وقع في يدي كتاب من القطع المتوسط بعنوان :التاريخ الصحي للرسول(ص) . والكتاب رغم صغره وبحدود 125 صفحة ،لكنه يحتوي على معلومات نادرة لم يطلع عليها سابقا الا القليل،وهو من تآليف البروفسور الاستاذ الدكتور المرحوم حسين مؤنس رئيس مركز الدراسات العليا بكلية آداب جامعة القاهرة.
جاء الكتاب رحمة لي للاطلاع على ما خفي من حياة ووفاة رسول المسلمين.ان اليهود والمسيحيين كتبوا في أنبيائهم الكثير ونقبوا عن كل صغيرة وكبيرة ودونوها في دوائر المعارف العالمية،ولا ادري ما الضير في التنقيب عن حياة محمد(ص) وما الخوف او الوجل منه ؟.
منذ زمن بعيد وانا أفكربقضية وفاة الرسول محمد بن عبدالله(ص) وكيف تمت مبكرة بعد ان عدوه الفقهاء يُعد بقوة 40 رجلاً (كتاب الشفاء للقاضي عياض بن موسى ت544 للهجرة) والبخاري والطبراني ومسلم وغيرهم كثير.. ولماذا لم يتطرق اليها المؤرخون والفقهاء سوى من جوانبها التقليدية،المرض والحسرة على وفاته وموقف عمر بن الخطاب(رض) المتشنج اسفاً عليه ،وبقية من حضر الوفاة ، وكيف تُرك بلا تشييع حتى اليوم الثالث الى ان بدأ يأسن كما قال الطبري في كتابه الرسل والملوك
2
نقلا عن العباس بن عبد المطلب .فان صحت رواية الطبري في دفنه متأخراً،لابد من واجب المؤرخين التحقيق في الرواية من عدمها؟.
يؤكد القرآن الكريم ان الرسول سيموت مثل كل الناس ميتةً طبيعية او يُقتل لأنه بشر مثلهم فله الاجل المحتوم،يقول الحق:”..وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أوقتل أنقلبتم على أعقابكم…وسنجزي الشاكرين آل عمران 142-145. ويوم وافته المنية كان رفيقه ابو بكر الصديق في زيارة لزوجته أم خارجة في السنَح شمال المدينة،ولم يعد الا بعد سماعه نبأ الوفاة المفاجئة له .وأنا كباحث ومتابع ارى في وفاته شيء اخر لم يكشف بعد ومن واجبنا ملاحقته وكشفه الذي سيعطينا تحليلا اخر لمجرى التاريخ الاسلامي برمته أو لربما سيقلب الحقائق التي قرأناها في مناهج الدراسة لنقف على دقائق الأمور..
ومع هذا التأكيد الرباني في وفاته ،فلا زلنا في فتن كبرى،وفي بلاء ومذاهب وضلال مبين.والحقيقة ان تاريخنا الاسلامي لا زال ناقصا في التحري عن الاحداث المهمة والاحداث الكبرى والتعليل لها بمنطقية الحدث والبحث العلمي الرصين،كالردة والفتوح والفتنة الكبرى وغيرها كثير.من يقرأ كتاب أبن حزم في السيرة المعنون ( الفصل في المِلل والاهواء والنِحل )،وهو كتاب في مقارنة الأديان تشعر وكأنك تقرأ لرجل يحارب الاعداء بالسيرة النبوية.
لحد اليوم لم نقرأ موضوعا بحثيا عن كيفية الوفاة، سوى ما نقلته عائشة بنت الصديق زوجته المقربة اليه عن مرض يصيبه بين فترة واخرى ويشفى منه بالدعاء،ولربما سحرُ كان يوضع له دون دراية كما ورد عن
3
الذهبي(ت748 للهجرة ) مستندا الى الآية الكريمة : ولا يفلح الساحر حيث آتى،”سورة طه 69″،ولقول المشركين : ان تتبعون الا رجلا مسحورا،الأسراء 47 )، والله يعصمك من الناس،المائدة 67.
لكن خروجه الى الطائف وما لاقاه من متاعب ومصاعب قد هدت من قوته وجعلته يشكو همومه لله كما قال(ص): ” اللهم أشكوا اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا ارحم الراحمين…(أبن هشام السيرةـ 218 للهجرة)”هنا نحتاج لوقفة تحليلية لقول الرسول في صحته وما عانى من متاعب الدعوة.
