القانون واحد ، ونصوصه سائده في انحاء البلد ،والمحكمة هي الجهة المختصة بتطبيق نصوص القانون على النزاع المعروض امامها ، ولان من يطبق القانون هم القضاة، وهم بشر، معرضون للخطأ والنسيان والغفلة والسهو والاشتباة ، و أحيانا يختلف القضاة في تأويل النص القانوني الواحد فاذا وقع الخلل في الحكم القضائي نتيجة الاسباب اعلاه حار الناس بين ما يعد خطأ وما يعد صوابا من احكام القانون وتضرروا في معاملاتهم ، وأن ما ذكرناه أعلاه واقع لامحالة بسبب تعدد المحاكم وتفاوت مراتب القضاة في فهم القانون على قدر تفاوتهم في العلم والخبرة ، كما أن السماح بذلك بتناقض الاحكام وتضاربها حول تطبيق القاعدة القانونية يؤدي الى اضطراب النظام القانوني بأكمله و ينال من فاعليته ، وتهتز الثقة بالقضاء وأدواته من محاكم وقضاة ، كما يهدر المبدأ الدستوري بأن جميع المواطنين متساويين امام القانون . لذا فان استقرار الحقوق والمراكز القانونية هد ف القانون وغايته، وهذا الهدف يبقى بعيد المنال في ظل اختلاف المحاكم وتضاربها حول تطبيق القواعد القانونية وتفسيرها.
ومن مقتضيات حسن سير العدالة أن توجد محكمة عليا واحده تشرف على تفسير القانون وتطبيقه، وتعمل على توحيد احكام القضاء والقواعد القانونية في انحاء الوطن الواحد وهذه المحكمة العليا يطلق عليها (محكمة التمييز الاتحادية) وهي واحده ومقرها في بغداد.
ولم تكن محكمة التمييز مجرد كيان قضائي مهني، بل كانت بحق أكاديمية علمية راقية، تخرج على يديها “عمليا ” ألاف الذين ينشدون البحث القانوني والقضائي بعد أن نهلوا من احكامها العتيدة، وقراراتها السديدة، وهي تزخر بالمبادئ القانونية العادلة التي تحمل بين جوانبها الفهم الواضح لنصوص القانون وروحة، فعندما تطلع على أحد أحكامها تجد نفسك مبحرا في بحث قانوني علمي رصين، وتفسير منطقي متين، وتسبيب فقهي مكين. مما جعلها أن تتسيد المشهد القضائي العراقي بحق. وتتبوء قمة هرم العدل في العراق بصدق. بعد أن أثرى قضاتها الاجلاء مكتبتها وارشيفها بقراراتهم المشفوعة بعمليتهم الثرة، وإمكاناتهم الغنية، ورؤاهم الموسرة، مغلفة بنزاهتهم، وصدقهم، واستقامتهم.
وفي ضوء هذه المقدمة نفترض ان المبادئ القانونية التي تحكم القضايا القانونية المتشابهة ستكون واحده على صعيد القضاء.
لكن – للأسف – عندما نطالع بعض القرارات الصادرة-هذه الايام -من هذه المحكمة نجد انحسار كثير من الاوصاف التي ذكرناها في البداية عنها، فتجد المبادئ القانونية المتضاربة حول ذات القضايا المتشابهة، وكأنها نزلت من ريادتها وأصبحت محكمة من الدرجة الاولى. يجوز عليها الخطأ والغفلة والاشتباة
على سبيل المثال: قرار مجلس قياده الثورة المنحل المرقم 156 لسنة 2001 والموسوم بـ (تمليك الاشخاص الذين أنشأوا تجاوزا دور للسكن) فقد نصت المادة 10 منة (تمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة عن تنفيذ احكام هذا القرار.) مما يعني ان المبدأ القانوني المنبثق عن هذا المادة أحد أمرين:
الاول: اما أن تتمسك محكمة التميز الاتحادية بنص المادة أعلاه وتتمسك بتطبيقها على جميع محاكم العراق وتؤسس لمبدأ عدم جواز سماع أي دعوى ناشئة عن تنفيذه.
الثاني: أو تنظر الدعوى بعد أن تطبق (قانون الغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوي رقم (17) لسنة 2005) وتعتبر نص المادة 10 من قرار مجلس فياده الثورة المنحل ملغي.
هذان الاجتمالان لا ثالث لهما عند المباشرة بنظر الدعوى.
الا محكمة التمييز الاتحادية ارتأت ان تفتي بالمبدأين المتناقضين في الدعاوى المعروضة امامها لعلة خفية لا نعلمها. وأستعرض قرارين متناقضين فقط.
