23 ديسمبر، 2024 7:02 ص

مفهوم الثقافة مجتمعياً…..اين نحن منها اليوم …؟

مفهوم الثقافة مجتمعياً…..اين نحن منها اليوم …؟

مصطلحات ثلاثة : الحضارة والثقافة والمدنية .كلها تعني مفهوم واحد هو النظرة الحياتية لتقدم المجتمع وان اختلفت المفاهيم فيما بينها.
فالحضارة تمثل النظم والقيم والمعتقدات لشعب معين..بينما المدنية تمثل النشاط الاجتماعي المرتبط بالجانب العقلي والمادي للانسان ..أما الثقافة تعني النشاط الانساني الذي يلبي حاجات البشر الروحية والفكرية ويسهم في تطور المجتمعات الانسانية .
الثقافة هي عقلية القيادة وطريقة تفكيرها في بناء الدولة ،فأذا لم تكن العقلية القيادية ترتبط بثقافة عالية المستوى بعيدة ان الذاتوية باستطاعتها استيعاب التغيرات الاجتماعية والسياسية ، لا يمكنها من المساهمة في بناء دولة القانون والعدالة..كما في قيادات الدول التي ظهرت في القرن العشرين والواحد والعشرين ،لكونها لم تعتمد القاعدة الشعبية في تطبيق الحقوق ولا تعرف الا الذات الفردية كما روجتها مؤسسات الحكم ناقصة المعرفة لنفي الاخر والانفراد بالسلطة والحكم ..لدرجة سقطت عنها مفاهيم الثقافة القيادية للوطن ..فمن يفقد الحب للأخر ،والأخلاص للوطن ،والشعور بالمسئؤلية العامة ..يفقد قيم اخلاقية الثقافة .

تتوارد الكتابات اليوم حول ثقافة العراق الجديد بعد 2003 التي يجب ان تعتمد التغيير الذاتي، في الكتابة والكلام المنطقي الصحيح، هنا يحتاج المواطن الى طرح افكار جديدة لتعريف الثقافة العراقية الجديدة وطرق تعميمها على مجتمع هدمت فيه الثقافة وتكسرت اضلاعها على مذبح المصالح الشخصية المتقاتلة فيما بينها من اجل مصلحتها الذاتية لا الوطنية..ومن اجل تدمير الثقافة الوطنية لا أصلاحها..حتى اصبحت القيم ثقافة لا اخلاقية في مجتمع غاب فيه القانون والعدالة وبالتالي غابت فيه الحقوق .

ولكي نفهم المراد بالثقافة الجديدة التي تعتمد التغيير الذاتي علينا ان نقول: ان لكل بلد من بلدان العالم نصيبا من الفنون والعلوم الثقافية ، وان اختلفت مستوياتها لكن قواعدها تبقى واحدة ،وتبقى عالمية النزعة وان اختلفت لغاتها ،
اما الفن فعلى خلاف ذلك ،مثل الادب والرسم والنحت والموسيقى ،وحتى وان استعملت فيها لغة واحدة ،لكن الروح والذوق المستعملان فيها يختلفان من شخص لاخر. وفي المحصلة، العلم والفن يدخلان في مفهوم مسيرة الثقافة الحضارية لذا يجب المحافظة عليها.
لذا فالثقافة : هي ثمرة كل نشاط انساني محلي ناتج من البيئة ومعبر عنها،
فثقافة العراق التي يتحدثون عنها الكُتاب اليوم هي جزء من حضارتهم العريقة ،وهي تعبير عن الطبيعة العراقية وطبيعة منشئيها.هذه الثقافة التي احتوت ثقافة الحياة والمحبة والسلام والتعايش والمعرفة والحوار والجرأة والنقد ،هذه الثقافة التي تريد الذاتوية تدميرها لنقص في تربيتها الثقافية .

