23 ديسمبر، 2024 11:43 ص

مثالية افتراضية مزيفة

مثالية افتراضية مزيفة

لا أعلم منذ متى بدأت عملية صناعة الرموز التي تصل في مكانتها الذهنية لدينا حدّ التقديس قد بدأت..

ربما منذ لحظة الوجود على هذه الأرض! وهو يأتي في سياق التدافع بين الحق والباطل، أو الخير والشر، ولكن ما أعرفه أنني نشأت مع أبناء جيلي، وفي عقولنا أسماء عديدة، مرسومة بعناية، فكراً وخلقاً وسلوكاً، يصل بنا الحال إلى الحلم بلقائهم ومخاطبتهم، قديماً عبر الرسائل المكتوبة والهواتف الأرضية، وحديثاً عبر مواقع التواصل التي تكاد تصيبنا والمجتمع كله بحالة أشبه بالهوس والجنون.

قرأت مؤخراً للكاتب الكبير انيس منصور افادة من الذاكرة تناول فيها بعض صفات الأديب طه حسين، وفي موضع آخر قرأت لغيره حديثاً عن توفيق الحكيم، والكلامان يخصان نزوعهما المادي المعبر عن الحرص ويصل إلى درجة البخل.. والعهدة على من نقل.

ولا يهمني كثيراً الوقوف عند تلك الأقوال من حيث مدى دقتها التامة او المبالغة فيها، فذلك ليس موضوعي بالتحديد، ولكن ما يهمني هو إدراك أن تلك الشخصيات التي تحيطها هالة جاذبة وبدرجة عالية إنما هي مثل غيرها، وليست شخصيات أسطورية وتأتي كل أفعالها مرسومة بدقة لا خطأ فيها، فذلك مقام ليس للبشر كما يعلم الجميع.

كان هؤلاء ــ ومثلهم من يعيشون معنا اليوم ومن سيأتي في المستقبل ـ يحبون ويكرهون، يتفاءلون ويتشاءمون، قد يعانون من صفات الأثرة والبخل والبغض، مثلما قد تشع منهم معاني التواضع والنبل والأخلاق العالية، وقد تتباين حياتهم بين منحى صعود وهبوط، فضلاً عن انعكاس حياتهم الشخصية وما يمرون به حتى على أفكارهم ومواقفهم التي يتلقاها البعض على أنها قواعد علمية مسلّم بها فإذا بها في النهاية لا تعدو ان تكون نتاج أزمة هنا، وانكسار هناك، وتنفيس عن عقد نفسية ظلت متجذرة، أو تحليق لمن فك أسار الروح بعد طول قيد واحتجاز، وقراءة المذكرات الشخصية لأولئك تنبىء عن ذلك بكل تأكيد.

ان العالم الافتراضي الذي وقع الكون اليوم في أسره هو قديم مهما اختلفت أشكاله ووسائله وصوره، ومع ادراك تباين مستويات التأثر والتأثير بين الماضي والحاضر بفعل طبيعة الأدوات المستخدمة، فإن أصل الموضوع هو ذاته ولا اختلاف.

وعلينا جميعاً ادراك تلك الحقيقة، فهي تخفف إلى حدٍ بعيد من سطوة الصور المثالية التي باتت تهدد بيوتنا وعوائلنا وتصيب المجتمع ككل بحالة من عدم القناعة ونبذ النعم والشكر للمولى القدير الذي يحيطنا بآلائه ليل نهار، مثلما انها تعيد تموضع الأشخاص حسب حقيقتهم من جهة، وحسب معيار المؤمن الملتزم الذي لا يمكن أن يغفل أثر الانتماء في منح خلاصة حكمه عليهم مهما كان هذا الشخص مبدعاً أو متفوقاً في ميدانه، وبين الجانبين بون عظيم.