الدمار ، نهاية العالم . إنها قادمة على اليهود في اوربا ، اليس كذلك ؟ إنها قادمة الى مواطني هوروشيما وناغازاكي .
وقد سمعت هذه القصة من قبل ، في المدرسة ، او الكنيسة . لا اتذكر أيهما . ولكن ، إن اجمل ممثلة في اليابان ، قد تمرضت لانها اصيبت بالاشعاع النووي مما ادى الى سقوط شعررأسها باستثناء خصلتين بقيتا فيه. وحين حركوا جسدها بعد وفاتها فإن تلك الخصلتين قد تركتا خلف الوسادة .
حسنا ، ثمة شيئآن في تلك القصة المشكوك بصحتها . الشيء الأول هو قوة تفاصيلها . فإنّ تينك الشعرتين المحروقتين أتذكرهما جيدا حتى الآن : إنهما خلقتا رعبا قويا حقا في داخلي . إما الأخريتان فهما تتعلقان بقصة جرائم جماعية ، قام بها بلدي بإلقائه قنبلة نووية على مواطنين أبرياء . وإننا نقول دائما ينبغي أن يحدث هذا ، اذ ليس ثمة وسيلة أخرى لانهاء هذه الحرب . بيد أن الحقيفة هي ، أن هذه القصة تسابقت عليها الكنيسة والمدارس هنا في وسط المدينة ، وبعد اجيال من الزمان هنا ايضا وفي وسط البلد ،وبعد اجيال ايضا بعد انتهاء الحرب ، اخبرونا أن كثيرا من الناس اننا نعرف ذنبنا ، حتى وإن لم نكن نعرفه. حتى وإن لم نعترف به أصلا .
وفي احدى الليالي ، استيقظت في سريري – لا بد وأن كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري – وهكذا كنت مسكونة بقصة الممثلة اليابانية ، ولم استطع النوم . ذهبت الى ابويّ لمشاهدة اخبار الساعة العاشرة في قاعة الإستقبال ، وقد اخبرتهما بالقصة ، وكم كان خوفي شديدا من أننا سنموت جميعا في حرب نووية . كما اخبرتهما أنني افكر أنّ نهاية العالم لم تحن بعد .
إنني اتذكر أنّ والدي كان رجلا مهذبا جدا ، ومشاعره عظيمة ، وبهذا الهدوء ، حاول عمليا تهدئتي . قائلا : نحن جميعا نخشى أن العالم بأجمعة سيموت اكثر من موتنا نحن . وقال لا اعرف لماذا يحدث هذا كله في العالم اكثر مما نخافه نحن . قائلا ايضا : إنه لا يعرف لماذا يحدث هذا كله ، ولكن يبدو تماما اكثر خوفا ، ومن الصعوبة بمكان أن نغوص في أعماقه . ثم حاول طمأنتي أنْ لا اقلق ابدا ، ذلك أن نهاية العالم لم تأت بعد .
وفي الحقيقة ، لم يكن هذا صحيحا ؛ ففي العام 1960، وصل العالم الى حافة هاويته ، ولم تكن هنالك حربا نووية . وجاءت سنين العام 1970، والعام 1980، ودورة القرن ، والألفية الجديدة ، ومازال العالم لم ينته بعد، وبعد مرور اعوام من الآن كنت انظر الى الوراء ، والى تنبؤات نهاية العالم ، وبكل الوسائل الى تنبؤات جون وإلى جزيرة باطموس Isle Patmos وقبل ذلك ايضا ؛ الى الوراء ، وقبل ذلك التاريخ ايضا الى الجيل القديم ، الى دانيال ازيكيل والى الاشوريين القدماء . وقد جئت الى والدي لأعرف ماذا يقول عن تلك الليلة تلك التي كنا فيها ننظر الى نهاية العالم لأننا بامكاننا أن ننظر الى نهاية عالمنا تماما .
وفي العام 1930 ، الذي يُعد عام الجفاف والتهور ، وممارسة الزراعة التي خلقت واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في أوكلاهوما ، الذي خلق واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخ الامة . وفي قلب الارض التي احتوت على شجيرة اوكلاهوما التي تغلي في الافق . وتحولت السماء الى قطعة سوداء تتصاعد نحو افقها ، وراحت تتدحرج غيوم الغبار ، وتتسابق عبر السهول : خالقة بذلك جدارا عاليا من الأوساخ ، وموجة مد وجزر تجتاح طريقها ، مدمرة بذلك الماشية ، ومدمرة المحاصيل الزراعية ، ومسببة اختناق الاطفال ، وتجريد التربة السطحية ، والعواصف الترابية المرعبة ، وجائحة مرعبة تماما . الى حد اعتقد الناس فيه أن نهاية العالم اقتربت تماما .
ولكن في كتابة رواية عن حقبة ذلك العهد ، وشعوبها وصلت الى الاقتراب من فهم أنّ هذا هو حقبة الجائحة التي تقود الى شيء قد يفاجئنا : الى عقد من التكهنات دون رادع لممارسات جشع مصرفية غير خاضعة للرقابة – وكل هذا يقودنا ايضا الى كآبة عظيمة الغبار ، والذي يقود الى هجرة جمعية كبيرة للأميركان البيض ، عقب فترة طويلة في تاريخ الامة لمئات من الالاف الطوابير يشقون طريقهم غرب كاليفورينا ، والتي تقودنا الى ايقونة جون شتاينبك في روايته عناقيد الغضب Grapes of Wrathالتي تقود الى سبعة عقود من الزمن . وتعلقا بي ، فإن كتابة الرواية ، لا تتجاوب مع عواصف رملية عظيمة ، ولكن تعلقا برواية شتاينبك التي اعتقد أنها تحمل بعض الرعب عن رجال اوكلاهوما ، التي تقود الى الحاجة للبحث عن تفاصيل قبل وخلال الجائحة العظيمة : فضلا عن اخفاقات البنك وقتل الابقار وتسميم الارانب الوحشية واجتياح الارض والاغصان التي يبست عروقها من العطش ، وهروب الارانب حين يلتقي الناس ، وحيث تندفع مثل هذه الارانب حين يتجمع الناس في ايام الاحاد حيث تندفع الاف الارانب البرية بصراخها نتيحة ضربها حتى الموت . فضلا عن التفاصيل الحسية كما لو انها تسرد قصة .

وبسبب ذلك الايمان . ومن ثم شيء قد حدث بالتأكيد وصل الى النهاية مع اصلاحات البروتستانت ، وثمة شيء جديد برز من الرماد مثل طائر الفينيق ، تغير او لم يتغير؛ مختلف اوغير مختلف .
وفي الحقيقة ، وبسبب ، ان الناس بقوا يحافظون على حقهم في قتل الناس باسم الايمان الديني ، وليس الايمان الديني بالضبط ، ولكن باسم الايمان السياسي ، والاقتصادي ، او العرقي ، او الايمان، اوالاظهار الديني او خطأ بروتوس ، انه ليس في نجومنا ، ولكن في دواخل نفوسنا .
وإنه من المريح جدا أن نفكر في الكتّاب الذين يسردون علينا قصص الجائحة ، والى هذا الحد كان في الغالب ان الشعراء يحملون شهادة فضلا عن دور الصحافيين بالطبع ، وكتّاب القصص الواقعية . ولا بد انْ يستغرق هذا وقتا طويلا ، واعتقد كي يبدأ الروائيون لإحباط تلك الكارثة البطيئة ، وكشف النقاب عن نهاية العالم هذه تدريجيا عن الالغاز العالمية هذه . ربما يستغرق هذا وقتا طويلا جدا فإن الكتب ستبقى تعمل على الرواية التاريخية .
إننا نقرأ هذه الروايات ، لاننا نريد أن نعرف مالذي يحدث ، ولماذا – ليس الاعمال الواقعية حسب، والا فإننا سنتقتنع بالروايات التاريخية غير الواقعية لعلم النفس البشري ، اننا هنا نريد ان نفهم الدافع الحي والمجاعات والمخاوف في داخل الشخصيات الروائية ، ماذ يحدث في تلك الايام المظلمة في داخل قلوب الناس الذين يعيشون هذا الواقع . وهذا يكشف عن القناع . وهذا تعلقا بي دائما ما يكون سر الإله ..
جامعة اوكلاهوما ..

