في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين من الالفية الثالثة نرى مثقفي أوروبا والعالم منشغلين ببعض المفاهيم المهمة. من هذه المفاهيم الشعبوية (Populism (وهو مفهوم يعني بشكل عام الوقوف مع الناس العاديين ورعاية اهتماماتهم وتحقيق رغباتهم على حساب مبادئ السياسة التقليدية السائدة منذ القرن العشرين. أنصار هذا المفهوم وقادته يؤمنون ان المجتمع منقسم الى قسمين متضادين: الناس العاديين الطبيين والنخبة السياسية الفاسدة ولابد من الوقوف الى جانب الشعب وضرب مصالح هذه النخبة حتى لو كان على حساب الارتداد على المبادئ السابقة والانسحاب من العمل في الساحة الدولية. وحجتهم في ذلك هي عودة العظمة والهيبة لمجتمعاتهم التي أصبحت تعاني من الضعف والانحطاط بعدما كانت من عظمى الدول. هذا المفهوم أصبح أكثر مقبولية في العالم الغربي والدليل على ذلك نجاح وفوز متبني هذا المفهوم في الانتخابات الامريكية والاوربية وحصولهم على نسب عالية من الأصوات ما كانوا يحلمون بها. كما هو الحال في الولايات المحتدة وإيطاليا والسويد والنمسا وهنغاريا وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي والمسمى بريكست ((Brexit بعد اجراء استفتاء شعبي حول الخروج من الاتحاد فاز فيه الشعبويون الذين يدعون الى حماية بريطانيا من الهيمنة الاقتصادية الاوربية والهجرة الاوربية.
المفهوم الثاني هو الوطنية او حب الوطن(Patriotism) وهو مفهوم معروف منذ قديم الزمن. والفرق الان هو ان متبني الشعبوية يستعينون بهذا المفهوم لتبرير تبني الشعبوية. اذ يدعون ان الزعيم الوطني هو الذي يعمل من اجل اعلاء اسم وطنه ولا يحصل هذا الا عن طريق حماية الشعب وتحقيق سمو الوطن ومقارعة فساد السياسيين التقليديين الذين غالبا ما يقدمون المصالح الدولية على حساب مصالح الوطنية. المفهوم هذا يدعو الى سمو الوطن الذي لا يتم الا عن طريق حماية واحترام مواطنيه. وأفضل مثال على ذلك مطالبة الساسة الشعبوين بمحاربة هجرة الاخرين الى بلدانهم كما هو الحال في هنغاريا التي عارضت الاتحاد الاوربي في قبول المهاجرين وايوائهم على اراضيها.
والمفهوم الثالث هو القومية او التعصب القومي (Nationalism) وهو مفهوم معروف منذ قديم الزمن عموما يدعو الى التمسك والمغالاة بحب عرق امة الوطن وعدم المبالاة بأهمية ودور أمم أخرى من عروق أخرى. هذ المفهوم غني عن التعريف وعانت البشرية الكثير من زعماءه ومتبنيه وراح ضحية ذلك الملايين من البشر وامثلة كثيرة عليه
المفهوم الرابع هو الاندماج الدولي (Globalism) وهو الاندماج والعمل مع الاخرين من الدول والمنظمات في الساحة الدولية وهو مفهوم تقريبا معاكس ومناهض للمفهومين الأول والثاني اللذين يدعوان الى الانسحاب الكلي كما هو الحال مع المفهوم الأول او الانسحاب شبه الكلي كما هو الحال مع المفهوم الثاني. كما يدعو الى التخلي عن الالتزامات السابقة في المنظمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية كما حصل للإدارة الامريكية الحالية كانسحابها من اتفاقية المناخ في باريس وانسحابها من NAFTA وانسحابها من ال UNESCO وإيقاف او تقليل الدعم المالي لمنظمات الأمم المتحدة والتخلي عن اتفاقية أوسلو بشأن القدس والأراضي المحتلة من قبل إسرائيل.
ولابد ان نذكر هنا ان المفهوم الرابع يختلف تماما عن العولمة ال ((Globalization التي تعني الامتداد الاقتصادي للمشاريع الاقتصادية متخطية حدود الدولة الواحدة للعمل في أكثر من دولة.
وختاما كما يبدو من خلال شرحنا هذا ان الغرب اخذ يسعى الى اعتناق ما ذهبت اليه المفاهيم الثلاثة الأولى والتخلي عما ذهب اليه المفهوم الرابع والأسباب ترجع الى تراكم المفعول السلبي للظواهر الاتية
الهجرة الى اوروبا وامريكا بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي النسبي
فساد النخب السياسية
انتقال وانتشار الإرهاب في العواصم والمدن الاوربية والأمريكية
تدهور التعليم في معظم دول العالم الثالث
التكنولوجيا وتسخيرها السلبي لخدمة الارهاب