بعد سقوط نظام البعث الفاشي في عام 2003، عادت المعارضة العراقية الى العراق، لتتسلم الحكم الذي لم يجربوه منذ تأسيس الدولة العراقية، فكانت امامهم الفرصة الذهبية لإثبات قدرتهم على ادارة الدولة.
امريكا من جانبها فتحت الطريق على مصراعية، امام جميع الاحزاب المعارضة لأدارة الحكم، لكنها بالمقابل، عمدت الى حل الجيش العراقي، لكي تفتح الحدود على مصراعيها امام الداخلين والخارجين، فأرادت ان تضع دستور للدولة على مقاساتهم، لكنهم اصطدموا بالمرجعية الدينية، التي وقفت حيال هذا الامر بالضد، واصرت على ان يكتب الدستور بأيدي عراقية خالصة، عندها ادركت جيداً قوة المرجعية الدينية وتأثيرها في المجتمع، فأصرت على معاقبة الشيعة، عن طريق غض البصر عن كل الأخطاء الإدارية, والقرارات المصيرية, والسرقات المالية وتهريب الآثار, بالإضافة الى التجاهل المتعمد عن فساد بعض السياسيين، فهي تتحمل المسؤولية الكبرى، لأنها الدولة المحتلة وهي المعنية بهذا الامر، فلا يحق لها ان تترك الحبل على الغارب.
كما إنها سمحت للعصابات الإرهابية ان تفعل ما تشاء داخل العراق، من قتل وتهجير وتفجير وغيرها من الانتهاكات الإنسانية، بحق الشعب بالعموم والشيعة بالخصوص، فكانت تلقي القبض عليهم في النهار وتطلق سراحهم في الليل، فكانت تدربهم وتدعمهم، وهناك تقارير كثيرة وشهادات عيان بهذا الخصوص، وخير دليل إتهامات ترامب الموجهه الى إدارة اوباما في دعم داعش، وكيف اوجدوهم ودربوهم ودفعوا بهم الى العراق.
لأنها تعلم جيداً ماهيت الشيعة، فلم تكن بعيدة عن فترة الاحتلال البرطاني، وطريقة تعامل الإحتلال البرطاني مع الشيعة والكيفية التي تم إقصائهم بها.
حيث يقول الميجر ديكسون وهو بمثابة الحاكم العام للفرات الأوسط: “إن النية يجب ان تتجه لتعيين الرجال ذوي الآراء المعتدلة دون غيرهم في المناصب السياسية، وضرب واضطهاد عناصر الثورة في حالة وجودها”. كما وأوضحت المس بل وبانفعال شديد موقفها من الشيعة بالذات قائلة: “أما أنا شخصياً فأبتهج وأفرح أن أرى الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج. فإنهم من أصعب الناس مراساً وعناداً في البلاد”
ومن هنا نعرف أن الثورة أثارت مشاعر العداء والضغينة عند الإنكليز ضد الشيعة ولم يحاولون إخفاءها. كما نلاحظ استخدام المس بيل لكلمة (الأغراب) في وصف الشيعة إذ منذ ذلك الوقت بدأت حملة اعتبار الشيعة أجانب في العراق لتبرير حرمانهم من حق المشاركة في الدولة.
ولم يكتف الإنكليز بزرع لغم الطائفية في الدولة الحديثة عند تأسيسهم لها، بل عملوا على تكريس تهمة الطائفية ضد كل من يشكو منها، إذ يقول الدكتور سعيد السامرائي في عقدة الاتهام بالطائفية في كتابه القيم (الطائفية في العراق) ما نصه: “من ضمن الخطة التي وضعها الإنكليز لتدمير نفسية الشيعة العراقيين عندما أسسوا الدولة العراقية مجبرين، نتيجة للثورة العراقية التي فجرها وقادها وتحمل معظم تضحياتها الشيعة عام 1920، هي محاصرتهم بتهمة الطائفية، وذلك كي يردوا بمحاولة نفيها.
ومحاولة النفي هذه ستكون:
أولاً: بتقديم آيات الولاء للدولة المضادة للأغلبية الشيعية بمختلف الوسائل التي في أبرزها التحيّز ضد الشيعي في التعيينات والترقيات والترشيحات والإيفادات والبعثات وصولاً إلى مشاركة الدولة وطاعتها بما تقوم به من اضطهاد طائفي ضد الشيعة أنفسهم، كما ونجد ذلك واضحاً وجليّاً وبطريقة عملية عند تشكيل أوَّل حكومة عراقيّة على أثر إنتصار الثورة، فقد تشكلت أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب وضمت تسعة وزراء؛ سبعة منهم من السنة، وواحد من الشيعة، وآخر من الأقلِّيّات وهو يهودي يدعى (ساسون حسقيل)، وقد أعطي وزارة الماليّة، وبهذا تفوَّق على الوزير الشيعي.
الكل يعلم بأن امريكا لها اليد الطولى في الربيع العربي المكذوب، وكيف سمحت للأحزاب المعارضة في الدول التي حل بها الربيع، ان تمسك زمام الحكم، ثم عمدت الى استخدام كافة الأساليب لإفشالها، كما حدث في العراق، فتارة عن طريق الإرهاب, وتارة عن طريق دعم الفساد, وغض الطرف عن تهريب الأموال, وتارة اخرى خلق معارضين لهم لإسقاط حكوماتهم الفتية، لكي تعود مرةً اخرى لتقول كلمتها, وتقوم بتعيين حكومات جديدة على مقاسها, حكومات لا تخرج عن إراداتها, حكومات وطنية في الظاهر وعملاء في الباطن، وإلا فستبقى تلك الحكومات الفتية ضعيفة، لا تستطيع ادارة الدولة, ولا يمكنها السيطرة على الفساد, ولا تتمكن من حماية حقوق شعوبها, وهذا هو واقع الحال في العراق والدول العربية.
فتحول الربيع الى خريف جرد كل الأشجار من اوراقها، ليطغى لون الاوراق اليابسة على الأوراق الخضراء، فيصبح الكل سواء ولا يمكن التمييز بين من جردته الظروف من قوته وحقيقته، وبين اليابس الذي لا حياة فيه، لأن الكل اصبح متشابهاً، فعلى الشيعة ان يدركوا هذا جيداً، ويعيدوا حساباتهم بدقه عالية، وأن يتماسكوا ويتصرفوا كحكام لا كمعارضين، ويراعوا وضع وهواجس المكونات الأخرى، لتبقى معادل الحكم كما هي وإلا فالخطر يتهددهم جميعاً، ولا يستثني احداً من الخطر الخارجي والداخلي المحدق بالعراق.