ريلا سكيوي ، هي كاتبة روايات قصيرة ، ومقالات ، وروايات . روايتها الاولى كرسي الرحمة . ترشحت لجائزة Pen Faulkner Award وجائزة Diplin IMPAC . وحصلت على جائزة كتاب اوكلاهوما وجائزة 0klahoma Book Award وجائزة التراث الغربي Western Herotage في العام 1998، حريق في بيولاه ، وهي رواية عن مذبحة Tulsa Race كما حصلت على جائزة ، كما حصلت على جائزة مكافأة الكتاب الاميركي . اما قصتها ” مقتل البلانكيت ” ومن بعدها ترشحت للحصول على جائزة القصص القصص القصيرة 1993 ..

 

 

 

 

 

 

 

 

حافظوا على حياة أمّي ..
تأليف : غياني سكاراغاس ..ترجمة : خضير اللامي ..

 

ثمة صبي في اليونان قد عاد إلى منزل أمه للعناية بها خلال إصابتها بوباء Coved – 19 ، راح يتأمل ماهو هذا الوباء العالمي ، وما يخفيه عن شخصيتنا ..

كان الإسبوع الأول من شهر مارس – آذار شهر جنون ، حاملا رسائل قلق من الأصدقاء ، تؤكد تفاصيل عن الوضع الحالي ، تتساءل فيه عن صحة تلك التفاصيل ؛ وتسري إشاعات عن الحجر الصحي الإلزامي ، وعن ملاذات أخرى آمنة : هل أنت قادم من نيويوك ؟ وهل أنت ذاهب الى زيوريخ أو اثينا ؟ وهل قد غادرت جينيفر . وهل شاهدت كثافة الجيران في بروكلين لفرش شقتها الجديدة في مدينة هدسن ، واختار وولتر العزلة في توربينثال عبر زيوريخ ، أما أختي في أثينا فعليها أنْ تعمل لتغيير عملها في المستشقى ، وأما ديفيد فليس لديه نية مغادرة ايطاليا ، وحان الوقت للقرار قبل إغلاق المطار ، وتعليق حركة الطيران، خاصة وأنْ تّم الغلق التام ، وأنّ العالم الذي إتخذته من أجل المنح قد تحوّل الى خبر كان . وما عرفتُ الذي أفكّر فيه – ما زلت لا اعرف – فقط كان عليّ أن أكون مع شخص كان يحتاجني .
ولا تعتقد أمي أنّ الجائحة الجديدة ، هي كما سيناريو يوم القيامة ، وتعلقا بي لا شيء ، ولكن ، طعام إبنها حسب . وفي الأسابيع الماضية . سئمت نيلز من خلال ملاحظاتها محاولة ان تهيء وجبات الطعام التي ربما قد فسدت لكثرة احمائها ، وتركها مكشوفة لفترة . ولكن لا شيء ، باستثناء جولة الطعام في العالم ، وكصنف من العرض ؛ تنسحب الى الطهي السياحي لأطباق العالم ، وعبر تقديم اطباق الطعام بوصفها أطباق طعام عالمية . فالزوايا العالمية الجديدةغير جاذبة تعلقا بها . ما لم يستطيعوا أنْ يشرحوا موقفها . فهي سرعان ما تشعر بالرعب . خاصة وأنها متقاعدة بعد خدمة ميكروبولوجية . وهي في كلا الدورين كانت تقوم بذات العمل ، واحيانا تحاول اصلاحي بذات التحديقات التي تقوم بها وهي تستخدم المكروسكوب .
ونيلي ليست بحاجة أنْ ترى العالم برؤية جديدة ؛ فهي ترغب أن تنظر اليه مباشرة . كما بقية الأمهات ، فهي تملك حاسة سادسة عن المتاعب ؛ فضلا عن ذلك تدرك تماما ما هو خطأ بالطريقة التي تعرف فيها الخطرعن ذلك الذي تحبه ؛ حتى وإن لم يكن لديها سبب للقلق . وذات يوم سألتني ، أن اضع كل شيء في الانتظار ، وقبل أنْ تضع الولايات المتحدة الأميركية واستراليا الدورة ، وتضيف الى القائمة الطويلة الأحداث الترفيهية التي ألغيت والتي اعيدت جدولتها في العالم .
إصغ لإمك ، ولو مرة واحدة حسب . وهذة ليست المرة الاولى التي أعيش معها في العقد الماضي في بداية ازمة الاقتصاد الاوربي . شاهدتها أمام منزلها في ثيسالونيكي ، Thessalonikوكانت كسيرة النفس تماما ، وكانت ايضا ، لا تملك ضمانا صحيّا ، وغيرقادرة حتى أن تجد عملا في مطعم . أدخلْتني منزلها ، أعطتني الغرفة كنت فيها في سن المراهقة، غير راغبة حتى أن تسأل ، كانت حسب مكتفية بإعفائي من الطغيان في التجوال ، مما حدث ، وما الذي جلبني الى هنا الى هذه الحال . في هذا الوقت لا اشعر حتى بالشفقة ، وأنني لست طيّارا ، وإنما انا كاتب بوهيمي ، يسكن في شقة والدته . وهذا الوقت ، الذي تحثني فيه أن اكون صبيا كي يأتي السبب الذي اكون فيه متميزا . لاقوم بدوري لاقدّم مساعدة متواضعة لإبطاء انتشار Covid – 19 . .
وأنا اكتب هذه المادة ، كانت اليونان قد أغلقت حدودها . كما أنّ جميع المحلات هي الأخرى أُغلقت ، بإستثناء المتطلبات الضرورية بما فيها الصيدليات ، ومخازن الطعام ، وقدّمت الحكومة ما هو ضروري من متطلبات لهذه المرحلة للحيلولة دون سقوط المستشفيات ، فضلا عن ذلك أُغلقت المدارس والمتاحف والمطاعم ، وحذّروا من التجمعات الإجتماعية ، وأستثنوا من ذلك أوليّات حفاظ حياة الانسان ، وذلك بوضع خطط لإنقاذه . ولكن من الصعوبة بمكان اتخاذ مثل هذه الخطط ، خاصة وإنّ البلد قد شرع بعرض علامات النمو الاقتصادي ، وبعد عشر سنوات من ازمة الديون . ويبدو هذا أنه قرار نظام للرعاية الصحية لمواجهة الضغوط .
وقضت والدتي أيامها في المنزل . ” إنه لا يدعني اخرج للتنزه .” قالت هذا لصديقاتها مدمدمة بهدوء وهي تكلمها . ولكن ذبذبات صوتها تبدو مريحة ، وكما لو أنها في عالم آمن ، وكما لو أن هذا العالم ، يحمل ذبذبات الإمتنان ، وكما لوأنها ايضا تعيش في وضع طبيعي . حاولتْ أن تدرك الشيء الغريب في حياتنا الروتينية . قمت بتنظيف بعض البقع في يدي وارتديتُ قناعا مزدوجا ، اعتادت نيلي فحصه خشية وجود تمزق فيه ، وانا التقط ، وفي كل الوقت الوصفات الطبية في الصيدلية ، ومن ثم اذهب الى محل البقالة . لأخلع ملابسي واعقمها قبل دخولي الشقة ، اشاهدها تستبدل اغنية في جهاز ستيريو بين المطبخ و الكاونتر ، وثمة عبوات مطهّرة ابتعتها من اسواق السوبر ماركت .
كانت نيلي تقرأ دراسة عن الخيال العلمي، فضلا عن ذلك هي دراسة علمية صرف ؛ حول احتمالات وضع اصبعك في الاغشية المخاطية اوعلى وجهك . وهذا ما يسبب خطر العدوى من خلال مسحهما وحكّهما . يا للسخرية ! حين يحكّ انسان ما أو يمسح مثل هذه الأعضاء، فإنه سرعان ما يتعرض الى خطر العدوى . ” قالت ذلك ! وربما تحدث استجابة عكسية للحياة . كما لو أننا مقتنعين تماما أنّ العالم يحمل العطور والروائح والنكهات ، و حين نستنشقها ونتذوقها نتعرض الى الفناء ..
