إسرائيل ولفنسون
في كتابه ِ(تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام)
(*)
ثلاثة أسماء على غلاف الكتاب، تجعل القارئ ونحن في 2024 يتوقف عند هذا الكتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام)
فمن هو (إسرائيل لفنسون) ؟ في طية الكتاب الأنيق الطباعة مكتوب الكلام التالي :الدكتور إسرائيل ولفنسون – أبو ذوئيب 1980- 1899م
والدكتور إسرائيل أصله من يهود روسيا البيضاء. درس َ العربية على يد الشاعر معروف الرصافي، وهذا يعني أن إسرائيل ولفنسون أمضى فترة من حياته في مدينة (بغداد) أليس كذلك. وهو حائز على الد كتوراه من الجامعة المصرية بإشراف طه حسين 1927م. كما حصل على دكتوراه ثانية من جامعة نيوهان فولجانج كوته (ألمانيا) 1933م. وعملَ محاضراً في دار العلوم بجامعة القاهرة. من مؤلفاته :
كعب الأحبار(1933م)
تاريخ اللغات السامية (1929)
موسى بن ميمون (1929).
الطبعة الأولى لكتاب الدكتور إسرائيل ولفنسون في 1927 لكن ما اسم الدار التي طبعت الكتاب آنذاك؟ وفي أية دولة؟ للأسف الطبعة الثانية الصادرة عن المركز الأكاديمي للدراسات في 2013. لا تخبرنا والدكتور نصير الكعبي في مقدمته للكتاب لا يخبرنا أيضاً!!
والطبعة الثانية/ بيروت / 2013/ المركز الأكاديمي للأبحاث. التقويم اللغوي : د. حسن الوظيفي. التنضيد : علي الحسناوي. تصميم الغلاف وغلافه: المركز الأكاديمي للأبحاث.
(*)
يستقبلنا الكتاب بعنونة فرعية(مقدمة المركز الأكاديمي للأبحاث) بقلم الدكتور نصير الكعبي : مدير المركز الأكاديمي للأبحاث. يخبرنا الكعبي أن الموضوعات التاريخية تعرضت إلى الأدلجة والإسقاط القسري للسياقات والظروف التاريخية الحاكمة في عملية المعالجة والتعاطي، مما أثر في تشكيل وعي جمعي عارم لدى المتلقي الشعبي والنخبوي (لهذه الأسباب وغيرها تبنى المركز الأكاديمي للأبحاث إعادة طباعة كتاب الدكتور إسرائيل ولفنسون أستاذ اللغات السامية في دار العلوم الإسلامية والمعنون (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) المطبوع في عام 1927 فتاريخ تأليفه المذكور ربما يشير إلى الخواص التي يتفوق بها على غيره ومنها: خروجه أو إفلاته من عهود النكبات والنكسات وكتابته في ظروف تاريخية مسترخية غير متأزمة فضلا عن أن مؤلفه من اليهود العارفين بالموضوع وخباياه فإنه تتلمذ في الجامعة المصرية على يد الأديب العربي الشهير الدكتور طه حسين، جعل من الكتاب ذو قيمة علمية عالية على الرغم من مرور قرابة تسعة عقود)
(*)
كقارئ أراني أمام ثلاثة أزمنة: زمن الطبعة الأولى للكتاب 1927، زمن الطبعة الثانية 2013، وزمن قراءتي الثانية للكتاب 2024،بتوقيت المجازر التي تحاول الفتك بالشعب الفلسطيني في غزة.
