23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

ماذا تبقى من الدولة العراقية؟

ماذا تبقى من الدولة العراقية؟

يصر المسؤولون العراقيون على أن هناك دولة وذات سيادة متناسين أو متغافلين عن أن هذه الدولة لم يبقى منها إلا الاسم من دون معنى!فالدولة العراقية انقرضت منذ سنوات, وتحديداً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وأمريكا هي من دمر كيان هذه الدولة عن عمد واصرار مسبق.فالمعروف ان الدولة لن تقوم من دون جيش يحمي حدودها، وشرطة تفرض القانون، وقضاء يقيم العدل وحكومة مخولة وتملك صلاحيات لادارة البلد.. وقد عملت أمريكا على تدمير الجيش وسرحت الشرطة وعطلت القضاء، وقيدت الحكومة. ولكنها وعدت بإقامة كل تلك المؤسسات التي دمرتها, ولكنها إنسحبت من العراق من دون أن تفي بوعدها، وتركت العراقيين حكاماً ومحكومين في حالة فوضى عارمة، ولا أظن أنها ستستقر على حال في زمن منظور.
وحتى وبعد رحيلها الشكلي من العراق فأن أمريكا تركت من الالغام ما يدمر أي اساس يقيمه العراقيون لدولتهم الجديدة. ومن بين هذه الالغام وجود البارزاني رئيساً لأقليم كردستان, وهو في مجمل الأحوال قنبلة من ذوات الدمار الشامل. تستطيع أمريكا، إن أرادت، أن تعطل جميع السلطات العراقية وشل حركتها من خلال التناقضات التي أوجدتها وعززتها داخل جسد الدولة المهدود,وبشخص البارزاني تحديدا. فالحكومة مقيدة بتوازنات تجعلها عاجزة عن اتخاذ القرار الصائب. والبرلمان، وهو نتاج قانون انتخابي وضعه الامريكيون يجعل من النواب ظاهرة صوتية لافعل لها ولا دور في بناء الدولة او تعزيز سلطاتها . وقضاء بني على اساس المحاصصة، يبدو مستقلاً، غير أنه في حقيقة الأمر تابعاً للسلطة التنفيذية التي هي أيضاً اقيمت على اساس المحاصصة! والحال هنا وكأن مشلولاً يقود مقعدا!
ولو ألقينا نظرة فاحصة على ماجرى تسميته بالدولة العراقية, فاننا سنجد إن حدودها مفتوحة على جهاتها الأربع، ولو تمعنا بأمنها فأنه هش بل هو أسوأ من ذلك! ولو نظرنا إلى سلطتها التنفيذية فأن الحكومة عاجزة على اداء مهامها في ترصين سيادة العراق على ارضه، وأقرب مثل على ذلك هو أنها حاولت فرض سلطتها على الحدود إذ أرسلت قطعات عسكرية الى محافظة نينوى لضبط دخول الأجانب من منفذ ربيعة الحدودي إلا أن حكومة البارزاني طردت الجيش ولم تسمح له من الوصول الى المنفذ المذكور.. فهل هذا مايمكن تسميته بالدولة العراقية ؟
وليس من المبالغة في القول إن أمريكا قد صممت خارطة وشكل هذه الدولة حتى قبل احتلالها للعراق. ووزعت قنابلها المفخخة بين الطوائف ممثلة بالسياسيين الذين دعمتهم واشنطن مقابل ابقاء نفوذها في حال انسحابها من العراق برغبتها بالطبع! قد يقول قائل، إن الدولة كانت محطمة في العهد السابق أيضاً. وفي هذا جانب من الحقيقة، ولكن ماتبقى من تلك الدولة من مؤسسات قد اجهزت عليه واشنطن بعد (التحرير)! وهذه حقيقة لاينكرها أحد.
المشكلة ، أو المحنة، هي أن هذا الحال سيستمر طويلاً، وقد يتبدل الحكام فيذهب الحاليون ويأتي غيرهم ولكن استمرارية شلل هذه الدولة أمر غير قابل للشك. فالعراق(الدولة), ومع ما تؤدي اليه استمرارية الشلل هذه, فأن الوطن العراقي مهدد بالتشظي، وهذا مايعمل السيد البارزاني على تحقيقه بنفس طويل!