18 ديسمبر، 2024 6:53 م

رئيس جديد في البيت الأبيض العتيد , وقد أمضى خمسين يوما وبضعة أيام في منصبه , وأصدر أمرا تنفيذيا فأطيح به من قبل قاض فيدرالي رأى أن قرار الرئيس مخل بالدستور , وما إستطاع الرئيس أن يرد الحكم فتعطل العمل بقراره.
وقبل أيام أصدر قرارا آخر بذات المعنى والهدف وقد إستثنى منه العراق وضمنه ستة دول إسلامية , بعد أن أحدث تغيرات لتتوافق والقانون حسب تقديره , لكنه تعرض للكمتين دستوريتين لحد الآن وربما ستتوالى اللكمات , وتم إيقاف العمل بالقرار الجديد.
أقوى دولة وأقوى رئيس في الدنيا , يتلقى اللكمات الدستورية القاضية بتعطيل إرادته لأنها تتعارض وإرادة الدستور.
أ فلا يحق لنا أن نقف أمام هذا السلوك بدهشة وتأمل ونتعلم منه ما يعيننا على الحياة العزيزة؟!
سلوك يوضح مكامن القوة المؤكدة بالدستور والقوانين , والمحكومة بأخلاقيات وضوابط محددة بنظم داخلية وقوانين دستورية.
فقد شاءت الأحوال أن يجتمع في مكان وزمان ما , عدد من المفكرين والحكماء والمثقفين , ويتفاعلوا بجد وإجتهاد ونكران ذات ورؤية وطنية إنسانية نزيهة سامية , فكتبوا عقدا إجتماعيا وعهدا وطنيا منيرا أوجد الأمة , وضبط مسيرة الأجيال بدستور هو المنار والدليل الموجه للسلوك في المجتمع , وعلى ضوئه إنطلقت المؤسسات وأجهزة الدولة للعمل بإخلاص وأمان.
فهل وجدتم في مجتمعاتنا قاضيا أو قضاة قد تجرؤوا على معارضة قرار الرئيس ؟!
إن العلة في مجتمعاتنا أن كل ما فيه يتعبّد في محراب الكراسي , وكل ما فيه يسعى لتسويغ ما تقوم به الكراسي , والمجتمع بأسره بالروح وبالدم يفدي الكراسي.
وهذه علتنا المريرة التي تسببت بغياب الدستور وإحتقار القانون , وضياع القيم والأخلاق والحقوق والمعايير , وسيادة الفساد والفاسدين وإعلاء شأنهم وتمكينهم من البلاد والعباد.
تخيلوا لو أن الرئيس سرق أو كذب على الشعب ماذا سيحصل له؟!!
عندما قام الرئيس نكسن بتسجيل ما يجري في البيت الأبيض , لأجل توثيق كل شيئ ووضعه في كتاب بعد إنتهاء مدته الرئاسية , لأنه كان مولعا بالكتابة والتأليف , لكن ما قام به تعارض مع الدستور وأعتبر جريمة ومخالفة دستورية كبرى , إضطر على أثرها أن يتنحى عن الرئاسة.
أما في مجتمعانا فالمسؤول يسلب وينهب ويكذب ويفتك بالآخرين ولا مَن يردعه أو يخشاه , فهو لا يخاف ويتأسد ويتوحش والذين من حوله يتحولون إلى قطيع أغنام.
فلا دستور يضبط سلوكه ولا قانون ينظم العلاقة ما بينه والشعب ومؤسسات الدولة , أو يردعه عندما تطال يداه حقوق الآخرين , ولهذا تجدنا في أرزأ حال.
ولو أن شيئا قليلا جدا مما يحصل في عالم الكراسي العربية حصل في هذا المجتمع , لإنقلبت الدنيا على رأس المسؤول ولأصبح نزيل السجن ولفرضت عليه غرامات هائلة.
والأمثلة متعددة , فالقانون لا يفرق ما بين المسؤول والمواطن العادي , لأن الكذب كذب , والجريمة جريمة , والفساد فساد , والإخلاص للمسؤولية قيمة مقدسة وأمانة لا يمكن خيانتها بأي حال من الأحوال.
أما خيانة أمانة المسؤولية في مجتمعاتنا فهي سلوك متكرر ومرغوب ويدعو للفخر والرجولة !!
فهل تعرض فاسد واحد لطائلة القانون وأموال الشعب تنهب , والذين جاؤوا من شوارع الفاقات والمعونات صاروا من أثرياء الدنيا , فأرصدتهم بليونية المواصفات , وإن سألتهم من أين لكم هذا قالوا ،إنه رزق من الله فهو يرزق بغير حساب؟!!
فالقوة أخلاق وقيم وضوابط ومعايير دستورية وقانونية تؤكد المصالح الوطنية , وتعزز القدرات التفاعلية ما بين الحكومة والشعب , وما بين السلطات الثلاثة المعروفة في الدولة , وبدون هذه الثوابت الضابطة لا يمكن لأي مجتمع أن يكون ويتقدم في الحياة.
ترى هل سنتعلم من غيرنا ما يحقق وجودنا العزيز؟!!