القرار التمييزي الاول:
العدد:2050/مدنية عقار/2008
تاريخ القرار: 28/8/2008م
جهة الإصدار: محكمة التمييز الاتحادية
تسجيل عقار
عدم مبادرة المدعي الى تسديد بدل القطعة المخصصة له خلال المدة المحددة للتسديد يكون قد أسقط حقه بالمطالبة بتسجيل القطعة باسمه.
القرار: لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون للأسباب المذكورة فيه حيث ان الثابت من اضبارة الدعوى بأن المميز المدعي قد حصلت الموافقة على تمليكه العقار المرقم 31/1721 م 35 رشيدية استناداً لأحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 156 لسنة 2001 الا ان المميز لم يبادر الى تسديد بدل شرائها بغية تزويده بكتاب الى دائرة التسجيل العقاري لغرض تسجيلها وان وزارة الداخلية/ مديرية البلديات العامة وبموجب كتابها المرقم 11809 في 30/8/2001 قد حددت فترة زمنية امدها اربعة اشهر لغرض تسديد مبالغ التخصيص وبعد مرور الفترة المذكورة تسحب القطعة. وبذلك يكون المميز (المدعي) قد سقط حقه بالمطالبة بتسجيل القطعة باسمه ويكون الحكم المميز المتضمن رد الدعوى قد التزم وجهة النظر القانونية قرر تصديقه ورد الطعن التمييزي وتحميل المميز رسم التمييز. وصدر القرار بالاتفاق في 28/8/2008م.
ففي هذا القرار قبلت محكمة التمييز الاتحادية لمحكمة الموضوع قرارها بنظر الدعوى المرفوعة استنادا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل المشار الية أعلاه ، ودخلت في موضوع الدعوى ، وبذلك تكون التمييز قد أخذت بتطبيق قانون رقم 17 لسنة 2005 أنف الذكر ، واعتبرت ان الدعوى الناشئة عن تطبيق قرار مجلس قياده الثورة المنحل رقم 156هي دعاوى صحيحة يجوز النظر فيها وعدم ردها للسبب الشكلي المتمثل بالامتناع عن سماعها . وهذا الرأي من الحكمة يمثل رأيا راجحا يتسق مع نص القانون ويستوسق مع روحة.
القرار الثاني
رقم القرار :6217 / هيئة استئنافية عقار / 3013
تاريخ القرار: 9 / 5 / 2013
جهة الاصدار: محكمة التمييز الاتحادية
(لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا وبعد عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون ذلك أن المدعي / المميز علية طلب الحكم بإلزام المدعى عليهما بمنع معارضتمها له في تسجيل القطعة المرقمة2312 /110 الرباط الكبير بأسمة وفقا لقرار مجلس قياده الثورة المنحل بالرقم 156 لسنة 2001 ………. وتنص الفقرة عاشرا من القرار على ان المحاكم ممنوعة من سماع الدعاوى الناشئة عن تنفيذ هذا القرار … كان على المحكمة رد الدعوى واذ أن القرار 17 لسنة 2005 الذي ألغى النصوص التي تمنع المحاكم ممنوعة من سماع الدعاوى الناشئة عن تنفيذ هذا القرار يسري من تاريخ صدوره ولا يسري على الحالات السابقة لصدوره فكان على المحكمة رد الدعوى من هذه الجهة واذ انها خالفت ذلك مما تكون قد جانبت الصواب علية قرر نقض الحكم المميز واعاده الدعوى الى محكمتها لاتباع ما تقدم ……..)
المناقشة:
1. لماذا اتجهت محكمة التمييز الاتحادية في القرار الاول الى قبول الدعوى والنظر فيها موضوعيا دون أن يكون لنص المادة 10 من قرار مجلس قياده الثورة المنحل تأثيرا في منع المحكمة من رد الدعوى شكلا بحجة عدم جواز سماعها؟ في حين اتجهت محكمة التمييز الاتحادية في القرار الثاني نقضت الحكم المميز واستدلت فيما استدلت به على حكم المادة 10 المذكورة انفا؟ ولم يشفع قانون رقم 17 لسنة 2005 للمدعي / المميز علية ؟
2. ما هو المبدأ القانوني السائد الان في العراق والذي يحكم هذا الوقائع؟
هل يجوز قبول الدعاوى الناشئة عن قرار 156 لسنة 2001 أم لا يجوز؟ لكي يكون المواطن على بينة من امره عند البدء في اقامة الدعوى.
أن هذا التضارب والتناقض في سن المبادئ القانونية مجحف في حقوق المواطنين ولا يليق بصدوره من أعلى صرح فضائي محترم في العراق
– وللحديث بقية –