19 ديسمبر، 2024 3:45 ص

ما قضية الهاشمي .. والى اين تنتهي؟

ما قضية الهاشمي .. والى اين تنتهي؟

حتى الامس القريب لم يخطر ببال الملايين من العراقيين ان يكون الهاشمي طرفاً في عمليات ارهابية تنفذ ضد الاجهزة الامنية وشخصيات سياسية والمواطنيين الأمنين. فالرجل يشغل منصباً رفيعا في الدولة العراقية (نائب رئيس الجمهورية) منذ ست سنوات. وحتى معاركه الكلامية مع المالكي ماكان متوقعاً منه ان يجعل تهديد الامن واحداً من اسلحتها. وظن الكثير منا بأن تلك المناكفات بينه وبين المالكي لا تعدو كونها صراعاً على السلطة والمالً.
قليلون من العراقيين كانوا يعرفون منذ وقت مبكر ان الهاشمي قد نظم نشاطاته اليومية على وجبتين، نهارية وتشمل العمل الحكومي الرسمي، وليلية لادارة شبكة ضيقة، بعض افرادها من حمايته، ويقودها مقرب منه، لاغتيال العديد من رجال الامن ولتفجير سيارات مفخخة كان اخرها قبل اسابيع، حيث القت قوات الامن، مصادفة،القبض على من حاول وضعها على طريق الزائرين لكربلاء بهدف تفجيرها وسطهم. وبعد التحقيق مع سائقها تبين انه من الفوج الثاني (حرس جمهوري)، وهذا الفوج مكلف بحماية الهاشمي، ولم تكن من مهامه قتل المواطنين العراقيين على الطرقات.
ولعلها مفاجأة ان تعرض القناة التلفزيونية العراقية اعترافات ثلاثة من القتلة، ولعلها قد صدمت العراقيين حين قال كبير هؤلاء بأنه نفذ اوامر الهاشمي وتلقى اجر (اتعابه) منه شخصياً!
بعد هذه الصدمة الفضيحة هرب الهاشمي بشكل (رسمي) الى كردستان حيث قيل وقتها بأن الرئيس طالباني قد استدعاه الى هناك  لعقد اجتماع لمجلس الرئاسة (الثلاثي) في السليمانية.وكانت تلك محاولة مخطط لها لانقاذ الهاشمي من الاعتقال!
وحسب مامتوفر من معلومات فأن الاجهزة الحكومية لم تعلن امر القبض على الهاشمي الا بعد وصوله الى السليمانية في حين القت الاجهزة الامنية القبض على ثلاثة من حمايته في مطار بغداد. وهذا يعني أن تأجيل اعلان امر القاء القبض على الهاشمي في المطار، كان بعلم المالكي وبأمر منه. ولا يوجد الا تفسير واحد لهذه الحالة وهو ان المالكي اراد ان يفلت الهاشمي ليتخلص منه سياسياً ويتجنب تبعات اعتقاله في بغداد.
اما ما حصل بعد وصول الهاشمي الى السليمانية ومن ثم انتقاله دخيلاً على البارزاني في اربيل، فقد رتب لهذا الامر بعيداً عن الاضواء . ولا يستبعد ان يكون المالكي على علم بذلك!
اما لماذا ترك المالكي خصمة اللدود يهرب من بغداد، فأن بعض المحلليين السياسيين يرى في ذلك غاية من الذكاء ، فأعتقال الهاشمي سيسبب ازمة سياسية وتدخلات اقليمية وامريكية، وضغوطات لا حصر لها على المالكي لاطلاقه او على الاقل اجراء محاكمة للهاشمي قد تحرج القضاء العراقي والمالكي بالتالي.ولهذا فأن رئيس الحكومة بتركه الهاشمي يغادر بغداد الى السليمانية، يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة تخلص من الهاشمي الذي لايستطيع ان يعود الى بغداد ويمارس مهامه الرسمية. ومن جهة اخرى قد وضع الزعيمين الكرديين (طالباني وبرزاني) في موقف شديد الحرج ، اذ تركهما وكأنهما يؤون ارهابياً، مما يقلل من ضغوطهما عليه بأعتبارهما غير ملتزمين بالقوانين الاتحادية العراقية. وقد اغضب موقف الزعيميين الكرديين هذا مكوناً عراقياً بكامله. وقد يترتب على ذلك، في حال استمرار استضافة الهاشمي من قبل الاكراد، يترتب عليه ان يتخلى المالكي عن كافة التزاماته وتعهداته التي قطعها للاكراد قبل تشكيل حكومته الثانية مما يزيح عبئاً ثقيلاً عنه، خصوصاً وان قطاعات عراقية واسعة تتهمه بأنه قد الزم نفسه ببنود اتفاقية اربيل التي اعطت (حقوقا)  غير دستورية للاكراد.