(*)
حصة العلاّمة الدكتور مصطفى جواد من ص7 إلى ص 13 ينظر الدكتور جواد لشخص إسرائيل ولفنسون من خلال نصه المنتج قائلا عنوان الكتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام)..(هو تاريخ غزير الفوائد واضح الحقائق بين الأسانيد ينم عن تضلع مؤلفه المتبقر من البحث في التاريخ عن حقائقه ودقائقه على أن لا يقرأ هذا التاريخ قارئ إلا يتعجب من بعض عبائره السليمة الظاهر المريضة الباطن ولا غرابة في ذلك فإن الإنسان لما يبلغ درجات الكمال ولا خرج من دركات العصبية وهي ملجأ كثير من الأرواح، ذلك فضلا عن أن الكتاب لم يخل عن التعابير المغلوط فيها وها نحن أولاً نبسط للقارئ ما يستوجب الإصلاح والمناظرة / 7) يكتشف مصطفى جواد تناقض الأقوال لدى إسرائيل ولفنسون فما يقول في ص7 من كتابه يناقضه إسرائيل ولفنسون في ص11 وما يقوله في ص12 ينقضه المؤلف في ص14،ويقول مصطفى جواد عن إسرائيل ولفنسون (في ص13 مؤيدا لا مفنداً : يقولون أن الذين يعتبرون أنفسهم من اليهود في جهات خيبر ليسوا يهوداً حقاً إذ لم يحافظوا على الديانة الإلهية التوحيدية ولم يخضعوا لقوانين التلمود خضوعا تاما) وسرعان ما يناقض إسرائيل ولفنسون نفسه كما يقول العلاّمة مصطفى جواد والمناقضة تكون في ص23 من الكتاب في قوله (فقد كانت النزعة الدينية قوية في نفوس يهود الحجاز فليس ممكناً أن لا يوجد هناك شعر ديني يمجد التوحيد وآل موسى وأنبياء بني إسرائيل) ويحق لنا أن نقول مع مصطفى جواد ( وهذا أن لم يكن نقضا للطعن الأول فهو توهين له وتخريق/ 9) تتعقب قراءتي ملاحقة الدكتور مصطفى جواد للتناقضات في كتاب إسرائيل ولفنسون. يقول مصطفى جواد(أن تأكيده عدم ذوبان العقلية اليهودية الذي أشرنا إليه آنفاً هو قوله في ص24(في حين أن هناك فرقا شاسعا (كذا) لا يخفى بين اليهود والعرب من وجهة الدين والعقلية واتجاه الأفكار) ثم يعود مصطفى جواد إلى ص13 من كتاب إسرائيل ولفنسون ويقتبس منه هذا الكلام (كل ما يحرك نفس العربي ويدعوه إلى قرض الشعر.. كان يحرك نفوس الشعراء من اليهود في الجاهلية) ويتوقف مصطفى جواد عند ص84 والكلام عن عمق التواصل المجتمعي بين العرب واليهود، يقول إسرائيل ولفنسون( على أن هناك مقياساً آخر يجب ألا ينسى وهو ما قلته في ما مضى من أن الصلة دموية العنصر- والتقارب في اللغة والأخلاق هو أساس التشابه بين العقلية واتجاه الأفكار والآداب بين العنصرين) هنا يعلق مصطفى جواد : (فكأن التاريخ إثبات فنقض فاعتدال في أمر واحد) وبالنسبة لأصحاب الأخدود ينفي الجريمة التي اقترفها ذو نواس الملك اليهودي بأصحاب الأخدود الذين رفضوا اعتناق الديانة المسيحية وهنا يرد عليه مصطفى جواد بالسورة القرآنية الخاصة بأصحاب الأخدود. وينتقل مصطفى جواد إلى ص89 من كتاب إسرائيل ولفنسون، مقتبسا منه القول التالي(وقبل ظهور الإسلام وجدت في الديار العربية نهضة فكرية عظيمة كان الاضطراب من علاماتها وقبيل الإسلام أيضا أصبحت القلوب صالحة لقبول دعوة دينية جديدة وصارت الديانة الوثنية موضع السخرية جهراً عند بعض الطبقات من المفكرين) أثناء تعقب مصطفى جواد للكتاب يلمس تنافض المؤلف إسرائيل في ص100 من كتابه حين يقول عن النبي(ولكن نجاحه كان بطيئا جداً في ذلك الحين لأن تعاليمه كانت تقوم على ترك عبادة الأصنام وهدم العقيدة الراهنة في نفوس العرب… وكان ذلك فوق ما تهضمه عقولها وتحتمله نفوسها) هنا يتساءل مصطفى جواد وسؤاله يسدده إلى المؤلف( قلنا: فأين النهضة الفكرية العظيمة؟ وأين صلاح القلوب لدعوة دينية جديدة؟ وما هذا الخبط والخلط؟/12) نلمس كيفية متأنية في قراءة الكتاب لدى العلاّمة العراقي مصطفى جواد. فهو قدم مراجعة تتجاور مع النقد في قراءة الكتاب ويقول مصطفى جواد في ختام كلامه(أما انتقادنا اللغة فأهملناه لفشوه في هذا الكتاب وذلك يحتاج وحده إلى كتاب)
(*)
يبدأ تقديم الدكتور طه حسين بالشخص ثم ينتقل إلى النص ثم العودة إلى ثقافة الشخص الباحث ولفنسون التي تتفوق معرفيا مقارنة بغيره ِ من المستشرقين
وتقديم الدكتور طه حسين فيه مجاملة الأستاذ للتلميذ، يبدو أن هذه المجاملة لا تريد رؤية إلاّ الكتلة الظاهرة من جبل جليد النص وهذه الظاهرة متوفرة في كتابة المقدمات لأن وظيفة التقديم هي إغواء القارئ على مطالعة الكتاب. وما قاله مصطفى جواد في ختام كلامه، حول لغة الكتاب. تم تجاوزه من قبل طه حسين!!