وهنا ، أريد أن أفكّر ، أنني نزلت من ، وأعود الى الجميع ، ولكن البحر الأبيض القديم يطوق الأولاد ، الذين يهتمون بأيديهم حين تكون أمهاتهم وآبائهم قد غادروا الحياة نتيجة الإهمال . لذا ، يسمحون للشباب الإستمرار في الحياة ؛ لاننا لا نعطي الرعاية فقط ، فعملنا يطوقنا بالتفشي . وعلينا أن نعيد صحوتنا هنا ، أننا شخصيات رئيسة في قصة يأسنا الخاص هذا ، مدركين ذلك ، أنّ يقظتنا هي عامل قرار إذ إنّ صحتنا غير محصنه ، وثمة أشخاص ضعفاء هم بيننا . وفي عالم يتصارع مع جائحة ، علينا أن نبدى يد المساعدة للذين هم كبار في العمر ، ونبدو العطف عليهم وفي الإسلوب الذي عليهم أن يرتدوا لباسا ضيّقا ، يعرف أن ذلك في بعض الاوقات عليك ان ترتدي ملابسك الداخلية وانت في الخارج كي تغيّر طريقة الناس الذين يفكرون ما الشيء العملي ، والذي سيكون مقبولا في الحياة .
وفي جيران حي المتقاعدين ، فإنه علينا أن نرتدى أقنعتنا ، وسماتنا المجرّدة – وعلى أنْ الشباب غير المتزوجين أنْ طاقم متعدد الالوان ، فضلا عن الشابات المطلقات . كنا نرتدي اقنعتنا ، بيد ان ملامحنا تبقى مجردة كما هي – وثمة طاقم متنقل من الابناء غير المتزوجين بمختلف اعمارهم ، وفتيات مطلّقات ، في الجناحين الأيمن والأيسر – وعلينا أن ننجز مهماتنا وبمشاعر غامضة وفي عالم متواز ، وفي زمن آخر نخاطر فيه لنجمع الطعام ، ويلتقي احدنا الآخرفي نقطة تفتيش قرب سوق السوبرماركت ، ونوميء برؤوسنا إحتراما ، ونقدّم نصائح أحدنا الاخر ؛ أين نجد تجهيزات الوباء ، وهنا نستثمر معنى الكلمات بطرق ؛ أنّ حياة شخص ما من الممكن انقاذها من قبل شخص آخر – ورغبة الآخر للإمتثال مع انظمة التباعد الإجتماعي .
وتقارن أمي الأمراض وحسب الحاجة الضرورة ، بيد أن العبارة هي الى حد ما مضللة ، وتجعلني افكر باقتناص فرصة لنغيّر تصرفاتنا ؛ ونتجنب موقفا مشابها ، في قادم المستقبل . ولكن حتى التطبيقات المماثلة من الممكن أن تكون هي الأخرى غير مماثلة . وليس ثمة ساحة حرب . نها فقط ، قصص جديدة لتهديد غير مرئي ، لا تتعدى أنْ تكون مظهرسطح خارجي . ومن المحتمل أن تكون غيرصحيّة ، وستهددك في نهاية الأمر. إنك ستلامس العدو ، وسيلامسك هو الآخر . اذ ثمة جانبان لكل قصة . وقصتنا لا عودة لها . وما يهمنا الآن هو رفوف الصورة المروّعة ، والمخازن المجرّدة والخاوية من كل شيء . الموانيء مهجورة ، والطرق سريعة ، والمقاعد فارغة ، ومجموعة كوابيس مخزونة في جوانبنا منذ زمن طويل ، كما مكتبة طواريء ، تتراكم في تطور كي تجعلك تحافظ على تخمينك للنهاية القادمة ، وما الذي يحدث لحضارتنا .
وكل هذه الآفات – التي سبّبتها فىيروزات كورونا . أقنعة ، خنادق عملاقة ، مقابر عامة ، واكفان موت ، متكدسة في الكنائس ، ووحدات خزن معاصر، وشاحنات تجميد خارج المستشفيات . وتوديع الاقارب لموتاهم عبر السكابي Skype ، في وردهات العناية المركزة ، والسماح لاقاربهم للتعبيرعن التضامن من خلال اناشيد وتصفيق عمال العناية المركزة ، واحدهم يتحدى الاخر- انه قياس جديد للزمن .
وفجأة شعرت أنّ ثمة ساعة دقت في داخلي ، بيد أنّ الوقت لم يطول في أعماقي . ولا بصيص ما يشير الى انقاذي، أوما يبدو أنّ ثمة شيئا قادم ، إن استثنينا المستقبل القريب ، فسيعيد قياس الصمت ، وإنْ استثنينا الحضر المؤقت للحياة الطبيعية ، كما لو أنّ إحساسا يفقدنا شيئا أساسيا ؛ إن كان يحملنا جميعا على كل حال .
وكنا قد قررنا كثيرا أنْ نلوم نمط إسلوب حكومتنا – إبتدأ ، من زمن إخفاقاتها الإستهلاكية الفاشلة ، والتي لا تشبع مواساتنا الإستهلاكية الى مؤسساتنا الحضارية التي نهض عليها العالم الغربي – وكان هذا مستحيلا في الغالب أن نفهم كيف اننا وجدنا انفسنا غير مهيئين . ونظرنا الى نظرية المؤامرة لنواسي انفسنا ايضا ، لأنها كانت مريحة لتقلل من دور السبب والنتيجة . وثمة مخاوف جديدة لحفلة تنكرية ، قديما وحاضرا في ذات الوقت المعاصر. التي لم تستوعبها عقولنا العملية في الوقت الحاضر .
وذات يوم سألتني أمي عن أصدقائي . وكانت كما تبدو عليها علامات عدم الرضا ، وكما لو أن تساؤلاتها الغرض منها كما تبدوعدم الرضا . أخبرتها بتأنّ ، لماذا قررت ُالبقاء معها في بيرث Perth ، في استراليا ، حيث أجّلت سفرها الى كاستوريزا في استراليا إلى شهر آب . وقبل أسابيع قليلة قررنا أن نضع في بالنا تضمينات جميع تلك الاشياء التي تبدو سلبية في البداية ، ولكن من الممكن أن تتحول كل هذه الاشياء الى إيجابية في نهاية الأمر . قالت : ” كيف بإمكاننا الذهاب لإستبدالها ؛ إذ بإمكاننا أن نستبدل اللمسات الإنسانية ؟ هل بإمكاننا أنْ تتخيل أن نكون غير قادرين للتقبيل مرة ثانية ؟ وانا أعد هذه الإمكانية : إنّ شفاه الإنسانية التي حافظت على حضارتنا في مدى مئات السنين كما ايقونة شهوتنا هي وسيلة تفانينا ووقارنا ، ومن ثمة فجأة تتحول الى شك ؛ والى قيم انسانية مبالغ بها ، أنها تحمل عبأنا وعمرنا لنحتفي بالمخاطرة بدلا من الأمان . وليس ثمة قبلة تستحق كل هذا الرعب . اذن ، كان رامي على حق . والشيء الحقيقي الذي نخاف ؛ هو الذي سيحدث بعد وباء الحجر . وهذا ليس نهاية العالم ؛ ولكن هو نهاية عاداتنا .
