23 ديسمبر، 2024 1:26 ص

لعنة الله علينا أجمعين!!

لعنة الله علينا أجمعين!!

قد قتلناهم وصلبناهم وسحلناهم وأتينا بالأعاجيب وبأفانين التوحش والوعيد , تلك حقيقة قاسية عاصفة في أرجاء وجودنا منذ ستين عاما وستمضي مبحرةً بنا في خضم قرن نكيد.
كنت طبيبا بين الجبال أداوي أهل القرى النائية في وديانها وعلى سفوحها ومنحدراتها , وكنت أتعلم من المرضى دروسا تغنيني عن عشرات الكتب , ومن بين مرضاي شيخ وقور كسبته الدنيا خبرات وحِكم وهو في عقده التاسع , وكان يقص لي حكايات ذات معنى ومغزى , ومن حكاياته التي يكررها , أن هذه البلاد لن تهدأ ولن تعرف طعم الإستقرار والأمان لأنها إقترفت جريمة نكراء بحق الأبرياء دون محاكمة أو مواجهة , وإنما سَوْرة قتل وتوحش وإضطراب , وكان يقصد في كلامه ما حل بالعائلة المالكة صبيحة الرابع عشر من تموز , وكانت دموعه تنهمر كلما تذكر الملك فيصل الثاني , وهو يصفه بملامحه البريئة وهيبته الوديعة رغم صغر سنه , وكان يعيدها عليّ مرار “لن تهدأ البلاد فلعنة الله علينا أجمعين”!!
وليس هذا من باب اللاهوتية أو الإعتقاد بما هو غير معقول , أو أن يقول أحدهم ما يقول , لكن إرادة اللعنة لها حضور ويعرفها العراقيون منذ لعنة أكد وما قبلها , وكأنهم يريدون القول بأن أي عملٍ آثم سيؤدي بفاعله إلى مصير مشؤوم , لأنها العدالة التفاعلية في هذا الكون , والبعض يسميها العدالة الإلهية التي تسري قوانينها بين المخلوقات , فلكل فعل ردة فعل تساويه في المقدار وتعاكسه في الإتجاه , ولكل كتلة طاقة جذب وتأثير , وأفعال النفس تتسبب بتولد طاقات سلبية أو إيجابية تأخذ أصحابها إلى حيث يتوجب ميزان العدالة الإلهية وناموس الكون الدقيق الموازين.
واللعنة طاقة تدميرية تعصف بالفرد أو بالمجتمع وفقا لقدراتها التراكمية وآلياتها الإنتقامية التي لا بد لها أن تصيب وتدمر , وكلما تنامت المآثم في أي مجتمع تفاقمت القدرات اللاعنة له وتواصلت فاعلة فيه.
وما يجري في واقعنا مظالم متواصلة تُراكم طاقات اللعنات السلوكية وتدفع بالبشر إلى تفاعلات تدميرية لذاتهم وموضوعهم.
فكم من الأبرياء يقتلون كل يوم؟
وكم من المحرومين يقهرون؟
وكم من المساكين يعذبون؟
وجميعهم وبلا إستثناء يختزنون طاقات لعنة هائلة ومدوية , وهذه الطاقات بتجمعها وتفاعلها تتسبب بتفاعلات إنتقامية قاسية تجسد إرادة اللعنة التدميرية.
فالذي يَقتل يُقتل
والذي يسرق يُسرق
والذي يظلم يُظلم
وتلك مقاييس سلوكية قائمة في الكون المطلق ولا يمكن الإخلال بتوازناتها ومعادلاتها.
ومن يتصور أنه سيفوز بإقتراف الآثام والخطايا فأنه في وهم وتخريف , وإن لم يقتص منه القانون فأن العدالة الإلهية أو الكونية تقف له بالمرصاد وستأخذه بإثمه وتقتص بعدالتها منه وتوفي حق ضحاياه.
والمشاهد واضحة ومتكررة في واقعنا فتأملوا ماذا جرى للذين قتلوا الأبرياء في صبيحة ذلك اليوم الدامي المشين.
الزعيم تم سحله ولا يُعرف أين مثواه , والآخر إحترق وغيرهم أصابهم ما أصابهم , وناعور اللعنات يدور في بلادٍ ما تتعلم ولا يدرك أهلها أن العدالة الإلهية لكل آثمٍ بالمرصاد!!
وترقبوا ما سيحل بالذين فعلوا أفظع مما فعله السابقون , وإن يمهل فلا يهمل !!
فهل صدق الرجل الشمالي إبن الثمانين ونصف عقد فيما كان يذكرني به ويؤمن به ويراه؟!!
تلك مأساة مجتمع لا يرحم مخلوقات رب العالمين!!
فاتقوا ربكم يا أولوا الألباب!!