23 ديسمبر، 2024 5:35 ص

التِّيه : الصلف والكِبر.
وقد تاه يتيه تيها : تكبّر.
وتاه في الأرض يتيه توها وتيها وتيهانا والتِّيه أعماها , أي ذهب متحيرا وضل , وهو تيّاه.
والتيهاء هي الأرض التي لا يهتدى فيها.
والتيه المفازة يُتاه فيها والجمع أتياه وأتاويه.
وتيّه الشيئ أي ضيّعه.

فهل أصبح الوطن متاهة سياسية وزوبعة إجتماعية وبركان إقليمي لا يهدأ؟!!

والمتاهات أستخدمت كثيرا في التجارب العلمية , وبواسطتها إكتشفنا عددا من قوانين التعلم , وطبقناها في حياتنا العامة , والتي تقول في خلاصتها , أن المخلوق أيا كان نوعه وصنفه , إذا ما وُضِع في متاهة فأنه سيكتشف طريقه , ويتعلم مهارات الخروج منها والإنتصار عليها.
وعندما يتحول الوطن إلى متاهة , ويبقى كذلك على مدى سنوات , والمتحركون فيها لا يزالون يتخبطون , ولا يعرفون الطريق الأمثل للخروج منها , فأن الأمر يثير الأسئلة , وعلامات الإستغراب والتعجب.

فلكل تيه مخرج , ولكل متاهة سبلا يمكن العثور عليها للخروج منها , إلا متاهتنا التي لا أحد يمكنه أن يبتكر مخرجا , ويرى ضوءا , ويكون دليلا للآخرين التائهين الحائرين فيها.

فالوطن متاهة , والناس في حركة عشوائية مضطربة , وتفاعلات سلبية مؤذية , ومعظمهم ربما قد تجمد في ذات المكان , وأضاع قدرات الخطو إلى أمام , وأعلن الوقوف إلى الأبد في حمام الآلام.
الوطن متاهة مركبة , بمعنى أن هناك قوى فاعلة وقوية ومؤثرة , وخبيرة في إضافة المتاهات وتعقيد التفاعلات , وسد المنافذ وزيادة حالات الإختناق , وتوفير عوامل إفساد الهواء والنفوس وتجريم السلوك.

فيبدو أن هناك شعب منغمس في متاهة , وقوى تجتهد وتتنافس على إضافة متاهات معقدة , فتتشابك مع بعضها لتحقيق الإحباط التام لدى الناس , والوصول بهم إلى حالة العجز المتعَلم .

فيقتنع كل شخص بأنه لا يمكنه أن يغير الحال إلى الأحسن , وعليه أن يستسلم له ويذعن , ويُصاب بالكآبة المتعَلمة الشديدة النتائج والآليات الضارة بالحياة , وكأن المجتمع صار مسجونا في وطن المتاهات المركبة والمضاعفة والمضافة إليه كل يوم.

وطنٌ متاهة , وشعب تائه , ويدخل في تيه بعد تيه , ونفق بعد نفق , ولايرى نهاية مشرقة يأملها , لأن الجميع يجد ويجتهد في تنمية المتاهات , وتشعبها وتطويرها وتعقيدها حتى أضحى التيهان عقيدة ودين.
فالساسة تائهون , وكل حزب وفئة تائهة!!
وحتى المذاهب قد دخلت في دهاليز المتاهات , وإذا بالدين متاهة , وما يرتبط بالبلاد صار تيها يتخبط فيه الإنسان.

ولا يوجد نشاط مهما كان صغيرا أو كبيرا إلا وإتسم بصفات وخصائص التيهان , ولهذا رأينا الإرادات الخيرة إنكمشت وتعبت , وأصيبت بالعجز المتَعَلّم , أو تم ترويضها لتكون في هذا المَصار.
نعم إن الوطن متاهة!!
وكل كرسي تحركه قدرات التخبط في المتاهات!!

وعلة عدم الخروج من المتاهة , الإرادات المفتتة , والوطنية المحطمة , والفئوية المتفوقة , والأنانية الساطعة , وعدم رفع راية الوطن فوق جميع الرايات.

بل أن الكراسي صارت أوطانا , والأحزاب والمذاهب , وكل لون أمسى وطنا , يتخبط في تيه الوجود المخنوق بالدخان , فلا يرى فيه شيئا , لكنه يدرك ذاته ويمثل رغباته , ويمضي إلى حيث تقتضي خارطة إفتراسه ودفنه في رمال النسيان.

فهل سنخرج من التيه كما تفعل المخلوقات كافة , بحكم نداء بقائها وإرادة تواصلها , وقوة الحفاظ على نوعها , أم أننا من عشاق التلاحي في المتاهات وقد فار التنور؟!!!