قال لي صاحبي قديماً: هل تعلم لماذا كتابة أبناء الغرب موجزة؟ لأنهم يفتقرون إلى مزايا اللغة العربية الوافرة في مفرداتها، لذا هم يلجأون إلى الجداول والأرقام للتعويض والاكتفاء بقليل الحروف والعبارات! وقد يكون ذلك صحيح من جهة، لكنه من جهة أخرى يعبر عن منظومة فكرية ومرجعية لا تصدر إلا ممن أمتلك القدرة على الفعل فلم يكن بحاجة إلى الإكثار من السجع والإطناب.. مثلما نفعل نحن من قليلي الحيلة!
وفي عالم الانفتاح الإعلامي، وطغيان تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، تكثر الأقوال والمقالات والتصريحات، من التي لها أصل والتي ليس لها، فنحن وسط دوامة الفوضى التي لا أول لها ولا آخر!
ولكن ذلك لا ينبغي أن يكون مدعاة لاختلال التوازن في التعامل مع البضاعة الإعلامية المعروضة، بدءاً من وجوب التدقيق والتثبت، وصولاً إلى وضع كل تصريح في موقعه الصحيح، لأني رأيت البعض من الجمهور المتلقي ولكثرة ما يجد أمامه يضطرب في تقييم ما يقرأ، فيضع قليل الأهمية موضع الرؤى الاستراتيجية والقاعدة التي لا تقبل النقاش، ويهمل بشكل متعمد ام بدونه كلمات قليلات تصوغ خارطة منطقة باكملها!
وهنا أقول ان تصريحات القوى الكبرى يجب ان توضع في موقعها المناسب، فليس ما يقوله هؤلاء مثل غيرهم ممن غدوا تبعاً وكانوا كالببغاء في ترديد ما يقال بل والاكتفاء بالخطابات الانشائية التي لا قيمة لها… أما لماذا؟
لأنهم ليسوا بحاجة إلى التمويه والاختباء خلف الرموز، فقوتهم التي يشعرون بها تمنحهم القابلية على الظهور بوجوهم وعقولهم وأفكارهم دون مواربة، ولأنهم يوجهون رسالتهم بصراحة، ولا يقبلون أنصاف الحلول، حروفهم جامدة وعاطفتهم قليلة، ولكن كلماتهم مركزة، وعباراتهم تهتم بالمشاريع العملية والخطط التطبيقية ورسم صورة المستقبل ولو لقرن كامل قادم.
هذا ليس إعلان هزيمة ذاتية، بل هو تقرير واقع، أما ما هو المطلوب لنا للتعامل، فهو لا يتجاوز الهدف الأعظم، بناء القوة الذاتية والوصول إلى عتبة التأثير ثم النفاذ إلى الفاعلية المطلوبة… حينها ستكون تصريحاتنا محل اهتمام لا هواء في شبك.
فائدة: لا تصدقوا كل ما ينشر، ودققوا في كل قول منسوب لهذا العالم والكاتب أو ذاك.