بين السدة والسدة ملايين المعدومين،أعدمهم ” الفقر”، وهم أحياء!!!، أمام مرآي و مسمع الحكومات التي تسلطت على حكم بلد السواد،(ذلك السواد الذي أطلق على سواد ثوب والدتي الذي رافقها منذ بصرت عيني الحياة،حتى فارقتني قبل سنين خلت،وليس كما يوهمني التأريخ بلد الثروات والزرع الكثير، لتوسطه نهرين ما عادا عظيمين كما قرأت عنهما ،بل هما جداول عجز احدهما عن أطعام “نوارسه”،فراحت تستجدي المارة الفتات،ليعجز الرافدين بعدها عن توفير حياة كريمة لملايين من أبناءه الذين أصبحوا تحت خط الفقر!).
خلف السدة الأولى نشأت “العاصمة” و”الميزرة” من الفارين من ظلم وتجبر الإقطاع والشيوخ في محافظات الجنوب الذين هربوا بجلودهم بحثاً عن مستقبل مجهول،عسى ولعل يكون خاتمة لمعاناتهم وبؤسهم .
لم تهضمهم بغداد وساكنيها،مما اضطر(اخو كميله) للدفاع عن ملاذه الأخير،بعدما أصبح أمر عودته لمسقط رأسه مستحيلا،فقد يعرضه إلى عقاب الشيوخ أو الاستعباد بسبب الديون التي يعجز عن تسديدها موسم الحصاد!.
استطاع اخو كميله مزاحمة أسطوات بغداد،وتعلم بسرعة كبيرة مهنهم رغم معاناته الأمرين،حتى قيام انقلاب الزعيم عبد الكريم قاسم،حيث أزاحهم إلى بقعة شرق العاصمة “بغداد” أطلق عليها اسم الثورة تيمناً بثورته.تحولت فيما بعد إلى لعنة دفع ثمنها أبناء تلك المدينة على يد البعث وصدام.
عاشت مدينة الثورة تحت نير البعث،إقصاء وتهميش وتفقير ممنهج،فكان أبناء المدينة كما هم اليوم وقوداً لمعارك المصير!.
وعلى مدى أربعة عقود حكم البعث وصدام،تحولت المدينة إلى مخلفات حروب وإطلال مجتمع، عاشت خلاله كابوساً طويل، فأصبحت تخشى ظل المكان وحياطينه!،حتى استفاقت على أصوات قنابل طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،فأنستها لحظة الفواق من الكابوس،احتلال الوطن!،الذي حوله صدام إلى سجن كبير،فما عادت تستذيق طعمه ولونه ورائحته
(أذا لم يكن للمرء في دولة امرؤ….نصيب ولاحظ تمنى زوالها).
عاشت المدينة أحلام وردية في ظل الديمقراطية،وأحاديث العدالة الاجتماعية،سرعان ما تبدد الحلم،مخلفاً انفجاراً سكانيا لم تسعه الـ (144 ) متر التي وزعها الزعيم،برغم أن معظم البيوتات تحولت إلى أنصاف أو أربعة قطع (بيت وسبع بيبان)!.
اضطر الأبناء والأحفاد،كأسلافهم لملاذهم خلف السدة،فكانت “الدسيم” وملحقاتها.
فأطلق عليهم “متجاوزين” و “حواسم”،فيما هم لا هذا ولا ذاك،بل لأنهم ورثوا الفقر الممنهج،الذي لم يفكر القادمون الجدد،بانتشالهم من براثنه،لتصبح تلك المناطق “مصانع للفقر”،برغم كفاءة ساكنيها وقدرتهم على العمل و الإنتاج!.
فمتى يعي أصحاب القرار،ان العاصمة بغداد لن تنهض وخلفها العراق،مالم تردم الفجوة التي خلفتها السدتين،فمشكلة العراق الحقيقة اجتماعية،بسبب غياب “الطبقة الوسطى”،المسوؤلة عن ضبط أيقاع المجتمع التي غيبها الفقر،وأصبح مجتمعنا عبارة عن طبقتين طبقة مترفة مادياً وفكرياً،وأخرى مسحوقة مادياً وفكرياً.
المشاريع الكبرى ترتكز على ثلاثية (حاجة ـ مادة ـ قرار)،والركيزتان الأولى والثانية متوفرتان، وما تبقى هو القرار،وأملنا أن تتخذ الحكومة الحالية قرار إنقاذ “مدينة الصدر” مدينة الشهداء والمضحين،قبل أن تتحول الى مدينة غير صالحة للسكن بسبب كثافتها السكانية.