19 ديسمبر، 2024 2:11 ص

ماذا قال محمد الصدر عن الزلزلة؟

ماذا قال محمد الصدر عن الزلزلة؟

بمناسبة حصول الزلزلة في جميع اراضي العراق أحببت أن أنقل للقاريء الكريم ما جاء في كتاب ماوراء الفقه للسيد الشهيد محمد الصدر في الجزء الاول القسم الثاني توخيا للفائدة ومساهمة في نشر الثقافة العلمية والله من وراء القصد قال الشهيد محمد الصدر:

(( بقي علينا الحديث عن الزلزلة، التي هي سبب ايضا لصلاة الايات، كما ذكرناها في عنوان الفصل. ويتم الحديث عنها في عدة جهات:
الجهة الاولى: في السبب ( العلمي) الطبيعي للزلزلة.
ويوعز سبب الزلزلة الى الحرارة الباطنية في جوف الارض. فانها هي التي تسبب البراكين من ناحية والزلازل من ناحية. ولها نتائج اخرى منها تبخيرها لمياه البحار، فان مياهها تغور في الارض الى ان تصل الى الارض الحارة والصخور المشتعلة. فتنعكس مرة اخرى عائدة الى الأعلى
نتيجة لهذه الحرارة.
والمهم الان هو الحديث عن الزلازل دون سواها. وهي على عدة مستويات في حركاتها، حتى انها قسمت في مقياس (رختر) الى تسع اقسام وقسم كل منها عشر اقسام، فهذه تسعون قسماً للزلزلة وقد يكون القسم الضعيف جدا منها لا يكاد يكون محسوساً.
واخطر ما في الزلزلة هو حصولها في المدن، حيث تنهدم البيوت عليهم ويفيض النهر اذا كان مجاوراً. فيؤدي الى الموت والخراب. واما اذا حصلت الزلزلة في صحراء او وسط المحيط مثلا، فقد لا يحس بها احد، ولا يذهب فيها أي تلف.
والعلم الى حد الان عاجز عن التنبوء بوقوع الزلزلة، مما يؤدي الى فجأة المدن بها، وعدم امكان تلافي شرها ومضاعفاتها قبل وقوعها.
ومن الواضح على وجه الارض ان بعض المناطق منه اكثر تعرضا للزلزلة من غيره. الى حد اصبح اليابانيون وهم من اكثر المناطق تعرضا لها فيما نعرف، يبنون بيوتهم من الورق والخشب الخفيف ونحو ذلك. لانهم يعلمون بوقوع الزلزلة يومياً وبتكررها ايضا، فان حدث ان انهدم البيت او تصدع، فانه لا يتلف تماما، كما انه لا يكون سببا لقتل الحيوان والانسان.
هذا. ولكن (العلم) لم يحدد لماذا تحصل الزلزلة في مكان دون مكان وفي زمان دون زمان. مع العلم ان الحرارة الباطنية مشتركة الحصول على وجه الكرة الارضية كله.
وقد يجاب: بان القشرة الخارجية الباردة لوجه الارض. تكون في بعض المناطق اخف سمكا او اقل تماسكا من بعض. الامر الذي يؤدي الى كثرة الزلازل هناك.
وهذا يجاب بامرين:
الاول: ان ضعف القشرة الارضية امر ثابت للمنطقة باستمرار وهذا يعني حصول زلزلة مستمرة مدى الدهر ! ! فلماذا تحصل الزلزلة وتتوقف. ولعل اطول زلزلة في التاريخ المعروف لم تستمر اكثر من بعض دقائق كاثنين او ثلاثة.
الثاني: ان حصول الزلزلة ليس فقط لضعف القشرة بل لضعفها تجاه الحرارة التي تحتها، فحفظ النسبة بين الامرين ضروري، فكلما كانت نسبة القشرة الى الحرارة اقل مما ينبغي، حصلت الزلزلة.
وهذا يعني عادة حصول الزلزلة في كل مناطق العالم بحيث لا يوجد في المدى المنظور من التاريخ منطقة لم تضربها الزلزلة على الاطلاق، لكن هذا بعيد بل موثوق العدم بالنسبة الى العديد من مناطق العالم وبلدانه.