يا ماغي ، أن ناشر اعمالي الإغريقي ، يتساءل بدهشة كيف ستكون حيواتنا بعد مرور سنة بعد الان . ففي مرة سابقة تحدثنا من خلال الهاتف ، هل سينتابنا الحزن الشديد لفقدان احد اصدقائنا الأعزاء بسب وباء كوفيد 19، مثلا ، فإنّ كل شخص يوميء إنّ المستقبل غامض ، ولكن هذا ليس دقيقا . كما تعتقد . اذ لم يكن المستقبل حقيقة ، ولكنه لم يكن مملكة الانسان ، قال اولتر .من جانب آخر ، نحن مصنوعون في الغالب مع سريالية الظروف كما مخلوقات برمائية ، ونتدبر أن نتنفس من خلال جلودنا . وربما يكون بمقدورنا ان ننام في سبات عميق في فصل شتائي ، وبدلا من تمثيلنا الغذائي ، ليكون ادراكنا يتباطأ ، قال ، ستكون قلوبنا ذات مغزى وضرباتها ذات مغزى ايضا، وقال ، بدلا من ذلك سيتباطأ تمثيلنا الغذائي ، سيتباطأ ويتقاطع بصورة عملية “ والى ان نستطيع ان نحشد الانسانية لنحمي حمى عقولنا وارواحنا من الحزن ؟”
وكانت انّا تنظر الى والدها لفترة طويلة ، وربما الى أن ينهزم وباء كورونا . وربما لا نفترض ان ننجو منه . ” وقالت انّا ” وسنكون مهددين بالخطر والانقراض ، ربما يساعدنا هذا لتقييم ما تعرضنا اليه . ” ومن ثمة رفضت استخدام كلمة ” المرض العقلي dementia ، حيث داعبت شعر راس والدها بطريقة كما لو انه طفل ، شعرت باحساس غريب اخيرا : ذلك انها لم تكن مهيئاة لنفسها لأي احد ” إنني ما عدت اطيق الحياة . كما لو أن الزمن ابتدأ يتدفق نحو الخلف ..”
كانت ماريّا وكيلة أعمالي في شمال اليونان ، كانت تتصارع مع مرض السرطان منذ سنوات سبع . وهي ليست بحاجة في الحقيقة الى درس آخر ، عن كارثة غير متوقعة ؛ وكم هي الحياة قاسية وغيرعادلة . وهي تعرف ماذا تشبه لتحديد قيمة المرضى طبقا لأعمارهم . وماذا تعني تعلقا بالمرض ، كي تربط او تتعلق بمجموعة موصومة : لتصيب جانبا من الصدر بمرض السرطان ، كانت في الحقيقة تصارع سرطان الثدي مما يؤدي الى حرمانها من الجنس ، بينما ويتوقع غلبنا اصابته بهذا الوباء في يوم من الأيام ، وتعلقا بماريا فليس ثمة لقاح يساعدها في السباق لقتل هذا المرض .
والجميع يتحدث كيف أنّ حياتنا ستؤول الى حد ما الى حافة الخطر ، وتحد من انسانيتنا وتأثيرها السلبي على الاقتصاد .إننا هنا ، نبحث عن استعاراتنا لبصيص ضوء ، واستجابة اقتصادنا لعبقرية شيطان ، ربما يوضح اختلاف نماذج هذا المرض . إننا نفكر بالإطاحة بأحجار الدومينو لتلعب عناصر الفرص لانتشار الفايروز ، وليحّفز زمن الحرب لمقارنات العناية بصحتنا واعتبار المحترفين للقوات، واعتبار الفايروز طاعونا يعاقب فضلا عن انتقام الطبيعة .
وسيشكل الطاعون شكل عالمنا بوصفه رقم نموّه وبيئته ، ولم يكن فقط السؤال” لماذا ” أن فايروز كورونا يجعل دمنا يجري باردا ؛ لكنه يملك امكانية إخفاءه ، وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه لماذا أنّ العالم يخفي المعنى . ماذا يعني للعالم اخفاء هذا الوباء ولماذا يعمل هذا الكابوس لنتحمل عبأه ؟ هل يقوم بهذا العمل ليجعلنا ندرك ان السراب والحرية النفيسة ، وجميعا عاني من الوباء . ولكن ما ذا يعني أنّ ندرك أنّ ما يؤثر على شخص واحد في أي مكان يؤثر في كل مكان ، وعلى أي انسان ؟ هل نحن مختبر أرانب وهل نحن تجربة خطيرة ، او تجارب للمستأجرين في العالم او الاتصال الحميم الذي يؤثر على شخص واحد لينتقل الى كل العالم ، وعلى كل واحد وفي كل مكان ؟ هل نحن مختبرتجارب جديدة ؟ هل نحن مستأجرون في العالم ، وهل لنا علاقة حميمة بين الانسانية والشفاء ليصبح مختبرا للجميع واكثر وضوحا ؟
وقد حذّرت إنجيلا ماركيل Angela Merkel ، المستشارة الالمانية ، أننا سنعيش مع فايروزات لفترة طويلة ، الى أن يستنفد الوباء مجراه ، وثمة اناس ، يفكرون حقا ! إن هذه هي خدعة او معادلا لانفلونزا دورية لمعدل اصابات ، وثمة اناس سيسخرون من إسلوب أ، و طريقة التباعد الإجتماعي ، ومنع الإحتجاجات ضد الإغلاق. ويطرحون شعارات مثل : وضع علامات تنص : يحمل علامات تضحية بالضعيف ، افتحوا الاقتصاد . ” ولا احد يحمل أدنى فكرة ، كم من الوقت نستغرقه كي نلقي حتفنا ، وكم يستغرق الوقت للتغيير ، وما هي الكيفية لحياتنا المستقبلية ؟ وبفايروز كورونا – 19 هذا ، سيظهر حقائق عامة عن شخصيتنا ، واعجابنا ، والصفات الرائعة لإعجابنا وارتباكنا في ذات الوقت . ويمكننا أن نتحد في قضية عامة مشتركة ، او على الاطلاق ليس ثمة اي اعتبار للضعفاء . ويأتي التحول او التغيير بعد معضلة عويصة وسنجد حلا للتغييرات في المستقبل ولكن ايضا ، وادراكنا لذلك هو أن الضعيف هنا ، يحدد لوقت اكثر ، ويعطي ادراكا أن الضعيف بحاجة الى وقت اطول وانتباه لحيواتنا لاولئك الذين يمكن ان يقرروا لاحيائهم .
والى ان يعود عالمنا الى وضعه الطبيعي ، فإننا سنحتاج الى عبارات جديدة ؛ لتلامس القيم الجوهرية التي تعني الحياة . قصص جديدة ستاتي مندفعة خارج هذا الكتاب المقدس ، وكما نعرف قصص التحولات للانقاذ من قاعدة يوم ليوم اخر، خرافات حول مدى ضعفها وتربطنا كما نحن . وعملي هو ينبغي ان يكون ابن امي حتى نرسم الاتجاه في الطريق الصحيح ، وعملي ينبغي ان يكون مخلصا للاخرين كما انا ، ومن الممكن ان اكون في الاتجاه الصحيح . وعملي ينبغي ان يكون في الاتجاه الصحيح ايضا. وينبغي على الاخرين ان يسيروا بهذا الاتجاه ، ولكن من الممكن ان نكون محبطين وقساة ، الى حد نؤذي الاخر وندفعه الى المعاناة ، ولكن في كل مرة لها ظروفها ، وعلينا مواجهة الكوارث . ويمكن أنْ نكون متأملين ، ونقوم بعمل إيجابي ، وقادرين على تسجيله . وان صنف . من النوع الذي لا يمكن تصديقه ، وتضحية من النوع التي تنقذ البشرية وتضحي من اجله . وفي كل مرة علينا ان نجلس ونفكر اننا ابناء امهاتنا ، مدركين اننا ذاهبون ليس لانقاذ العالم ، ولكن على الاقل اننا نريد ان نحيا حياة عاطفية تعني البقاء احياء .
ان العالم سيتغير . ان كنا نفكر انها اي حياتنا هي نادرة . انتظر لترى ما الذي يحدث اذا لم نفعل ذلك !

