23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

مصادر التشريع عند اليهود الكُرّدستانيين/ ج1

مصادر التشريع عند اليهود الكُرّدستانيين/ ج1

لليهود الكردستانيين خاصية في دراسة الشريعة اليهودية (= الهالاخاه)، قد تختلف اختلافات بسيطة غير جوهرية عن دراسة الشريعة عند باقي اليهود في المناطق الأخرى من العالم، ويرجع ذلك في اعتقادي الى عزلتهم في الجبال الكردية واختلاطهم القليل بباقي اليهود سواءً في العراق، أو المستقرين في فلسطين قبل تأسيس الدولة العبرية بعدة قرون. وهذا ما تجلى واضحاً في أحد الأبحاث الرصينة لاحد علماء الانثروبولوجيا الالمان من أصل يهودي، إريك براور (1895-1942م) الذي يشير الى هذه العزلة بقوله:” إن العزلة الطبيعية للمرتفعات الكردية والتي تجعل التنقل والاتصالات صعبة، وكذلك الفوضى السياسية السائدة وخشونة طباع سكان هذه الأرض، كلها عوائق أمام أي محاولة لإجراء دراسة علمية حولها. لذا قال الجغرافي الألماني الشهير كارل ريتر (1779 – 1859م) بأنه قبل رحلات (القنصل البريطاني في بغداد)، سي. آر. ريج (1820) كانت كردستان الأرض المجهولة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وفي الواقع فإنّ ما نعرفه عن كردستان حتى اليوم هو مجرد معلومات عن الطرق التجارية المارة بها ولم تتجاوز معرفتنا ذلك النطاق”. إريك براور، يهود كردستان، أكمله وأصدره: رافائيل باتاي، نقله الى العربية: شاخوان كركوكي وعبد الرزاق بوتاني، دار ئاراس، أربيل، 2002م، ص31.
ويستطر السيد براور قوله حول عدم وجود دراسات إثنولوجية منهجية عن اليهود الكرد، والموقف أفضل نسبياً فيما يتعلق بالنصارى.” أما المعلومات المتوفرة عن اليهود الكُّرد فهي أقلّ نسبياً من تلك المتوفرة عن أي مجموعة يهودية أخرى، والاوصاف التي قدّمها القليل جداً من تقارير الرحالة هي أكثر ضبابية. فقلّما اتصل الرحالة بيهود هذه البلاد، والكثير منهم، بصورة عامة، أغفل أية إشارة الى اليهود في تقاريره. لذا فمن بين العديد في كتب الرحلات، بل ومن بين أهمها، لا تجد مكاناً لمجال البحث الذي نحن بصدده (= يهود كُردستان). فلم يلبث أيّ من الرحالة في البلاد فترة كافية للتعرف عن قرب على اليهود الكرد، كما أنه ليس هناك عمل عن يهود كردستان يشابه عمل (سافير) عن يهود اليمن”. المرجع السابق، ص31.
وتجدر الإشارة الى أن عمل المنظمات اليهودية ورجال الدين اليهودي ونشاطهم في اليمن بدأ بوصول أهم حاخام يهودي من القدس إلى اليمن في عام 1858م وهو الحاخام يعقوب سافير(1822-1886م) داعياً اليهود اليمنيين القدوم إلى ( أرض الميعاد – فلسطين) وألف كتاباً عن رحلته لليمن ولقاءاته باليهود، وجاءت زيارته بعد سنوات طوال من زيارة عالمان يهوديان وصلا لجمع أموال من يهود اليمن في عام 1730م وامتداداً لزيارة المبشر اليهودي المسيحي الانجيلي هنري هارون ستيرن (1820- ا1885م) الذي زار اليمن في عام 1836م وغيرهم من اليهود من مختلف بقاع العالم وصلوا اليمن شماله وجنوبه لحث الطائفة اليهودية للرحيل والاستقرار بفلسطين ، إلا أنه يمكن القول إن أوائل اليهود الذين سافروا إلى هناك أي فلسطين كان في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
ومن أهم مصادر الشريعة اليهودية التوراة، وقد قال رجال الدين اليهود، ان موسى لم يترك لهم شريعة مكتوبة قط التي تحتويها (الاسفار الخمسة) وانما ترك شريعة شفوية تلقاها التلاميذ من المعلمين، ووسعوا فيها جيلا بعد جيل. هؤلاء الفوا في المعابد والمدارس الفلسطينية والبابلية التلمود الفلسطيني والبابلي. ولفظ التلمود يعني التعليم، وهو يشمل المشنا والجمارا، ولا يختلف التلمودان إلا في الجمارا أو الشروح، فهي في التلمود البابلي أربعة امثالها في التلمود الفلسطيني، فيشتمل الاول على 2049 ورقة كبيرة، ويشتمل الثاني على 