ولكن على مر الزمن نلحظ تشابها وتقاربا في تطبيق هذه المفاهيم في الحضارة العراقية القديمة والحديثة حتى قيام التغيير في 2003.فهل هناك حقائق اخرى لمسها الكُتاب ليغيروا بها ثقافة العراق الجديد،وهل ان التغيير سيكون لصالح الجديد ام لصالح القديم الذي تبعثر وانتهى..لا اعتقد ان في حالة الظروف الصعبة اليوم نستطيع ان نبني ثقافة الجديد المطلوب بعد ان ضعف الشعور بمسئولية الوطن والانسان وحلت بنا ثقافة الذاتوية .
لكل من الاسلوبين المطروحين منا ومن الاخرين الافاضل تعود الى عوامل تاريخية واجتماعية تشكل في النهاية اسلوب حياة الناس. فثقافة الامة هي علمها غير الواعي الذي تتوارثه اجيالها وتسير به شئون حياتها اي طريقتها في الحياة( Its way of life). وهنا تدخل اللغة والنظم الحياتية اليومية وما يختفي وراءها من علم متوارث فيها فعلى كتاب الدستور المحافظة عليها .

لكن السؤال المهم الذي نريد ان نطرحه على الاخوة ،هل بأمكان الثقافة ان تغير واقع الحال بلا منهج معدٍ ،واداة لمراقبة المنهج وتنفيذه؟ بعد ان طرحت وسادت عشوائياً خلال الفترة السابقة واللاحقة ،ام تترك كيفما اتفق والشعب هو الذي يكون ما يرغب به الكُتاب في وطنهم الجديد؟ وهل ان الثقافة والاخلاق العربية التراثية الاصيلة لم تعد تجدي نفعاً، فالمطلوب تحديثها و اعادة صياغتها صياغة تتفق وواقع الحال الجديد،وبناء ثقافة جديدة على هذا المنهج المطروح اليوم ؟،واذا جازلنا ذلك، فهو يجوز على امة ناقصة الثقافة اوحديثة عهد بها ،فهل يجوز اليوم تطبيقها على ثقافة وطن الحضارة العريقة مثل العراق ؟.
أنني اختلف مع البعض في وجهة نظرهم في هذا الطرح اللغوي والعلمي للثقافة ،لاقول لهم ان الثقافة الجديدة التي نريدها جميعاً تحتاج الى ابداع واقعي اكثر ما تحتاج الى تنظير طوباوي يجري خلف جمهورية افلاطون او مدينة الفارابي الفاضلة،ونحن الان نعيش في سُلَم التقصير الثقافي والخلقي والسلوكي في وقت تمارس ابشع وسائل الثقافة الديموغوجية في وطننا العراق حتى حسبت ان لا شيء في العراق اسمه ثقافة الاخلاق سوى سراب يحسبه الضمآن ماءً،بعد ان الغينا الزمان والمكان واسقطنا العقل والتاريخ والاخلاق والحقوق من حساب ثقافتنا الحالية، فهل من عقل جديد مبدع ليعود بنا الى ثقافة الوطن العريقة بعيدا عن النرجسية والطائفية والعنصرية التي زرعها فينا الاغراب؟ ..نعم نستطيع اذا ألغينا الطائفية والمذهبية والعنصرية وآمنا بالوطن الواحد بعيدا عن الرأي الفقهي الجامد .
،نحن لسنا بحاجة الى ثقافة جديدة ،بل بحاجة الى تطبيق منهج علمي جديد مبني على الوفاء والمحبة والاخلاص والامانة الحقيقية للشعب والوطن يرضاها الله،بعد ان عَمَ الفساد كل شرايين حياة الانسان العراقي اليوم ،ظاهرة ما عهدناها من قبل ، لذا فالظاهرة محكومة بظروفها التي يجب ان نحرص على معرفتها وتطويرها . علينا ان نهتم بعامل الزمن دون اهمال التاريخ ، فالتجديد يجب ان يكون على مستوى الرؤية التاريخية وجديتة في النظر والعمل معا ،بعد ان بدأنا نملك بعض وسائلها وتقف الحرية والعدالة الأجتماعية في المقدمة،ًوهذه هي الثمرة الوحيدة التي حصلنا عليها اليوم رغم ظروف الأنكسارات السياسية المتعمدة ..وهي لا شك كبيرة وبنظري اكبر من كبيرة .
بهذه الرؤية وبهذا المنهج سنملك مشروعا له منطلق وتوجهات وقسمات ،هي بكل تأكيد تحديثاً جذريا في مستوى النظر والعمل ،لان وجود التراكم الحضاري للوطن الحبيب منذ فجر الحضارات هو الرسالة لنا ولحضارتنا التي قد بلغت سن الرشد وان خابت في بعض مضامينها السياسية،فلا بد لها من ان تتحمل الاعباء في وقت المحن بعد ان صار االانسان والعقل حرا فيها فلا حاجة لها الا التثوير بعد التغييرفي 2003 ، لذا لابد للعقل من ان يعمل والعقل يعرف بفعاله لمواجهة تفاعلات الواقع عبر مسيرة الزمن فهل نحن جادون ما نقول وما نريد في ظل هذه التراكمات المصلحية للقيادة..؟ .