هذا ونعود الى بعض التساؤلات عن فكرة التسبيب الى الزلزلة اصلا.
اولاً: ما الذي يحدث للحرارة ان تهيج ثم تخمد. فتحدث من هياجها البراكين والزلازل، ومن خمودها خمودها؟
وتوقف البراكين بعد النفث واضح لان الحرارة الباطنة تخف نوعا ما فيتوقف البركان، بخلاف الزلزلة فانها لا تسبب هدوء الحراة او قلتها فلماذا تهدأ؟
وعلى أي حال لم يدل العلم بدلوه بهذا الصدد. ولعله جاهل بل عاجز عن المعرفة.
ثانياً: ما الذي يحدو بالحرارة ان تتحرك او تتوهج قليلا فتحصل زلزلة ضعيفة، او كثيرا فتحصل زلزلة قوية؟
ثالثاً: ان مقتضى التصور الواضح ذهنيا ان تتصاعد الحرارة تدريجيا وان تخمد تدريجيا. واثر ذلك واضح في الزلزلة. فينبغي ان تبدأ ضعيفة ثم تشتد ثم تضعف الى ان تزول. مع ان هذا لم يسجل تاريخياً.
رابعاً: ان حركة القشرة الارضية في الزلزلة هل هو عمودي او افقي؟
سيجيب (العلم) بانه عمودي أي ان الارض ترتفع ثم تنخفض مرة او
مرات نتيجة لارتجافها من الضغط الحراري الباطني.
الا ان هذا خلاف الوجدان، فان الناس لا يحسون بالارتفاع والانخفاض اطلاقا، بل يحسون بالحركة الافقية او العرضية وجدانا. وهو السبب في تسميتها بالزلزلة، لانهم يجدونها تتزلزل يعني تذهب يمينا وشمالا نسبيا.
واذا تم ذلك، يتوجه هنا سؤالان رئيسيان:
اولاً: ما الذي يكون سببا لهذه الحركة؟ ليس هو الحرارة لان الحرارة تدفع الى الاعلى وليس الى احد الجانبين.
ثانياً: انه ليس حول الارض المتزلزلة فراغ تتحرك فيه ، فكيف تتحرك مع انضغاطها بالارض المجاورة من جميع الجهات.
وعلى أي حال، فالعلم الطبيعي الحديث لم يجب على مثل هذه الاسئلة، وليس من المتوقع ان يجيب في المدى المنظور من تاريخ المستقبل. فانها جميعا او غالبا خارجة عن اختصاصه ويجدها محالا من وجهة نظره.
الجهة الثانية: فيما ورد في سبب الزلزلة من الروايات وهي عديدة نذكر بعضها:
رواية الصدوق() باسناده عن سليمان الديلمي قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الزلزلة ما هي: قال: آية قلت: وما سببها، قال: ان الله تبارك وتعالى وكّل بعروق الارض ملكا. فاذا اراد ان يزلزل ارضا اوحى الى ذلك الملك ان حرك عروق كذا وكذا، قال: فيحرك ذلك الملك عروق تلك الارض التي امر الله فتتحرك باهلها.
قال: قلت: فاذا كان ذلك فما اصنع؟ قال: صل صلاة الكسوف فاذا فرغت
خررت ساجدا وتقول في سجودك (يا من يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا امسك عنا السوء انك على كل شيء قدير).
وباسناده عن علي بن مهزيار() قال: كتبت الى ابي جعفر عليه السلام وشكوت اليه كثرة الزلازل في الاهواز، ترى لنا التحول عنها. فكتب لا تتحولوا عنها وصوموا الاربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله فانه يرفع عنكم.
قال: ففعلنا فسكنت الزلازل وقال: ومن كان منكم مذنب فليتب الى الله سبحانه وتعالى.
وباسناده عن هارون بن خارجة() عن فاطمة عليها السلام قالت: اصاب الناس زلزلة علىعهد ابي بكر ففزع الناس الى ابي بكر وعمر فوجدهما قد خرجا الى علي عليه السلام، فتبعهما الناس الى ان انتهوا الى باب علي عليه السلام فخرج اليهم علي (ع) غير مكترث لما هم فيه. فمضى وتبعه الناس، حتى انتهوا الى قلعة، فقعد عليها وقعدوا حواليه، وهم ينظرون الى حيطان المدينة ترتجّ جائية وذاهبة. فقال لهم علي عليه السلام: كأنكم قد هالكم ما ترون. قالوا: وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط.
