لغوٌ وهَمزٌ وَلمزَ وَوَخزٌ رذائلٌ تتشظَّى كلَّ آنٍ في الآفاق, ثقيلٌ حملها على النبضِ , بل لا تُطاقُ, وما لها من خلاقٍ إلّا ردماً بخنادقِ الصّمتِ . نحنُ ياصاحبي بحاجةٍ الى نفيرٍ لصمتٍ وارف وفيرٍ, يقفُ حَذونا بعنوان خفير, ويَلقفُ مِنا مكنونَ كلِّ صفيرٍ وزفير.
إنَّ بصَرَنا ياصاحبي لَيَدمَعُ شَوقاً لِفَضاءٍ مَمدودٍ, وَيَتَرَنّى لبَهاءٍ نظيفٍ عفيف, لكِنّا وفي غوغاءِ الزَّحمَةِ لا نَتَحَسّسَ من البصرِ دَمعَهُ. وَإنَّ سمعَنا لَيَطمَعُ تَوقاً الِى صفاءٍ معقودٍ وَيَتَمَنّى لهناءٍ حليفٍ أليف, لكنَّا وفي ضوضاءِ الجَلَبَةِ لا نَتَجَسّسُ من السمعِ طَمَعَهُ!
أَلَا وَإِنَّ لِلصمتِ ياصاح مَضَارِبَ ثلاث !سأهديكَ سُبُلَها..
فلْيهنأ مَنِ إستَطعَمَها مُتَنَسِكَاً بِوَرَعِ الصمتِ وتَبَصُرِهِ, وليَشنأ مَنِ إستَثقَلَها مُتَمَسِكاً بِفَزَعِ الصدرِ وتَحَسُرِهِ!
أَلَا وَإِنَّ المَضارِب هناك تُكَرِّمُ مَنِ إستَلطَفَ عندها الصَّباحَ باحة, وإستَهدفَ السَّماحَ واحة. أَلَا وَإِنَّها تُصَرِّمُ مَن إستَحَبَّ الأتَراحَ راحةً, وإستَتَبَّ النَّواحَ ساحةً.
أَلَا وَإِنَّ زِيارتَها فَرضُ عَينٍ, فَمَن حَلَّ بِها وَسَاحَ فلا بَواحَ هناكَ ولا نَواحَ, فذلِكُما في المَضاربِ هو إلحادٌ وَ زَندَقَة, ومَن إستَرخَى بِها واستَراحَ فذلِكُما عندهُمُ هو إدرَاكٌ و رَقرَقَةٌ. وَلا ضيرَ يَا ذَا حِجرٍ إن زُرتَ المضاربَ أَن تَمُرَّ على أيِّ بَطنٍ مِن بُطُونِ قَبائلِهِ وَ تَقِرُّ, فلا فَضلَ عندهُمُ لِبَطنٍ على بَطنٍ هُنالِكَا، وَهاكَ مَلمَحٌ عَن مَضاربِ قبائل الصمتِ الثلاث ..
(ديارُ شَاطئ, ديارُ جَبل وديارُ مُتَكأٌ) تِلكَ هي بُطونُ قبائِلِ الصَّمتِ .
فأمّا ديارُ الشَاطئِ فمَوسُومٌ بَيرَقُها بِشاطئِ بَحرٍ إستَقَلَّ عَن السَّماءِ بِوَداعَةٍ وَبِخَيطٍ مِن حَرير.
وأما ديارُ الجَبلِ فمَرسُومٌ بَيرَقُها بِجَبلٍ إستَحَلَّ مَوطِنَهُ بين أفنَان وزراعةٍ, وأحَاطَهُ تغريدٌ و نَغَمٌ لِخَرير.
وَأمّا المُتَكأٌ فمَحسُومٌ بَيرَقُهُ بِمُتَكئٍ إستَغَلَّ ظِلَّ شُجَيرَةٍ في صَحرَاءَ مُتَأَمِلاً بِضراعةٍ بلا تَعبِير.
في الصمتِ ياصاح..
تُقصَفُ أفلاكُ الغرورِ بِشُهُبِ الحُبُورِ , وتُعصَفُ أشواكُ الشَّرِ بِكثبِ الخَيرِ, فهناك لَمضَاتُ البَصرِ غير, وَ وَمضَاتُ العَصرِ غير, وَلَحظَاتُ النَصرِ على الذَّاتِ غير.
هنالكَ حيثُ الدَقائقُ تَقتَلِعُ كُلَّ رَنينٍ لِخَرابٍ وتَنتَزِعُ كُلَّ أنِينٍ لِسراب, لكنّها ياصاحبي وياللأسفِ دقائقُ قصيرة ! لَو أنَّها لَبَسَت ثَوباً سَرمَدياً ! ولابأسَ, فهي قصيرةٌ لكِنَّها بَصيرةٌ..فما أوفى حَادي الصمتِ وإذ هوَ هناك في آفاقها يَصدحُ:
“فصالٌ عمّا مَضى, وكلٌّ تَكَلُفٍ وتَصَلُفٍ قد إنقَضى, وكُلُّ غرورٍ وحَرورٍ قد خَلّى, وكلُّ كَبتٍ ومَقتٍ قد ولى”..
وما أصفى قاصدُ الصمتِ هنالكَ في أعماقِها وهو يَسبحُ في رصانَةِ الأرتياحٍ وفي خَبتٍ في فضاءٍ مَهيبٍ, وفي رزانَة الأنشراح وفي سَبتٍ في خَلَاَءٍ رَحيِبٍ.
فإن جَنَحتَ شَطرَ مَضاربِهِ – يا خِلُّ – فَحَلِّق في أفلاكِه وكُن طَمُوعَاً في إطَالةِ ألأمَدِ, فَتريَاقُه فَريدٌ حميدٌ, وَعَلّق عَودةً مِن هُناك بَاكِرةً إلى هاهنا, حيثُ تَتَلاطُمُ أمواجُ الغرورِ, وتَتَناقمُ زَحمةُ الحُروفِ يَنطَحُ بعضُها بَعضاً، وَكُلٌّ مُعجَبٌ بإستواء شَنَبِهِ والتِواءِ ذَنَبِهِ, وقد ظَنَّ أنَّه مَلَكَ الجِهاتَ الأربِع بِسرور.
أَمَدَ شَاطِئِ البَحرِ ..
عَمَدَ أفنَانِ الجَبلِ..
ورَمَدَ حَبَاتِ الرَّملِ..
تلك هي بُطُونُ قَبائلِ الصَّمتِ.
أرحامُها عاقرٌ من كلَّ نُطفٍ ولا تَلِدُ إلّا صَمتاً..
لكنَّهُ صمتٌ ناطقٌ. وهذه دَعوَةٌ لك لِشَدِّ الرَّحَالِ إلى مَضارِبِ بطنٍ من قبائِلهِ .
أنتَ بحاجةٍ لسكونِ , فجفنُ عينيكَ حالكٌ.