كل الادوات نملكها ولم يتبق لنا الا المُنَفذ ، فقد اثبتت ثورة تشرين الشبابية عام 19الخالدة التي هي الانسان فهل نحن نملك الانسان المفصل على ثقافتنا حتى نجدد الحضارة والثقافة معه وبه.نريد من ثقافة تشرين ان تحل الحقوق في مجتمعنا تلقائيا دون المطالبة بها اي سيادة القانون لترتاح النفس الانسانية دون تفريق.اما اذا بقينا على ما نحن علية بنظرية (شيلني وشيلك) ،فتلك هي الطامة الكبرى، فلن نستطيع ان نحقق تجديدا ولا نبني بلدا،ما دامت الصنمية تسري في عروقنا ومن اجل الحفاظ عليها نستبعد كل شريف ومخلص لنبقى على كل ضعيف وفاسد الذين هم زعانف اسماك القرش في عالم لا يعرف الا الاعوجاج للوصول الى الهدف،انهم سكاكين اعداء الوطن التي تنخر في جسده حتى الموت،لكنهم ما دروا انهم هم الذين سيموتون..والأنتخابات أثبتت ذلك..والمستقبل كفيل بالتغيير الكلي لمفهوم الثقافة العراقية الجديدة .

ورغم ما اصاب الأوطا في كل العهود من مظالم ونكبات ،لكن التاريخ لم يحدثنا ابدا ان سمحوا لاعداء الشعب باحتلال اوطانهم وهم موضوعون تحت حماية سيوفهم وتغيير اسلوب حياتهم ومنهجهم في الحياة .صحيح تهاونوا، لكن الثوابت الوطنية ظلت خطأ احمرا عندهم والذي يتابع رسالة فلاسفة اليونان والرومان والمسلمين ..لا يستطيع اتهامهم بخرق الثوابت الوطنية التي حرمتها الانسانية على مر الزمن رغم الهفوات .
فثقافة الحياة موجودة لدينا نحن المسلمين ومحددة بالبند الثالث من دستور المدينة المغيب اليوم عنا الذي يقول :(يجب ان لاينام الحاكم ليلته وفي بلده معوزٍ واحدٍ). فأذا أمنت ارزاق الناس أمنت على نفسك منهم وهم حماتك لا الغريب.أما لغة الحوار والنقد والشورى مورست منذ البداية 🙁 امرهم شورى بينهم) ولكن بلا تطبيق (منا أمير ومنكم أمير) والذي يلاحظ كيف ان معن بن زائدة يحاور الحاكم ويصفة بالجاحد،وسفيان الثوري الذي يصف المنصور بالظالم،والامام موسى بن جعفر (ع) يقف مع الرشيد ناصحا وموبخاً له وجها بوجه ( يا رشيد الظلم فاشٍ ببابك ) يشعر ان ثقافة الحواركانت هي ثقافة عقلية القيادة وبحالة صحية جيدة عندهم رغم ما نقرأ ويشاع..