لا احد يحس بمعاناة التعب والفشل الا الذي يعانية .هذه هي محنة الرسول من رحلة الطائف ، لكن من يعمل باخلاص لله وشعبه يدرك ويحس من اعماقه انه ناجح بما يفعل ،فهو لا يبالي كما قال في كلامه بعد ان لاقى المصاعب في الطائف” فأن كنت راضٍ عني فلا أبالي”..كل هذا لم يكن فشلا بالنسبه له الا ما عاناه من صفحٍ وصدٍ عنه من شيخ الطائف عبد ياليل..فكل شيء يهون على البشر الا المَذلة.وهكذا عبر الرسول(ص) عنه “لا ينبغي على المؤمن ان يذل نفسه” كلمة قالها في محنة الطائف.
لكن الاصرار على تحقيق رسالة الحق هو الذي دفعه لان يتجه الى المدينة بخط مستقيم متصل ينتهي بتحقيق الرسالة. وبجانب رسالته كان يخاف على اموال المسلمين من السرقة فيكلف ابو ذر الغفاري لحراستها وهو يقاتل ولا ينام ،لان المال مال الله والرسول حارسه للوطن،فأين نحن اليوم ممن خانوا الامانة والوطن وسرقوا اموال المواطنين ويدعون الدين ؟
4
كل حياته وما لاقاه فيها من محنة وكيف تجاوزها كانت دروس في الحياة والسياسة والحرب فأين المسلمين من الاسلام اليوم حين حولوه الى فِرق ومذاهب لا تنتمي للدين والناس معاً. ؟
ونعود لمرضه الذي ذكرته كُتب السير انه ما مرض الا مرة واحدة بعد الخندق لتعب اصابه .لكن علائم المرض الحقيقية هي بعد خيبر في السنة السابعة للهجرة وكان عمره (ص) 57 سنة وكل انتصاراته حققها بالقرآن والقدوة من رجال معه آمنوا بما اتاهم الله من نعمه .لكن العقل المفكر والمدبر، والقلب العامر بالايمان والبصيرة والاخلاص وبها كلها تحقق النصر .
ولا يفشل الانسان الا حينما يخون الامانة وتركبه الخيانة.
النصر تحقق عندما آمن الرسول(ص) بقيم الحياة المقدسة وابعد عن نفسه طمع الدنيا وفسادها فتجسدت فيه قدسية النضال التي اوصلته الى تحقيق النصر. نعم كانت الحوادث جلل، والرجال كبار ،لان العدل الذي في رؤوسهم كان أقوى جيش لرد الظلم والظالمين..ياليتنا نتعلم..؟
كان الرسول بوزنه المعنوي اقوى من كل الأخرين..نعم القيم لا تقاس بالاوزان بل بالمواقف والاخلاص والا لكانت الصخور أغلى من الماس.
نعم كانت العقيدة هي المبادىء ، وهي التطبيق العملي لها،,هكذا كان النجاح؟ نعم مدارسنا اليوم بحاجة الى منهج جديد ، هو منهج الرسالة لا مناهج الدعوويين…الذين خانوا الأمانة ..وفرطوا بالأوطان ؟
هل مات الرسول (ص) مسموماً …؟
5
روايات عديدة نقلها لنا المؤرخون ويقف الواقدي (ت207 للهجرة) صاحب المغازي الثبت في بدايتهم .يقولون ان رسول الله(ص) مات مسموما بسمٍ وضعته له أمرأة يهودية من خيبرفي وليمة غذاء من لحم شاة مسمومة بالزرنيخ قدمته له أنتقاما من فتح ديارهم وتهجيرهم خارج المدينة ،- الفتح والتهجير لهما وضع اخر سنأتي عليه لاحقاً- فكان له أثره في مرضه وموته،لكن الرواية تقول ان الرسول عاش بعد ذلك ثلاث سنين،وفي ظروف سياسية تنذر بشر بعيد.أيهما نصدق ؟ يبدو ان السُم هو كالسُم الذي كان يضعه القادة لأعدائهم فيموتون بعد سنين .