غياني سكاراغاس ، هو روائي ، وكاتب سينمائي ، فضلا عن انه كاتب مسرحي ، وتضم اعماله باللغة الانجليزية الاعداد الاولية 2009 ، واعماله الحديثة سيدة رو وقصص اخرى ، كانت مكافاته وزمالاته هي تكريم من منظمات اميركية واوربية وحاصل على جائزة السرد الادبي في جامعة كولارادو 2018 ، ويسهم بشكل كبير في مجلة الاداب العالمية

 

 

الماء ضد السكّر
تأليف: كارلوس بنتادو
ترجمة : خضير اللامي

ثمة كاتب يفكر في أنْ يكتب عن الحجْر الصحي ، و – النحل – في الساحل الجنوبي ، من ميامي، في وقت كان يتأمل فيه قدوم الوباء العالمي ..
اليوم ..
وضعتُ ملعقة العسل على النافذة . ورحتُ أحدّق فيها حقا ! رحتُ أحدّق فيها لفترة طويلة ، وكانت قطرة العسل هذه تستقر بهدوء في جوف ملعقة ذهبية اللون .
لا أستطيع القول ، كم مكثتُ ؛ أو كم استغرق مني الوقت هنا ، بيد أنني متأكد تماما ، أنني بقيت نصف ساعة تقريبا .
وغطت صورة العسل وميض الإناء المعدني ، الذي يبدو أنه شبيه اكثر ، من احدى تلك الصور التي تشبه ما نعالجها في جهاز 3D..
كنت جاثيا على ركبتيْ في مواجهة النافذة ، وكان ضوء الصباح رقيقا ومهيبا ، وكان نسيم البحرعذبا . كنتُ أراقب فيه الضوء الأبيض ، على ضفاف ساحل ميامي في فصل الربيع ، و كان النسيم الذي يأتي من الساحل منعشا . أنا متأكد أنه يعتقد أنني ناسك أمارس طقوسا ، وفاقد الأمل ، أو مجنونا . أو محاولا تأسيس مواجهة من النوع الثالث .
بيد أنه لا أحد قد يجئ أو يذهب ؛ لأنني في حجر صحي انفرادي ، نعم ، لا أحد يجيء ؛ حتى لو كان شبح والد هاملت ، الذي كان اكثر وحدة مني تماما الآن .
وادراكي لهذا يخرجني من اعمق اعماق افكاري . أو من عمق وميض داخل جسدي ، وفي هذه اللحظة سقطت مزهرية ، من لا مكان ، بيد أنها لم تسبب خسارة . وهذا ما كنت افكر فيه .
تمددت قليلا : وأدركت الآن لماذا وضعت ملعقة العسل على النافذة ؟!
قبل عشرة ايام
)لم يكن هذا شيئا بيزنطيا (.
إلتهمتُ خبز لوف صلب ، أعتقد أنه خُبِز خصيصا للمحجورين إنفراديا في أوقات الحرب ، ويبدو أنه قد خُزن لأيّام ، لذا ، حاولت أن أنعّمه كي يكون صالحا للأكل ، وبعد أنْ وضعت بعض العسل على سطحه ، ثم تناولته ، بيد أنني قد نسيت تناوله في السكين التي على حافة النافذة .
أما الوقت الذي لا نهاية له ، والشيء المتقّلب ، لا وجود له في الحجر. أو ربما موجود . او مشوّه ، أو ربما يميل كثيرا جدا الى تشويه ذاته ، بحيث امسى الآن زمنا بلا حدود : لا استطيع تصوره اكثر من تراكم ساعات حسب . ولا استطيع تجاوزها دون احتمال مواجهة قصف ، مع هذا ، رحتُ أعدّ نفسي أنني ملك في فضاء لا نهائي .
وثمة لحظة ، ببساطة لا اعرف كيف تأخر المساء ؛ أو كيف أنّ هذا ليل ، هو ليل فعلا ؛ ولا شك في ذلك . التقطت الآيفون لأكتشف . نظرت الى الليل خارج نافذتي ، لأرى الضوء السائد عبر الجيران ، والشرفات القريبة ، والعربات الباركة في الكراجات ، وحين اقول الجيران لأكوّن فكرة عماّ هو الوقت الآن .
الحقيقة ، هي بناء معرفي ، سِلك ناعم الملمس ، متشوّه، قابل للتغيير، أوغير قابل في الآن ذاته : ولا يتوقع المرء حدوثه ، ويتقاطع مع قمع قَسم النهاية الموعودة ، وسينهار البناء الهرمي نحو الأسفل . وشكرا لهواتفنا وتلفازاتنا التي مكنتنا أن نؤشر بسهولة الى تلك الكوارث التي حدثت في الماضي مثل : احتراق كاتدرائية نوتردام ، وكارثة انفجار شرنوبي ، او كارثة الهزة الارضية في هاييتي . ويبدو أنّ هذا الوباء19 Covid ، كما لوأنه صبي مدلل ، او فيلم من الخيال العلمي ، ذو قدرة فائقة كليّة الوجود – ويستطيع المرء أن يتذكر اصله حسب ، أنه يتركنا الآن في الغالب ، دون ادوات أين هي الآن ، لكن في الحقيقة ، أنها سهلة : وفي كل مكان ، ستفتح الباب ، وستجد الشيطان خارجه هناك ينتظرك ، ينغلق الباب ، لتجد الشيطان ايضا هناك ، بانتظارك يشرب الخمر في كأسك ، يقرأ الرواية التي تركتها . وستضطر الى غلقه ، وسترى ملابسك معلّقة ، وهو يحلق ذقنه أمام مرآتك ، ويمارس الحب مع صديقتك ، او مع صديقك ، ويلعب الشطرنج دون ان يدعوك الى الأصغاء الى المعزوفات المنفردة ، يدخن سيجار، يشاهد فيلما ، او نشرة اخبار في التلفاز ، او يقبّل شفتيك . ليس هذا حسب ؛ إنما يحتفي بعيد ميلاده في السابع عشر من شهر نوفمبر . وهو الآن بروتس الجديد ، يتحول من خفاش الى أي كائن انساني .
وفجأة ، أجدني أحببتُ هذه العودة الى العصور الوسطى ؛ عودة اخرى الى الماضي . حتى شعرت بتحريم الروتين . وانا من الصنف الذي يحرّم الروتين ، كما أنني من الصنف الذي يشعر كثيرا في التواصل مع الجيران ، واعني المدينة ، أعني البلاد ، أعني عالم الحجر الصحي الطوعي ، وبعد ذلك انتقل الى حجر طوعي آخر في منزل أمي التي تعيش وحيدة ؛ ولكن لا استطيع الذهاب اليها بدون أن اكون متاكدا ؛ ذلك أنني لست كولونياليا شريرا .
إنني أخطط الآن ، على البقاء معها بقدر ما أستطيع . وليس كما كنتُ في السابق لأنذر إشارات جسدي . وهذا ينبغي أن يكون بلد جميع الرجال المسنين . وينبغي ان يكون هذا ايضا بلد الجميع يا صديقي W.B .Yeats، وينبغي أن نكمل حلقة الحياة . وينبغي ايضا الإعتناء بآبائنا واجدادنا ، كما رعونا واهتموا بنا حين كنا اطفالا .
ومنزلي هو الفضاء الوحيد الذي أعيش . ومن هنا ، فإنني انظر الى كل شيء في الداخل ، وفي الخارج مع أنني متلصص تنقصه التجربة ، رغم إنّ عملي لا تنقصه هذه التجربة ، ورؤيتي حادة وتناسب الظلال الجديدة للضوء .
ومنزلنا هو الفضاء الوحيد الذي أعيش . ومن هنا أنظر الى كل شيء ، من الداخل والخارج . فإنني متلصص قليل الخبرة ، وعملي قيد التقدم للتكيّف وتعديل شحذ رؤيتي ، تناسبا مع ظلال الليل لفتح طريق جديد للاشياء التي تحيط بي . و أبحث عن حل أو طريقة جديدة للاشياء التي تحيط بي .
أريد أن افهم أيّ وقت تتم إزالته عنا حالا . اذ إنّ المحجر يحثني على المعرفة ، او تلك الخلافة للساعات التي أتشبث بها تماما ، كما سجين يتشبه بتلك الحركة من الزمن بين وجبات الطعام . وومضات الطبيعة للضوء الكاذب . وسيكون الليل والنهار ملغّمين ، وقابلين للخروج ، فإنْ لم نكن في ذلك” الروتين “فإن الاحداث ستخلق بناء الزمن ؛ بناء زمن الدكتاتورية هو افضل الافتراءات ، فإنني كتبت في مكان ما . لن نسمح لأي احد أنْ يقوم بأي شيء خاضع للزمن . ذلك أن الزمن هو دكتاتورا ، مفتري كبير، الزمن هو معصوم ومصنوع بمرور وقته . تماما كما سجين ، انا اعيش في الاشياء تلك التي تؤكد أنني مخلوق انساني في هذا العالم ، في ذلك السرد الذي ربما يسرده انسان غبي – يسرد اشياء غير مهمة .

