في ثمانينيات القرن الماضي زرنا زميلا لنا في الشركة العامة لصناعة الحرير بعد عودته من رحلة إيفاد فنية إلى ألمانيا الغربية ، ودار الحديث بنا ، فأخبرنا أن خبيراً ألمانياً شاهد العراق من قبل ، وعاش بضع سنوات فيه ؛ قال إن حال العراق لا يمكن أن يصلح (يومذاك!!) إلا بطريقة أخذ كل الأطفال المولودين حديثا وإيداعهم لدى الدول الأوروبية المتقدمة فينشأوا فيها ويتعلموا ويعملوا ، ويفهموا الحياة المتحضرة فيها بعيدا عن أسرهم ومحيطهم !! ثم بعد مرور عقود من الزمن ، وعند وفاة آخر عراقي مسن في الداخل ؛ يتم إعادة هؤلاء الشباب من تلك الدول الأوروبية ليتولوا بناء وطنهم مثلما تعلموا وعاشوا !! وأكد له أن لا حل غير هذا يمكن أن يصلح العراق !!
ولما سمعت هذا المقترح ، وقد أثار استغرابنا ، وأيده عدد غير قليل من الحاضرين ، تذكرت قصة نسبت للإسكندر المقدوني ، عندما فتح العراق في القرن الرابع قبل الميلاد ، وتعب من مشاكسة أهله ، فقرر حلاً لهذه المشكلة القضاء عليهم واستبدالهم بأقوام آخرين يستقدمهم من مناطق أخرى ، ويغير تركيبة وطبيعة الساكنين فيه ، فاستشار أستاذه الفيلسوف أرسطو فاعترض عليه ، وقال له : إنه لو فعل ذلك، فبعد جيل واحد أو جيلين فقط سيعود الناس إلى السلوك القديم نفسه طالما كان عيشهم في البيئة نفسها !!
ومما حفظته ذاكرتي ، ويتبادر إلى ذهني دائما جواب لأحد العراقيين الهاربين من جحيم الطغيان في تسعينات القرن الماضي إلى أحدى الدول الأوروبية طالبا اللجوء الإنساني إليها ؛ حين سأله أحد الصحفيين : هل ستعود إلى وطنك العراق بعد زوال حكم الطاغية ؟ فأجاب على الفور : كلا !! إن أرضه لا تنبت سوى الشر والثعابين !!