800 صفحة. وتنقسم المشنا الى ستة فصول وكل فصل الى عدة مقالات يبلغ مجموعها ثلاثة وستين، وتنقسم كل منها الى عدة تعاليم، ولغة الجمارا البابلية والفلسطينية آرامية، اما لغة المشنا فهي العبرية تتخللها الفاظ ومفردات من اللغات المجاورة، يقول المؤرخ الإسلامي المسعودي(ت346هـ): “وأول من تكلم بالعبرية ابراهيم الخليل بعد ان خرج من بابل الى حران وعبر نهر الفرات فتكلم بها فسميت العبرانية وبها نزلت التوراة، غير ان يهود العراق لغتهم هي اللغة السريانية وتعرف ب(الترجوم ) يفسرون بها التوراة من العبرانية لوضوحها عندهم ولتعذر فهم العبرانية على كثير منهم”. ينظر: المسعودي: التنبيه والاشراف، بيروت، دار ومكتبة الهلال، ص 79.
أما ابن النديم (ت384هـ) فهو يتكلم عن التوراة التي في يد اليهود، وأسماء كتبهم، وأخبار علمائهم ومصنفيهم، بقوله، فقال:” سألت رجلاً من أفاضلهم عن ذلك، فقال: أنزل الله، جل اسمه، على موسى التوراة، وهي خمسة أخماس، وينقسم كل سفر الى سفرين، وينقسم السفر الى عدة فراسات، ومعناها السورة. وتنقسم كل فراسة الى عدة ابسوقات، ومعناها الآيات: قال: ولموسى كتاب يقال له: المشنا، ومنه يستخرج اليهود علم الفقه والشرائع والاحكام، وهو كتاب كبير، ولغته كسداني وعبراني. ومن كتب الأنبياء بعد ذلك، كتاب يهوسع (= هوشع – يوشع بن نون)، كتاب سفسطي (= القضاة)، كتاب شموئيل، كتاب سفر اشعيا، كتاب سفر ارميا، كتاب سفر حزقيل، كتاب ملخي (= سفر الملوك)، وهو سفر داوود وأصحابه، ويعرف بتفسير ملخي الملوك، كتاب الأنبياء، وهو اثنا عشر سفراً صغاراً، ولهم كتب يقال لها بطارات مستخرجة من كتب الأنبياء الثمانية. محمد بن اسحاق المشهور بابن النديم، الفهرست، ص32 وما بعدها.
ومن كتبهم كتاب عزور (= سفر عزرا- العزير)، كتاب دانيال، كتاب أيوب، كتاب سر سيرين (= نشيد الإنشاد)، كتاب أخا (= سفر حجي – كتاب ميخا)، كتاب روث (= راعوث)، كتاب قوهلت (= سفر الجامعة)، كتاب زبور داوود (= المزامير- الزبور – الزُبُر)، كتاب أمثال سليمان، كتاب ديوان الأيام فيه سير الملوك وأخبارهم، كتاب حشوراش (=الاسفار الخمسة)، ويسمى المجلة. المصدر السابق، ص34.
وقد اثار التلمود الجدل بين طوائف اليهود في هل الشريعة الشفوية (التلمود) من عند الله وتجب طاعتها؟ فآمن منهم بأنها أوامر من عند الله، وأضافوها الى أسفار موسى الخمسة، فتكونت منهم جميعا التوراة، واتخذت صورتها النهائية المعروفة بالمشنا (التعاليم الشفوية) ووضعت لها شروحا، وقد اختلف اليهود في العالم في تفسير المشنا وأحكامه، وحاولوا تفسيره بما يلائم وطبيعة العصر. ول ديورا نت: قصة الحضارة – نشأة الحضارة. الشرق الادنى، ترجمة: زكي نجيب محمود ومحمد بدران، مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الاسرة، 2001م، مج1، ج 2، ص366 -371.

ويقول المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون (ت1931م):” وقد ألف كتاب التوراة في أدوار مختلفة مما جعله مملوءاً بالارتباكات والاختلاطات والروايات المرتبة المصنوعة، ففيها الاقاصيص وبها سفر اشعيا والاساطير والقطع الروائية، والنبذ التعليمية، والاناشيد الدينية، والاغاني الحربية، والقصائد الغزلية والخيالية، والمجموعات الحكمية، والشرعية. وقد اتفق شراح العهد القديم على تعدد النسخ التي جمعت منها كتبه الخمسة، وأهم هذه النسخ نسخة (الوهيم) و(يهوا) ونسخة (الكهنة) و(التثنية). فتسمية نسخة (الوهيم) هي الكلمة التي تطلق فيها على الاله، وكذلك (يهوا) اسم للإله عليها. ونسخة الكهنة لأنهم جمعوا كتب الشريعة التي تخص العقائد والمراسيم وأخبار الهيكل والعبادة التي كتب منها على أيام مملكة اسرائيل(الشمالية)، وما كتب في السبي البابلي لليهود في العراق”. غوستاف لوبون: اليهود في تاريخ الحضارات الاولى، ترجمة: عادل زعيتر، ص 72، 74.