(*)
إذا كان عرض ونقد الدكتور مصطفى جواد غير مذيل بتاريخ، فإن مقدمة الدكتور طه حسين مذيلة بالتاريخ التالي: 20 يونيو سنة 1927 طه حسين مقدمة الدكتور طه حسين تنشطر إلى شطرين: الكلام عن الشخص مؤلف الكتاب إسرائيل ليفنسون بسعة صفحة ونصف الصفحة. يخبر طه حسين
عن القدرات الثقافية التي يمتلكها طالب الدراسات العليا إسرائيل ولفنسون
فهو (يتقن من اللغات الأوربية أرقاها وأمسها بالبحث العلمي ولا سيما فيما يتصل بالمسائل الشرقية العربية، وأتقن من اللغات السامية أغناها بالآثار القيمة في الدين والأدب والعلم..) ثم ينتقل الدكتور طه حسين للكلام الميداني
(كان يختلف إلى دروسي في التاريخ القديم فكان يعجبني منه ميل ظاهر إلى البحث وحصر شديد على الإجازة والإتقان ونشاط غريب إلى القراءة والاطلاع) وينظر لما يروق الطالب إسرائيل بالطريقة التالية(فلم يروقه من المباحث التي تثار على كثرتها إلا هذا المبحث الذي يتصل دائما باليهود وهو تاريخ اليهود في بلاد العرب قبل الإسلام وإبان ظهوره) هل يعقل هذا الكلام من الدكتور طه حسين: (..فلم يرقه)!! ألا يعلم الدكتور طه حسين أن الطالب إسرائيل يبحث من خلال يهوديته للتاريخ ويحتاج التاريخ مرايا يرى فيها قومه اليهود وأحوالهم في هذا الحيز(اليهود قبل الإسلام وأبان ظهوره)
وغير هذا الحيز التاريخي فهو غير معني به لأنه لا يدخل ضمن تاريخه كيهودي. ثم يقيّم الدكتور موضوعة طالبه قائلا( والموضوع جليل الخطر بعيد الأثر جداً في التاريخ الأدبي والسياسي والديني للأمة العربية. فليس من شك في أن هذه المستعمرات اليهودية قد أثرت تأثيراً قويا في الحياة العقلية والأدبية للجاهليين من أهل الحجاز) ثم ينتقل الدكتور طه حسين من تلميذه إسرائيل ولفنسون إلى المستشرقين الذين توقفوا عند نفس موضوعة التلميذ
قائلا (المستشرقون عرضوا لهذا الموضوع من نواحي مختلفة، فوفقوا بعض التوفيق، ولكن أخطأتهم الإصابة في كثير من الأحيان، لأن حظهم من الثقافة العربية السامية لم يكن يعدل حظهم من القدرة على استثمار مناهج البحث الحديث، فاضطروا إلى طائفة من الأغلاط لم يكن منها) ثم يميّز طه حسين المبحث الخاص لتلميذه إسرائيل (وفق إلى تحقيق أشياء كثيرة لم تكن قد حققت من قبل، ووفق إلى عرض مباحث المستشرقين حول الموضوع في اللغة العربية ولم تكن قد عرضت من قبل. ووفق بعبارة موجزة إلى أن يبسط تاريخ اليهود في البلاد العربية قبل الإسلام وأبان ظهوره بسطا علميا أدبيا لذيذا ممتعا في كتاب كانت اللغة العربية في حاجة إليه فأظفرها بهذه الحاجة/ 16)