بعد هذا يأتي سؤال: اين العراقية من صراعات المالكي مع بعض قياديها؟ والجواب هو : ان العراقية –القائمة- قد تلقت الضربة تلو الضربة خلال الايام القليلة الماضية وقد عجزت عن توحيد صفوفها بعد ان وضعت في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه. فهي تخشى الانفراط في حال وقفت الى جانب الهاشمي والمطلك الذي عزله المالكي مؤخراً بتهمة الفساد ورداً على تطاوله على شخصه. فهناك بوادر انشقاق جديد يشجعه المالكي من وراء الكواليس في محاولة منه لتفجير العراقية من الداخل. ثم ان ما تبقى من قادة العراقية قد ظهر عليهم انهم اسلاميون اكثر مما هم علمانيون، بمعنى ان العديد منهم يفضل الوقوف مع الهاشمي لدواع طائفية. وفي حال حدث ذلك فسيخرج منها حوالي 28 عضواً هم من الشيعة، وبالتالي ستتحول العراقية العلمانية ذات المشروع الوطني، كما يروح لها المؤسسون، الى كتلة طائفية. وهذا يثلج قلب المالكي اكثر من اي شخص اخر، حيث يستريح من مناقرة (علاوي) بعد ان يكون الفرز الطائفي قد اخرجه من ساحة العراقية. واذا كان هناك من يدعوا الى مناصرة الهاشمي والمطلك، فأن اخرين يرون ان الاعتدال والسيطرة على العواطف يمكن بهما تجاوز محنة العراقية، مفضلين الحوار مع المعتدلين في التحالف الوطني، وخصوصاً منهم التيار الصدري لايقاف النزاعات عند نقطة معينة من دون دفعها لتنهي الى صدام لا تعرف عواقبه بين العراقية ودولة القانون التي يتزعمها المالكي.
يقال ان ما اضعف العراقية هوالدعم الامريكي للمالكي ، وهذه قناعة تكاد تكون تامة لمعظم كوادر العراقية. ولهذا استدعت الجنرال بتريوس، قائد القوات الامريكية السابق في العراق، ومهندس الحكومة الائتلافية الاولى التي رأسها المالكي عام 2006. ولعل المفاجأة كانت مذهلة لكل من حضر لقاء بتريوس الاخير بقيادات العراقية، حيث قال ان لديه معلومات منذ سنوات عن (نشاطات) بأتجاه القيام بأعمال تفجيرات واغتيالات كان يرعاها الهاشمي، ولكنه سكت عليها وقتذاك لان الظروف لم تكن مناسبة لاثارتها! بهذه الكلمات القليلة برر بتريوس دعم حكومته الحقيقي لحكومة المالكي، مع ان ما يعلن في وسائل الاعلام لا يتعدى القول بأن واشنطن تريد حواراً بناءً بين الاطراف السياسية العراقية لتجاوز الازمة الراهنة. وهنا وجدت العراقية ان امريكا غير مستعدة لخسارة حليف كالمالكي وقد اسقط ذلك اي امل في دعم امريكي او اقليمي (عربي) بأعتبار ان مشايخ الخليج لا يخرجون على رأي (ولي الامر) الامريكي!
وتأسيساً على كل ما ذكرناه يأتي سؤال اخير: وماذا بعد؟ والجواب هو ان المالكي لا يريد القاء القبض على الهاشمي وتقديمه امام القضاء، فأفضل حال بالنسبة للمالكي هو ان يظل هارباً (مأثوماًً) بجرائم ارهابية. اما المطلك، وحسب ما سمعت فأن المالكي قال بالحرف الواحد: سأكسر رجله ان حضر اجتماعات مجلس الوزراء. ومنحه اجازة طويلة الامد تنتهي بموافقة البرلمان على اقالته. اما العراقية، فهي الان اضعف من اي وقت مضى، وقد بدأ التشكيل بقيادة علاوي لها حتى ان احد اقرب المقربين الى الهاشمي وصف علاوي قبل ايام بأنه فاشل ويصلح لكل مهنة الا السياسة! وليس التحالف الكردستاني بمنأى من اضرار لجوء الهاشمي اليه، فهناك ضغوطاً امريكية على الزعماء الكرد بعدم تسليمة، اما عنجهيات البارزاني فليست سوى ترهات يراد بها تهدئة المجتمع الكردي الذي لا يفضل نزاعاً مع الحكومة الاتحادية.
هذا هو الوضع السياسي العراقي، كل شيء راكد وان كانت النيران ما تزال تشتد تحت الرماد. ولن يمر وقت طويل الا وتهدأ الامور، هكذا اعتقد، فسيتم أستبعاد، الهاشمي والمطلك، وسيحاول الامريكيون اقناع المالكي بقبول بعض التنازلات الشكلية لصالح ما تبقى من العراقية لتعود الامور الى ما كانت عليه! بأنتظار ازمة جديدة تشغل المواطن عن سوء ادارة حكومته، وتلهيه عن المطالبة بحقوقه! فالى ازمة اخرى بعد ستة شهور او اكثر بقليل!!
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات