قالت العرب قديما
لاتربط الجرباء حول صحيحة خوفا على الصحيحة ان تجربا
درج العرب قديما على عادات ورثوها عن الاجداد واصبحت تقاليد عامة تمارس في الاحوال الاعتيادية وكانت لها ايجابياتها وسلبياتها المعروفة للجميع وينسحب هذا الامر على كل المجتمعات تقريبا. اي الايمان بالعدوى وامكانية الانتقال والانتشار باتجاه واحد من المصاب الى السليم المألوف والمتعارف عليه وذلك نتيجة الاتصال الجسدي اثناء التفاعل الاجتماعي.
في معظم المجتمعات كان من بين التقاليد المتبعة والمعبرة عن الترحيب والتوديع والتهنئة والافراح والاحزان وغير ذلك كان من بين هذه التقاليد التصافح والتحاضن والتقبيل بانواعه. وكان التغاضي عمدا عن ممارسة ذلك يعتبر اهانة متعمدة وقد تؤدي في بعض الاحيان الى اعمال عدوانية تتخذ اشكال متعددة مقابلة. كما حدث للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب عندما القى الخطاب السنوي الاخير عن حالة الاتحاد. وعند نهاية الخطاب تغاضى الرئيس الامريكي السابق عن مصافحة بيلوسي عندما مدت يدها للمصافحة مما حدى برئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بتمزيق نسخة من الخطاب امام الملىء وعلى شاشات التلفزة كرد على عدم مصافحتها وهذا العمل عرفا يعتبر اهانة لها وكان ردها بالمثل بتمزيق خطاب الرئيس انتقاما لهذه الاهانة.
وفي هذا المجال هناك بعض الحالات الاستثنائية في ممارسة هذه التقاليد الاجتماعية ففي بعض الاديان كالاسلام مثلا لاتجوز مصافحة الرجل للمراة لاسباب منطقية وواقعية حفاظا على مكانة المراة . وبالمناسبة استغلت الاحزاب الدينية في العراق هذا الامر رياءا لتثبت ظاهريا مدى تمسكها بالدين الاسلامي الحنيف كما حدث مع محافظ جنوبي في العراق عندما امتنع عن مصافحة مسؤولة امريكية على شاشة التلفاز. وهذا نوع من انواع النفاق السياسي قا م به هذا المحافظ الفاسد الذي هرب بعد اتهامه بالفساد وسرقة المال العام . ومن الامثلة الاخرى زوال تقاليد اجتماعية اتصالية محببة وتجنب الناس ممارستها في فترة انتشار وباء الكورونا المميت والذي يتميز بسرعة انتقال عدواه من شخص الى اخر مالم تتخذ الاجراءات الاحترازية. وفي نفس الاطار اصبحت بعض الافعال الجسدية التلقائية المحببة كالعطاس في العديد من المجتمعات تثير الهلع بدل الترحم على الاموات والتبريك لدى الناس كما هي العادة.
وبديهيا تستوجب الوقاية من هذه الجائحة التباعد الجسدي والاجتماعي والذي تجسد في عدم المصافحة او المعانقة او التحاضن او التقبيل بانواعه خوفا من انتقال هذا الفيروس الذي يبلغ حجمه 10000 مرة اصغر من حبة الملح حسب مجلة الايكونمست البريطانية.
السؤال الذي يطرح نفسه هل ستعود بعد زوال الجائحة التقاليد العريقة التي اعتدنا عليها وورثناها عن الاباء و الاجداد ام ستحل محلها تقاليد متطلبات الكورورنا او مستجدات اخرى؟ وهل ستتضاعف استخداماتنا للمطهرات والمعمقمات واهتماماتنا بها كاهتماماتنا بمقومات الحياة كالاغذية والهواء النقي؟
الجواب في اعتقادي نعم كل شيء ممكن. فقد لاحظنا مثلا استبدال المصافحة بالكفوف او بالانوف بملامسة العكوس والتقبيل بالتقبيل عن بعد كذلك الحال مع التحاضن. واذا حصل ذلك هل ستتجذر هذه الممارسات الاجتماعية وهل لها اثار جانبية وتفاعلات اخرى؟ وهل الامتناع عن ممارسة هذه البدائل له نفس مفعول التعمد بعدم رد المصافحة بالكفوف كما حصل مؤخرا في امريكا؟ نعم كل هذا ممكن
وفي اطار متصل اعتقد ان متطلبات الوقاية من الكورونا كالكمامة والاتصال الجسدي الحذر سيؤدي الى الاكثار من المخالفات والجرائم كثمن للتحول الاجتماعي الذي فرضته الجائحة على المجتمعات. هذه الجائحة ستنسف ممارسات اجنماعية قديمة وسوف تستحدث ممارسات جديدة وغريبة على الاجيال الحالية وستترسخ في المجتمعات هذه الممارسات الجديدة لدى الاجيال القادمة.