ظروف صعبة كانت تمر بالجماعة الاسلامية في مؤته ، وحملة اسامة ابن زيد مجهزة على التنفيذ وزيادة قوة الرومان على المدينة تهدد الوجود، وظهور الاسود العنسي (عبهله) في اليمن معارضا ومدعيا بالنبوة ضربة اخرى للدعوة في وقت تخلى الاعراب عن نصرته(الآية 120 من سورة التوبة )،,انبياء اخرين مثله سجاح التميمية ظهرت ،وكما قال المؤرخون انها بداية حركات الردة التي واجهها ابو بكر الصديق (رض) كخليفة للمسلمين من بعده ولا زالت خلافته هشة حينذاك.كلها أمور هامة في تاريخنا لم يبحثها المؤرخون فبقي التاريخ ناقصا في هذا الجانب المهم منه،وبقي منهج الدراسة اعرجا .
ومع كل الذي قيل ويقال في وفاته الا ان مؤرخينا على عادتهم يوردون الاخبار باختصار لا يراعون فيها دقة الترتيب،وحتى هنا قد اختلفوا وكتبوا وكأن الكل لم يصدق بمرضه اوموته فيما بعد..وهذا نقص منهجي عند
6
مؤرخينا الذين كان يجدر بهم الامر ذكر التفاصيل في شخصية غيرت مجرى التاريخ.فأين الأزرقي والواقدي من التفاصيل ..؟
وقبل وفاته(ص) ظهرت اشكالية أخرى تفسر لنا كيف اصبح ابو بكر خليفة للمسلمين واستبعد اهل البيت والاخرين منها.فهل كانت حقا انتخابات شورى ام بداية خروج عليها ؟ لابد للمواطن المسلم ان يعرف عنها الكثير ،حتى لايبقى الاختلاف مستمرا بين المسلمين،لأنها معضلة لا زالت مستمرة الى اليوم نتيجة ظهور الفقه الناقص والمختلف بين المؤمنين..
ان الامر المهم ،لابد ان يعرف الناس الى من يصير امر الخلافة من بعده،وهي المسئولية الكبرى السياسية والدينية عن مصير الامة وهذا هو الذي شغل الناس جميعا منذ ان عرف ان الرسول اصبح في قدر الموت.
وحتى لا ندخل في القيل والقال وننسى المآساة،ان الرسول وهو في حالة المرض الشديد طلب من عبد الرحمن بن ابي بكر (الصحيفة والدواة ليكتب وصيته) لكن من كان حوله لم يستجيبوا له،حتى قيل فيه انه ليهجر،اي دخل مرحلة فقدان الوعي (هكذا نقل لنا الطبري عن وفاته.لكن من قال هذاالكلام ومن امتنع ..هنا تداخلت الرويات .. سدا للفتنة والتخاصم.
بوفاته (ًص) قامت الفتنة بين العرب ولم تقعد بعد حتى وصل الاسلام الى ما وصل اليه اليوم من الفرقة والافتراق بعد ان دخلت فيه السياسة فأفسدته ،ولم يعد يصلح لبناء دولة الحق والعدل الآلهي كما ورد في سيرته العطرة.
والاسلام دين الحق والصلاح وحقوق الناس ،بينما السياسة فن الممكن لذا لا يمكن للمتناقضين ان يلتقيان فهل يفهم المسلمون الامر اليوم ،وتترك مؤسسة الدين السياسة وتدع الناس يتوافقون ؟ نعم ان العقل يَحكم انه لا يجتمع على صدقٍ نقيضان.
ان النفس لأمارة بالسوء ،وهل اسوء في الدنيا من الحكم والمال..ومن الفُرقة والفتنة؟.لا يا حكام الصدفة بالوطن العراقي المكلوم بكم ،لاتكثروا من طمع الدنيا وشق الصفوف وخيانة الأمانة ، انها حوب عند الله كبير..؟ ستواجهونها غدا ..أكيد .
لا يا ايها المرافقون للخيانة،والمؤيدون للأحتلال،والراكضون وراء المصالح ..لقد جعلتم الوطن الذي عمره 7 آلاف سنة عزبة للغرباء المتعطشين على التدمير ..اصحواعلى ما يفعله الشرقيون بكم فوالله هم قاتليكم غدا.ً
وليعلم الجميع ان الامور كلها بيد الله فلا يملك احد من الخلق لأحد موتا او حياة.
وستبقى حياة الرسول املا للصادقين ووفاته عبرة لكل الناس دون تمييز.
وسنوالي البحث ان تمكنا من جديد.