قبل تسعة ايام
إنتابتني موجة تذمر لفترة طويلة ، حول امكانية تامة لانجاز كتابة الفصل الأخير لكتاب الفطور تحت هبوط الثلج ، وهي رواية كنت أصارع فيها لمدة ثلاث سنين تقريبا . ولأكثر من شهر ، لم أسأل ابدا لمدة ثلاثين يوما لتفاني تيتانيك الى الصفحات البيض . لا اجازة ، لا سفر ، لا مسرح ، لا قراءة لكتّاب آخرين ، لا كتب ، لا قهوة ،لا سينما برفقة الاصدقاء ، لا تسكع على ساحل البحر ، لا ساعات سعيدة ، لا مجد ،لا حب ، لا بارات ، لا حفلات ، لا عربدة . فقط وحدة كما لو أنني مجرد قرد . ولشهر كامل ، حنين فقط لتناول فطوري تحت الثلوج .

قبل ثمانية ايام
إنني أتذّكر الحبكة جيدا : فالشخصيات ما زالت حية . إيما إمرأة رشيقة ، أم نموذج ، تقود عجلة زرقاء اللون ، في شارع جيفرسون ، وكانت العجلات تبعث الحرارة كما فرن دون مكيّفات هواء. ومع تصاعد درجة الحرارة التي تجاوزت المائة درجة فهرنهايت ، ثمة عربة وطفلة عمرها ستة اشهر مربوطة في المقعد الخلفي ؛ وترتدي بلوزة قديمة ذهبية اللون :.فقارئي المستقبلي لن يعرف ، ومن غير الممكن أن يعرف .( أنّ إيما قد فرّت من زوجها بينما كانت تعاني اكتئاب ما بعد الولادة، أوقفت العربة ، اغلقت نافذة العربة ، هبطت ، وسارت باتجاه ماكنة سحب النقود في البنك الاميركي ATM ، أنني أرى مشيتها الجميلة كما لو أنها خارجة لشراء الزهور كما كلاريسا دالاوي Clarissa Dalloway. ومن ثم تسلمت نقودها .
قبل سبعة ايام
) شفاه البقر. (
لم اكتب أي شيء يوم أمس . وبقيت القصة غير مكتملة ، مثل تلك المشاهد الطبيعية التي تسافر معنا قبل دخولنا نفق مظلم وطويل . تنقّلت حول غرفتي سداسية الشكل ، وذات سطح كبير ، مطلية باللون البرتقالي حتى سقفها ، وثمة موقد نار في وسطها ، وهي كما قصة واقعية سحرية إن اعتبرنا ذلك أنني أعيش على ساحل ميامي الذي يفيض تحت الضوء والحرارة .
إنّ الاشياء التي تحيط بي ما زالت محجرا خارقا للطبيعة . وهو أي المحجر – وا حسرتاه ! يبدو أشد غضبا – يساعدني على أن انظر واسمع أفضل : وثمة تمثال صغير للأمير يتقلد سيفا سيلتيا ) نسبة الى اقوام سيلتيين المورد الحديث .. ( كما في تعليق المصباح البغدادي بذات السلسلة ، وقد اعتدت أن اشعل الضوء واطفئه . وربما أتخذْت جميعا الان معنى آخر ، أو ربما أنها تخفي شيئا ما . بعضها اتخذ إسما معاصرا . بعض الهدايا المسيحية مثلا . إنني في الغالب متأكد أنها تحمل إسما آخر سيميولوجيا لم يُكتشف بعد . وقرب هذه الأشياء ، مثل الحدائق ، ثمة كتب قد قرأتها الآن ، ومازالت منحنية للقراءة . بعضها كتبها اصدقاء لي : ناتاليا ، وشيريل ستريد ، الكسندر شي ، جورج شتاينر ، مارلون جيمس ، هيلاري فوغان دوليل ، فاليريا لويسيلي ، و ديفيد ايبيرشوف .
، وليس من الصعوبة بمكان ان اتخلى عن روايتي ” أينما تمتص النحلة ، اراني انا الاخر امتص … وفي جرس البقرة المعلق يذكرني في رواية إلآه الاشياء الصغيرة .
وعلى كل حال ، إنني اتذكر الحرارة ودرجتها المرتفعة والفتاة ذات الست اشهر . فإنني اتذوق حالا نسيم الهواء الذي يفزعني تخيل النحلة التي تحلّق فوق جبهتي ..

