23 ديسمبر، 2024 6:57 ص

معطيات العبادة تبلور شخصية القائد/القسم الرابع

معطيات العبادة تبلور شخصية القائد/القسم الرابع

هناك علاقة بين العبادة وظاهرة الاختيار فالإنسان حينما خُلق مختاراً تميز عن باقي الحيوانات والكائنات غير العاقلة ليكون عابداً وينال من درجات اليقين والكمال….
إن ظاهرة الاختيار للإنسان مقدمة ضرورية وأساسية في جعل الخلافة له وهذا الجعل كان سبباً لاعتراض الملائكة أو إشكالهم!!!

كما جاء في سورة البقرة ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ )) (البقرة:30)

والذي نفهمه من هذا الحوار أن هذا الاعتراض كان من قبل الملائكة بمقدار علمهم القاصر!!!

وإن كان هذا الاعتراض له منشأ انتزاع كما يُعبّر في علم أصول الفقه وهذا المنشأ هو أن الإنسان قد يخطأ في الاختيار فيتجه نحو مصلحته الشخصية وفق ما يظهر له وليس وفقاً للمصلحة والنفع الحقيقي الواقعي إضافة إلى الاختيارات التي تكون تحت توجيه وإمرة النفس الأمارة وشهواتها كما لو يختار الإنسان الزنا أو شرب الخمر مع إدراكه لقبحهما ومفسدتهما ولكنه اختار خضوعاً لسطوة النفس الأمارة!

بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك بسبب هذه الاختيارات الخاطئة وبالتالي تسوء علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فالحروب والصراعات والجرائم والظلم كلها شواهد لتدهور هذه العلاقة ولكنها نتائج لهذه الاختيارات الخاطئة لان الإنسان مختار .
فالإفساد في الأرض وسفك الدماء هي نتائج لظاهرة الاختيار ومن هنا جاء اعتراض الملائكة لأنهم انتزعوا هذه الحقائق من واقع الإنسان فكيف يكون في الأرض خليفة؟

وهنا ليس من حق الملائكة الاعتراض وهذا ما أستنكره عليهم السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في أحد خطب الجمعة وهذا يدل بوضوح إلى درجة اليقين والتسليم عند السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) وأيضاً قوة القلب في إعلان هذا الاستنكار وليس غريباً عنه وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم…….
وجواب الله على الملائكة نفهم منه أن اعتراضكم على هذا الجعل هو بمقدار علمكم القاصر لأنه ليس كمالاً مطلقا ومن هنا يمكن أن نتعلم درساً مهماً وخصوصاً في مجال الاعتراض والإشكال سواء كان في طلب العلم أو في الحياة الاجتماعية أن الاعتراض قد ينشأ عن علم ولكن هذا العلم هو بمقدار المعترض والمستشكل وبالتالي لابد من إفساح المجال وإعطاء الفرصة إلى المعترض عليه في الدفاع عن نفسه أما إذا كان المعترض عليه أكثر علماً من المعترض (المستشكل) في نفس المسالة فينبغي الاستماع إلى الجواب وقد يكون هذا الجواب مكملاً لعلم المعترض فقد تكون القضية بين المعترض والمعترض عليه هي تفاوت في العلم لا أكثر ولا اقل….

وقد ضرب لنا القرآن أروع مثال في قصة موسى مع العبد الصالح فقد اعترض موسى ( ع ) على العبد الصالح ( ع ) ثلاث اعتراضات بالرغم من أن العبد الصالح قد نبّه سيدنا موسى ( ع ) بأنه سوف لن يستطيع معه صبراً والعلة في ذلك كما أشار العبد الصالح ( ع) (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (الكهف:68)
وهذا يؤكد أن الكثير من الاعتراضات ناشئة عن قصور في العلم….
إن الله أشار إلى الملائكة بأنه يعلم ما لا يعلمون وهل هذه الإشارة هي مجرد تذكير لهم لشيء هم يعتقدون به أم تعليم لهم ؟
بالتأكيد انه تذكير لهم وإلا يلزم منهم الجهل في المعتقد أي أنهم يجهلون بان الله اعلم منهم وهو مخالف وباطل!!!
فالملائكة تجهل الحكمة الإلهية في جعل الانسان خليفة في الأرض وهي حكمت واعترضت على ضوء المعطيات المنتزعة من خلال اختيار الإنسان ما هو خطأ أو مصلحة ظاهرية تبتعد عن المصالح الواقعية فالملائكة تجهل حقيقة الإنسان أو أنها لا تدرك ما جعله الله لهذا الخليفة من قابلية واستعداد تؤهله للخلافة ……

ولذا جاء في سورة البقرة ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) (البقرة:31) .

وللحديث بقية اذا بقيت الحياة ويليه القسم الخامس..