قالت –يعني فاطمة عليها السلام – فحرك شفتيه، ثم ضرب الارض بيده. ثم قال: مالك، اسكني، فسكنت – فعجبوا من ذلك اكثر من تعجبهم اولا حيث خرج اليهم.
قال لهم: فانكم قد عجبتم من صنيعي. قالوا: نعم. قال: انا الرجل
الذي قال الله: ( اذا زلزلت الارض زلزالها واخرجت الارض اثقالها وقال الانسان مالها ). فانا الانسان الذي يقول له مالك. ( يومئذ تحدث اخبارها ) اياي تحدث.
ويجد القارئ الكريم ان هذه الروايات دالة على عدة امور:
الامر الاول: ان حصول الزلزلة يكون بأمر الله عز وجل، وتسبيب الملك الموكل بالارض وعروقها. فاذا امره جل جلاله زلزل الارض بالمقدار الذي حصل به الامر.
وفكرة عروق الارض ماخوذة من فكرة: ان الارض لو كانت ترابا او رملا محضاً لما تماسكت واستوت. وانما تتماسك بالصخور الضخمة التي تتخلل ظاهرها وباطنها. ومن هنا جاء قوله تعالى: ( جعلنا الجبال رواسي ) وكذلك قوله: ( والجبال اوتادا ) فالجبال هي الحافظة لانهيار الارض، من الخارج، وما يوازيها من الصخور الباطنة هي الحافظة من الداخل، وهي عروق الارض، ويمكن ان يكون لها تفاسير اخرى لا مجال لها الان.
الامر الثاني: اننا عرفنا ان لكل شيء غاية وهدفا، بما فيها الخسوف والكسوف، وكذلك الزلزلة.
واذا كان الخسوف والكسوف ( لا يعلم ألرحمة ظهرت ام لعذاب ) كما ورد مما سمعناه. فان الزلزلة امر لا يأتي بخير من الناحية الظاهرية او الدنيوية، بل يحصل من اغلبها مضاعفات وخسائر. فان لم يحصل منها ذلك او قلّت مضاعفاتها كان ذلك من الرحمة. فالمهم انها حادث يدل على درجة من الغضب الالهي او حاجة العباد الى التنبه والاستغفار والدعاء لذا يدعو ويقول كما ورد: امسك عنا السوء انك على كل شيء قدير.
الامر الثالث: في محاولة بعض افادات الاية الكريمة: ( ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه حليما غفورا ).
وفيها عدة ظهورات واضحة:
ان امساك الارض والسماوات عن التزلزل انما هو بامر الله وقدرته.
انها لو تزلزلت لم يقدر أي مخلوق على اعادتها الى حالها الاول من الاطمئنان الا بامر الله عز وجل.
ان قوله (نزولا) لا يراد به الزوال والانعدام بدليل قوله تعالى ( ولئن زالتا ان امسكهما) والمعدوم لا يمكن امساكه. فيتعين ان يكون المراد الحركة غير المطمئنة المنافية لطبعه.
انه كما ان للارض تزلزل وحركة غير مطلوبة ولا مرغوبة كذلك للسماوات ذلك ايضا.
واما ما هي السماء، وكيف تزلزل؟ فتفصيل ذلك ليس هذا محله. وادنى مراتب فهمه هو حصول الزلزلة في الاجرام السماوية من النجوم والكواكب. وهذا من الايات التي لم يكن احد قد التفت اليه او فكر فيه على الاطلاق في ذلك الحين، بل والى العصر الحاضر.
قوله: انه كان حليما غفورا. الدالة على ان الزلزلة تأتي للغضب. ولو استمر الغضب. كما هو مورد استحقاق البشر، لاستمرت الزلزلة حتى اكلت الاخضر واليابس واتت على الزرع والضرع. ولكن الله ( كان حليما غفورا) فبحلمه وغفرانه تزول الزلزلة.
واستحقاق البشر للغضب لولا الحلم والغفران. امر اكيد كما نطقت به الاية الكريمة: ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة. ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى ).