قبل ستة ايام
وضعتُ في ذات الملعقة فوق الشباك المزيد من العسل . حين حاولت أنْ أزيل ملعقة العسل يوم أمس ، شاهدت نحلة فوقها . وربما تكون ذات النحلة . فكرت . إذ ثمة نحلة آنشتاين – ورغم ذلك ، وقد يتفق الجميع أنه مشكوك فيه – الذي يقرر أنّ السلالة الانسانية ستختفي بعد اربع سنين بعد وفاة آخر نحلة .
وذات مرة ، شاهدت نحلة تتمدد في طيرانها ، في العسل ، وحدقت في نحلتي ؛ كان جمالها في الغالب يتحدى ، أنها تطير كما راقصة باليه . أعرف أنها تتعقب أثر العسل الذي تركته في الملعقة . إنها تستخدم هذه المهارة كي تصرّ على شيء واحد يمنحها معنى لحياتها ، هو فضيلة لدى عالم النحل ، بيد أنه سديم في عالمنا الأرضي .
وقد قرأت ذات يوم أنّ النحل يمكن أنْ يتذكرأنّ وظيفة عقولهم تشبه وظيفة عقولنا في الغالب . ويسمح للنحل أن يميز الوجوه . واقتربت من النافذة )كنت بالطبع ، أحافظ على مسافتي الإجتماعية (، مندهشا كيف استطيع أن أرى دون ملابس أنيقة ، وبالتاكيد دون أن أحلّق مهما يكون .
هنا ، تحركت أجنحتها بسرعة في خطوط جسمها ، غموض كلّي في الديناميكية الهوائية ، وليس ثمة نحلة بإمكانها الطيران بأبعاد جسمها .
واعرف تعامل العسل أنه يملك فترة حياة لا تتجاوز الأربعين يوما ربما تكون اكثر او اقل وما هي فترة المحجر . لم تكن هذه سخرية ، وعليهم أن يواجهوا ذات الخطر الذي نواجه وذات الغزو الذي استفزته الانسانية ؟
وبدون نحل ليس ثمة تلقيح ، وبدون تلقيح ليس ثمة سماد ، وبدون نبات ليس ثمة حياة .
وفي هذه الأيام الأربعة غادرنا بعد آخر موت نحلة ، وعلينا أن نصارع من اجل البقاء بإستخدام تلك اللسعة التي نصحنا بها السارد دستيوفسكي في روايته “الإخوة كرامازوف .” في تناول الأعشاب ، والحشرات ، والنمل ، والنحلة الذهبية ، هؤلاء الذين جميعهم يعرفون طريقهم من خلال الغريزة ، في الحياة بثبات مدهش .
) الغريزة (
كان ديفيد هاكنبيرغ Hackenberg ، أول من دق جرس الإنذار : فقد اختفت الآلآف من النحل بطريقة غامضة . بيد أنّ ما حدث لهاكنبيرغ هو ذاته الذي حدث للدكتور لي وينليانغ ، Li Weliang حين بدأ بالانذار عن أولى الإصابات بفايروز الكورونا ؛ بيد أن ّكلامه ذهب في مهب الريح ، والجميع يعرف أن النحل ملوّث بمبيدات الافات ، او بفايروزvirus Nosema ceranae، وظهور هذا الفايروز اول مرة في آسيا . ومن أهم اعراضه هي نظام نرفزة مدمرة ، ونتيجة لذلك هو الموت المحتم ..
حين قرأت اطروحة كتاب سفيتلانا اليكسيفتش : اصوات من شيرنوبي ، فإنني وقعت في حيرة ؛ أن تلك الحشرة من بين الاف الحشرات تعني ؛ ان نهاية العالم قريبة جدا . اما الناجون من الاشعاعات يتذكرون ، وقبل ان يعلن المذياع ، او التلفاز ، راح النحل يحجم عن التخلي عن خلاياهم ، وهذا لم يكن عملا فرديا في المخاطرة من اجل الحصول على الغذاء . وهكذا ،اخذ يرفض طعام التغذية من الزهرة المشعة .

قبل خمسة أيام
أنا جدّ مسرور أنني اكتب في عملي الموسوم : ” فطور تحت الثلج “، بيد أنني افتقدت ذلك الحماس مرة اخرى ؛ وارغب في أنْ أمارس الكتابة ، بذات الإسلوب الذي تناولت فيه مارغريت دوريس Ravishing of Lol Stein. ، وربما إنه من الجنون أن نكتب عن الوفر بينما ربيعه في ميامي . ربما أنني استمتع بهذه العزلة القسرية تماما . تلك التي حين تكون الكتابة عن عزلة الآخرين ، فإنني افضّل الإصغاء الى انذارات الجرس عن وحدتي ، ومتحدثا الى اجراسي الداخلية ، وحيدا ، أصم ، كما لو أنني أتلاشى كما الأزيز .
ما زلت أدور حول غرفتي ، غرفتي الخاصة بي ، غرفتي ذات المشهد الذي أحب .
وذات مرة سألني القائم على معرض كتاب ميامي أن نقوم بقراءة لمدة خمسة عشر دقيقة ، فاخترت من كتبي التي الّفتها ، والتي تحتوي على قصائد هي الافضل لقراءة افتراضية ، في زمن مثل هذا الذي نعيش ، ولكن هذا لا يبدو سهلا ، ومن نافذتي اشاهد نافذة جيراني . وفي السنة المنصرمة ، كانت سعيدة جدا أن اعيش معها . بداية حصل صراخ وقتال مستمر ، وبعد ذلك ضرب ؛ ثم تلته كدمات مستمرة على رقبتها .
ورأيتها ذات مرة تنزّه كلبها في الخارج في شارع المشي ، وشاهدت كدمات في ذراعها ، ويبدو أنّ كلانا جبان متواطئ بصمت .
إنها لا تعرف ذلك ، لكنها ربما تملك حياتها ؛ أنها ارجنتينية تسكن في البناية التي أسكن وادارت الرقم 911 وحين شاهدنا ذلك الصبي عصر رقبتها ذات ليلة .

دودي ، وحفظت اسمها تحت رقم 911 نداء . إنني اقسم قالت لي بعد ايام .
وقد مر عام منذ منذ ذلك النداء .
وعدت الى روايتي . قمت بحركة مفاجئة انتقلت للامام الى آخر فصل . في هذا الوقت ، أخذت استراحة سريعة من الحبكة كي اتجول مع اولئك الذين يقيمون في هذا المحجر دون عوائلهم ؛ او اي مساعدات حكومية ، ودون عمل ، لا يملكون وثائق شخصية ؛ اولئك الذين يقيمون بنفس المنزل وبظلم ، كيف يعيشون حياتهم ؟

قبل أربعة أيام
) عطف الغرباء (
ربما قد نسينا أنّ كل شيء في ذلك الذي يحدث الآن ، اكثر أو اقل ، قد حدث فعلا في لندن العام 1906 ، او في فلورنسا العام 1348 ، او في أي مدينة اخرى ؛ أو أي سنة في الماضي .
والمستقبل الذي حدث والذي تضمن بعض الاسماء هم : برابوري ، دم ، لي غوين ، براين ، دبليو . الديس ، ستانسلاو ليم . والكتّاب الذين كتبوا قصصا قصيرة والتي يجب ان تُؤشر ، بوصفهم كتّابا واقعيين )الذين ينبغي التعامل معهم بوصفهم روائيين اخلاقيين ايضا. (وأي روائي يكتب الآن كما رواية مدام بوفاري او غاتسبي العظيم – ومع هؤلاء يخلقون اشخاصا ودون ذاكرة ؛ فإننا بالطبع ؛ نفقد الزمن . وحين يحدث هذا ؛ فإننا نغادر حاضرا غير مؤكد تماما ، ودون مرايات . وكوابيس لا نهايات لها ، والتي تدفعنا للصراخ ، واللجوء الى الهواتف للإستنجاد ، ونلعب لعبة الحياة كحاضر يمسحنا تماما ، دقيقة بعد دقيقة وباستمرار ، فنحن ما نتذكر .
ودون فعل لمقارنات قدرية ، تجعلنا أن لا ننسى معاناة شكسبير لآفة شبيهة ، كي نتدبر أن نكتب مسرحياته الثلاث العظيمة خلال حجر الملك لير، وماكبث ، وانتوني وكليوباترة .
إنني اعرف انني لست شكسبيرا ؛ ولا احد يمكن أن يكون شكسبيرا ، ولا حتي شكسبير ذاته يكون شكسبيرا آخر ..
تبدأ قراءتي في الساعة الخامسة في الملف الشخصي في معرض الكتاب في ميامي .
فزمن المستقبل لم يصلنا ، كما فكرت ذات مرة حين بدأ الفايروس . كان زمن الماضي – انتحال المستقبل – الذي وصلنا بدلا من ذلك .
في ذلك المستقبل ، الذي حدث تضمن بعض هذه الأسماء : آسيموف ، و برادبوري ، دك ، لي غوين ، برين دبليو . الدس ، ستانسلاو ليم ، والاشخاص الذين كتبوا قصصا ؛ والذين ينبغي الآن ان يؤشروا بوصفها كتبا واقعية . )بعضها ينبغي التعامل معها الان بوصفها كتب اخلاقية .( واي كاتب يكتب الان مدام بوفاري اوغاتسبي العظيم – ومع كل هؤلاء ينبغي ان نقبلهم ونعانقهم بوصفهم روائيين دون فوارق اجتماعية – لانهم لصيقو الكتابة الابداعية ويعبّرون عن المستقبل الآتي وحدة البصر .
واول قصيدة قرأتها على صفحة الفيس بوك تحت تاثير شخصية بلانش دي بويسيس . وكان البيت الاخير هي وكتبتها تحت تاثير شخصية بلانشيه دي بوسيه Blanchche\. وذكرنا البيت الاخير كيف نعيش دائما بالاعتماد على رقة الغرباء .
وحين تنتهي القراءة اقوم لاضع كثيرا من العسل في الملعقة أنني غريب مع الحشرات كما هي غريبة عني .

قبل ثلاثة ايام
تجوّلت في غرفتي ، كما لو أنها مدينة ، حاولت السير ببطء قدر ما استطيع ، مستمتعا بالزمن والفضاءات في الخارج ، تبهرني طرقها المذهلة التي لا تُصدق ، احمل ايفونا واتحدث به مع اصدقائي في مدريد ونيويورك ، وانا ادخل المطبخ فأرى رفوف كتبهم ، ورفوف الملابس المعلقة . نافذة المطبخ تتفجر ضوءا في الليل ، وهناك النباتات الطبيعية ، ونباتات بلاستيكية تضفي جمالية أخاذة . عدت الى سرير النوم لأشاهد فيلم فيديو سجلته في كلنكو تير Clinqueالصيف الماضي . ومن الشرفة العالية ثمة إمرأة إيطالية تُعنى بتعليق الملابس . هنا ، أرى كل شيء حتى مشهد المارة فيه .
نهضت من فراش النوم ، واتجهت الى النافذة القريبة ، صورة الشاعر والكاتب جون فريمان على جهاز Instagram ، وصورة تحمل فضاء مدينة نيويورك . الشارع لا احد يعبر فيه . ولا كلب ايضا كما اعتدنا ان نرى ، باستثناء العزلة ووحدة ثقيلة لا تطاق . واعتقد أن المحجر قد حوّلنا الى رجال كهوف مع الWI-FI ، وايفونات ، ومغامرين خارج العصر تماما كما مغامري ساكني كهوف القرون الاولى . احذر مخالب النمور ، وعضة الافاعي ، وضوء الإله ، او الفايروز . ومن النافذة ذهبت الى الحمّام ، اذ ثمة صورة فوتوغرلفية عارية لسبينسر تونيك ، معلقة في الجدار بين مئات من الناس في فندق ساغمور وكنا جميعا عراة ، نشعر بالضيق ، والبوفيه هي للفايروز حسب . والماء الذي يجري على جسدي يذكرني بليلة مطيرة حين كنت في استانبول :حيث المنزل كان يلمع تحت وابل من المطر ؛ وخارجه فإن رشفات المطر تبرق تماما . والمطر الذي يهبط بالحاح فوقي تماما هو في الغالب كما هو في استانبول . كلاهما غسلا جسدي من عدوى الشيطان . اما الفايروزات غير المرئية فهي زنجار الحب .
وغزاني النوم وانا في فراشي بيد أنني بقيت اتجول حول الشوارع المتخيلة . واتقن رسم خرائط احلامي . وغرفتي هي مدينة مصغرة ..

يوم أمس
في العام 2006 ، تحدث هاغنبيرغ HACKENBERG عن خلايا النحل دون وجود أيّ نحل ، قال هي ، كما مدينة اشباح ، وأردف ، أن خلية النحل تقترب من السكان ب 90،000 الف نحلة . أما سكان مدينة ميامي فعددهم ما يقارب 91،871 نسمة . وفي كتاب القلق The Book of Disquiet، هو تهمة ضد الانسان اللاواعي وابعد من حشرة النحل ، والذي لم يتعلم حتى الان تنظيم نفسه بوصفه جزءا من المجتمع .
واليوم ، تحوّل ساحل مدينة ميامي الى أشباح ، ومسرح مهجور ، ومبيدات حشرية لاضعاف النحل ايضا ، كما النحل كان كثيرا . وعلي ان اسارع بالذهاب لاقتراب من مدينة بوبلكس او هول فود ، وسأتناول ذات المخاطرة التي اتبعوها ، ويترك النحل للعث لا حول ولا قوة له ، ويضطر النحل للخروج ليجمع الغذاء مثل حبوب اللقاح .

اليوم
ما زال شهر نيسان أقسى الأشهر .
نحن قصيد تكتب نفسها .
ليس ثمة إحساس ، أو مشاعر لدى وباء الجائحة ، بل كما ثرثرة تمر من خلال القاعات الملكية .
قال رئيس الولايات المتحدة الأميركية : إنّ هذا الفايروس هو عبارة عن خدعة جديدة تجاهل كل التحذيرات تماما كما تماهلت الصين الدكتور لي LI حين حذرها وليانغ اول مرة .
إننا نعيش خدعة ، أننا نواجه اقراص العسل ، أننا نتنزه في مدن خاوية . وضعت ملعقة العسل على قاعدة النافذة ، ولكن بعد أن عدت البحث قليلا عن غذاء النحل ؛ ادركت أنها في الواقع اكثر صحة من شراب الكلوكوز الذي هو كما نقول ماء ضد السكّر..
الساحل الجنوبي ، ميامي ….