تتطور الأفكار وتنضج بمرور الزمن، وذلك مرهون دون شك باستجابة العقل البشري ــ الذي يبقى محدوداً مهما بلغ من البراعة ـ إلى نداءات العصر الراهن.
ولذلك انتقلنا من الثقافة الموسوعية إلى التخصص المعرفي، ومن لغة السرد إلى مدارس التأويل، ومن فهم التاريخ على أنه حكاية يقصها اكثرهم قدرة على الحفظ إلى علم له منهجيته ووسائله المتطورة يوماً بعد آخر.
والتطور الذي نتكلم عنه هنا يمتد لينعكس دون شك على الممارسات في شتى المجالات ومنها العمل المؤسسي والسياسي بصورة عامة، ومن هذا المنطلق نستطيع القول مثلاً ان عصرنا اليوم هو عصر المشاركة لا المغالبة، وان توقف عجلة الإصلاح في كثير من المواطن والبقاع انما وقع لأنها سارت على أرض متعثرة يغالب فيها طرف الآخر، ويحاول ان يضع له العراقيل دون وصول إلى النهاية او حتى التقاء.
يحدث هذا في وقت يمكن النظر إلى ان تعقد الحياة المعاصرة، وتنوع أشكال التحديات فيها، ودخول عناصر مختلفة ما كانت قبلاً ليعرفها احد سواءً على مستوى المناهج الإدارية او مصادر القوة ووسائل التأثير، يلقي بظلاله على ادارة مختلف الملفات، ومنها تطور أشكال الحروب التي غادرت ساحة المعارك منذ زمن واستعاضت عنها بوسيلة إعلام وفكر ممنهج وأدوات مسخرة لهدم المفاهيم وبناء بدائلها، وليس الحديث هنا عن مصداقيتها او جدواها او نبلها وإنما واقعيتها وتأثيرها.
لذلك فلا أحد بما أوتي من قوة وقدرات اليوم بقادر على ادارة ملفات باتت معقدة ومركبة، بل لو دققنا النظر فليس هناك من داع للمغامرة وتحمل كل التبعات لمجرد إرضاء رغبة داخلية بالتمكن من السلطة والادارة والحكم في بلدان ما تزال تعيش تحت وطأة الديمقراطية الهشّة والفقر والعوز والحاجة المستمرة إلى العدالة الاجتماعية.
وهنا لا بد من الاشارة إلى ان التفكير بالشراكة واعتمادها منهجاً للتعامل مع الآخر ولا سيما داخل الوطن الواحد لا يعني التنازل او الوقوع في فخ التخلي عن الهوية وغيرها بل هو احتفاظ بقدر من التفاهم، والالتقاء على نقطة مشتركة تجمع الأطراف المختلفة، وتوازن بين الصلاحيات والحقوق والواجبات، واحترام خصوصيات الانتماء.
وأساس النجاح في ذلك تعزيز روح المواطنة والالتفاف على الهوية الجامعة، فذلك سيحقق الاكتفاء الذاتي في الجانب الشعوري، وهو امر يتحقق بالضرورة بمنح الحقوق للجميع، وحينها نرى ان من يحصل على حقوقه سيجد نفسه مطمئناً بالتالي من أي مشروع مضاد او من المستقبل الذي يخشاه.
كما ان الشراكة ليست شعاراً يقدم دون مضمون، او قول متجرد من التطبيق، مطلقاً، ولعل ذلك كان سبباً في اخفاق الكثير من التجارب التي ترفع شعار المشاركة ولكنها في حقيقة الأمر قائمة على فكر المغالبة والتفرد المستتر بتلك العناوين البراقة.
لا بد من امتلاك فكر المشاركة في داخل ذواتنا اولاً قناعة مبدئية لا خياراً مرحلياً، ثم نجعلها ثقافة مجتمعية ونظاماُ للإدارة والحكم وصولاً إلى تطبيقه في المنظومات الاكثر اتساعاً محلياً ودولياً، ان أردنا لهذا العالم النجاح والسلام!.