17 نوفمبر، 2024 6:29 م
Search
Close this search box.

مدرسة مسائية

هذه المدرسة انموذج للفوضى التي تحدث في العراق الآن، مديرها يجلب ثلاثة من عمال الخدمة طوال القامة وممتلئين مع اثنين من ابناء عمومته ، يجلبهم لحمايته فقط، لم تعد مدرسة المشاغبين كاذبة أو من صنع خيال المؤلف، إنها حقيقة واقعة في العراق، الطالب يشهر المسدس بوجه المدير او بوجه الأستاذ، والأساتذة يوميا يغيرون طريقهم خوفا من الاحتكاك مع الطلاب، رأيتهم مساء وكأنهم هاربون من خطر انتهوا منه، رأيتهم خائفين ومترددين يزمون الخطى للوصول إلى الشارع العام والانتهاء من هذه المهزلة التي تسمى مدرسة، غالبية الطلاب في هذه المدرسة منتسبون في الجيش أو الشرطة أو في إحدى الدوائر الأ منية أو الحركات المسلحة، بعكس أيام زمان فقد كان غالبية طلاب المدارس المسائية من المكافحين والعمال ،منظر المسدس والسكين بات عاديا، ولا يمكن الاستغراب منه، المدير الذي يعد الايام وصولا الى التقاعد ، هو من وصل بالمدرسة الى هذا الحال على اثر خصومته مع احد المدرسين واستغرب جهارا وعلنا من ان مدرسا شريفا يخدم في هذه المدرسة بعد ان غير المدير الدرجات، فاعترض المدرس، فكان رد المدير بصوت عالٍ: (تعالوا مدرسين، هذا الاخ شريف، بويه اذا انته شريف اشجابك بيناتنه).
مرات عديدة وبخلاف مدرسة المشاغبين يتعرض احد المدرسين للضرب المبرح، وحتى يصل الأمر ان يكسر انف المدرس، فيهرع إلى عشيرته وتصبح القضية عشائرية خارج أسوار المدرسة، في كل حالاتها لا تمثل أي شيء يشترك مع المدارس التي كانت أيام زمان، ربما رأيت احد المدرسين والدماء تسيل على وجهه، ويسوى الأمر بعد ذلك بالتراضي، منتسبو الشرطة والجيش والحركات المسلحة في المدرسة اشجع ما يكونون فيها، عكس الشارع تماما، خصوصا بالنسبة للشرطة والجيش ومنتسبي الدوائر الأمنية، فهم لا يهشون ولا ينشون خارجا، وربما استعادوا رجولتهم بالاعتداء على المدرسين، التعليم المسائي صار مهزلة واضحة، والوزارة تعلم بذلك ولكنها تغض الطرف نتيجة للضغوطات ولان أكثر المسؤولين الذي حصلوا على شهادات عليا وشهادات عادية هم من خريجي هذه المدارس التي لا تخضع لضوابط وزارة التربية، مرة واحدة زار مشرف تربوي هذه المدرسة، وأخرجه المدرسون هاربا من الطلاب، هذه المتوسطة تؤهل الكثيرين لدخول مرحلة الإعدادية وهي كذبة كبيرة في ظل حكومة ضعيفة لا تقدر على اية مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص فكيف بها والعشائر وغير العشائر، ومن المؤكد إن المدارس الصباحية ستحذو حذو هذه المدرسة ، خصوصا وان هناك من يغري الطلبة الصغار بالانضمام إلى حركات وألوية.
نحن لا ندري حجم الخراب الهائل الذي نحياه، نحن الآن بمجتمع عسكرته الأحداث، وصار الذي لا يحمل السلاح اضعف لبنة فيه، القلم لم يعد فوهة واحدة مع البندقية، انتصرت البندقية وسحبت القلم في صفوفها، المدير خائفا يترقب، خصوصا في الايام الماضية ، يرتعد وهو يساوم الفاشلين على دخول الامتحان الوزاري، وحمايته يقفون لدى الباب، الخوف يسيطر على كل شيء، الوجوه والعيون والتصرفات، حتى الخط على السبورة يبدو خائفا هو الآخر فقد كتب بيد مرتعشة لا يمكن أن تعطي علما لأحد وهي على هذه الحال، التعليم آخر إطلاقة ، وربما كانت إطلاقة الرحمة لهذا الوطن المحتضر، فهي خلاصه الوحيد.

أحدث المقالات