اما الاعتدال فيكفينا فخرا ان القرآن يدعو للوسطية (وكذلك جعلناكم أمةً وسطا،البقرة 143 ) في التعامل ومحمد(ص) ينادي اصحابه يوم فتح مكة قائلا:( لاتقتلوا اعداؤكم حتى لا يقال ان محمدا يقتل اصحابه).فهل في ثقافتنا نحن نعيش تحت الحماية ونترك الشعب مكشوف الصدرللظلمة والذين لا يؤمنون بحياة البشر. .كما في قيادات الاحزاب الاسلامية اليوم التي قتلت من طالب بالثقافة الحقة كما في ثوار تشرين الأبطال.

اعتقد ان الاخوة يقصدون بمقالاتهم، حول سبل التغيير في العراق الجديد ثقافة القبول بالأمر الواقع ،ولا يمكن لهذا القصد ان يتحقق الا بمنهج معرفي جديد ، واداة المنهج الذي يجب ان يرسخ مفاهيم الحياة الصحيحة الجديدة لمجتمعه كما يتصورون ،فهل نحن بقادرين على صنعهما من وراء هذا المشهد الذي يكاد ينطق بصوت الكارثة القادمة وراء حجب الليل البهيم ،بعد ان تأصلت الطائفية والعنصرية والاقليمية ونظريات ضياع الحقوق في بلد هو اصلا مرشحا لقبولها..ان المؤسسة الدينية هي التي ساهمت وتساهم في التخريب والا اين فتاواها في التصحيح ..؟.
ان اليد الواحدة لا تصفق فأذا وجد اليوم من يريد ان يرفع شعار الثقافة الجديدة والاصلاح الجديد بحق وصدق عليه ان ينشر ثقافة التغلب على الصعاب بأختراقها، وعليه ان ينشر وينبه الى ضرورة احياء الشخصية العراقية التي ضعفت وانهارت امام الاخرين ، عليه ان ينبه الى ضرورة المحافظة على الثوابت الوطنية التي جوبهت بعنف الحاكم اللئيم ،عليه ان ينبه الى قيمة الانسان العراقي المهجر الغلبان والسجين بلا دليل الذي اصبح لا يلوي على شيء ،واذا ما ضل خائفا او مترددا فلن يكون مصيره الا الانتهاء كما انتهى من قبله الاخرون؟
فهل في العراق اليوم رجال من هذا الطراز من البشر؟ام رجال لا يزالون ياملون المنفعة الشخصية لا غير ..والتي لا ترتضيها النفس العراقية الابية من اناس لا يستحقون حتى ان تصافحهم الايدي النظيفة،هؤلاء الذين ساهموا في سرقة المال والارض والقتل العمد للمحتجين ، وهم اليوم كما تراهم أذلاء رؤوسهم منكسة لا تستطيع مجابهة المظلومين ..نأمل من القادمين الخير..

موضوع يحتاج الى وقفة جادة من الاخوة المهتمون بالشأن الثقافي العراقي حتى يوفقون فيما يريدون …لا يتركون الشعر والنثر والتفاخر والتقارب والمديح ..لكن توجهاتهم يجب ان تكون مساوية لما يعانيه الانسان في وطن كان المفروض ان يكون من احسن الاوطان في الحقوق؟ ولنا في بعض من في السلطة اليوم املا لو يُستغلون ،اما اذا كانوا يقصدون بثقافة التجديد عند الشعب على طريقتهم القديمة البالية ..فهي مجددة لا داعي للبحث عنها في مجتمع اصبح الحاكم عدوا للشعب والوطن .

فلا تتناغمون حباً بالثقافة دون عمل وتطبيق….فالحب الذي يتغذى على الهدايا يبقى جائعاً على الدوام…فخير الدروب ما أدى بسالكه الى حيث يقصد.