الامر الرابع: ان الزلزلة المشار اليها في الرواية. بقيت طويلا، نصف ساعة او اكثر. وهذا من نوادر الزلازل في التاريخ. ومن الظاهر انها استمرت بمعجزة، ولم يحصل منها التلف المتوقع بمعجزة، وسكنت ايضا بمعجزة، كل ذلك لاثبات احدى فضائل سيد المتقين وامير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
الامر الخامس: ان امير المؤمنين عليه السلام في الرواية، طبق قوله تعالى: وقال الانسان مالها على نفسه. لانه هو الانسان الحقيقي البالغ الى ذروة الانسانية واوج وجودها. واذا بلغ الفرد مثل هذا المستوى الرفيع، بحيث اصبح انسانا كاملا، كان قادرا على ايقاف الزلزلة بقدرة الله وامره، كما فعل هو صلوات الله عليه.
الامر السادس: ان كلام امير المؤمنين عليه السلام في الرواية يدل على ان للارض درجة من درجات العلم والارادة كما قال الفلاسفة بذلك ايضا للارض ولغيرها من الاجرام السماوية. بل ان الاية الكريمة قوله تعالى: يومئذ تحدث اخبارها، دالة على ذلك ايضا.
فالارض حين يقول لها: مالك، تسمع. وحين تحدث اخبارها: تتكلم، وامير المؤمنين عليه السلام يسمع: (اياي تحدث).
الجهة الثالثة: في بعض تفاصيل الزلزلة فقهيا:
اولاً: لا شك في ان غالب الزلازل لا تنافي مع الصلاة ولا تبطلها، لانها وان اوجبت الحركة للمصلي الا ان هذا المقدار من الحركة غير مبطل لقلّته.
بل قد يقال: ان مطلق حركة الزلزلة غير مبطل ولذا امر في الاخبار
بالصلاة خلال حصول الزلزلة. وهي باطلاقها شاملة لكل اشكال الزلازل حتى القوي منها.
ثانياً: ان اغلب الزلازل لا يدوم من بضع ثوان او بضع دقائق الامر الذي يوجب ضيق الوقت عن الصلاة.
ولذا لزم القول فقهيا بانه لا يجب ايجاد الصلاة كلها خلال حصول الزلزلة. والا لزم التكليف بما يعجز عنه الفرد.
ثالثاً: انه لا دليل على وجوب البدء بالصلاة خلال حركة الارض بالزلزلة. بل للمكلف تأجيلها الى نهايتها وبعد انقضائها. نعم، لا يبعد استحباب المبادرة مع الامكان.
والرواية الاخيرة التي سبقت دالة ايضا على عدم الوجوب، لان المسلمين بما فيهم امير المؤمنين عليه السلام لم يبادروا الى الصلاة الا بعد سكون الزلزلة.
رابعاً: لا يبعد صحة القول فقهيا انه متى جاء الفرد بهذه الصلاة كانت اداء، ويجب نيه الاداء فيها. الا ان الاحوط وجوبا، هو المبادرة اليها في اول ازمنة الامكان، فوراً ففوراً، كما يعبرون.
خامساً: مع وجود المانع عن الصلاة الحاصل من الزلزلة نفسها، كالجرح او العوق او نحو ذلك، فالظاهر ان مطلوبيتها وجوبا او استحبابا بمعنى المبادرة اليها تنتفي حتى يأتي زمن الامكان.
الا ان زمن الامكان في مثل ذلك له احد معنيين:
احدهما: انه يمكن للفرد ان يصلي صلاة عذرية مع توقع زوال العذر ولو بعد ردح من الزمن.
ثانيهما: انه يمكن للفرد ان يصلي صلاة للشرائط والاجزاء، بعد زوال اثر
فهل يجب المبادرة الى الصلاة ولو كانت عذرية او يجوز التأجيل او يجب الى حين حصول زوال اثر الحادث تماما؟ والظاهر وجوبها ولو على وجه الاحتياط. ولو صلاها بالصلاة العذرية. فان كان قد بدأها حين وجود الزلزلة لم تجب الاعادة، وان بدأها بعدها فالاحوط الاعادة بعد زوال العذر تماماً.)) أنتهى

أحدث المقالات

أحدث المقالات