هذه ظاهرة سلوكية سائدة في المجتمعات المتدحرجة إلى الوراء , والتي تمترست أدمغتها في كينونات متصاغرة مدثرة بأغطية عاطفية ومتاريس إنفعالية سميكة , لا تسمح لها بالخروج منها والإطلال على ما حولها , وإنما الظلماء بيئتها ومحيطها ومنها تستقي رؤاها وتصوراتها , وتحسب ماتراه هو الحياة والحقيقية والوجود بأسره.
مجتمعات مبرمجة وفقا لمنطلقات إندثارية ومهارات إذلالية تخنيعية تساهم بزجها في أنفاق التبعية والإنقيادية والإستعبادية , وتعطيل العقل ومصادرة الإرادة وترسيم السلوك وفقا لمقتضيات مصالح القوى المفترسة لها , والتي تسعى لتعميتها ومنعها من الإبصار والنظر المبين.
مجتمعات إنغرست فيها الممارسات الإنعكاسية وردود الأفعال الهوجاء الحمقاء المدججة بالكراهية والبغضاء , والمسلحة بالعدوانية والإنقضاضية الخسرانية على ذاتها وموضوعها , وهي تمضي في دروب الإتلاف منومة مخدرة وثملة بخمور الأضاليل وسلاف البهتان.
مجتمعات لا تريد أن تفهم أو ترى وتعي وتسمع , وإنما هي تدري ومنها تُستقى المعارف وعندها الأدلة والبراهين , فعقولها المسخرة لتبرير إنفعاليتها في أوج نشاطاتها , وتغذيها قدرات إمتهانية عالية المواصفات وذات توصيفات لا بشرية , وما عليها إلا أن تتبع وتتبارك وتتخضع وتتوسل لكي يرحمها ربها الذي لا تدريه ولا تعرفه , وتتصوره وفقا لتوصيفات العابثين بمصيرها والمستحوذين على إرادتها , من المارقين الذين يتمتعون بحياتهم على حساب حياتها , لكنها راضية قنوعة متفاخرة بقوة إذلالها وخنوعها المجيد.
مجتمعات معبأة بعتاد الحكم المسبق على الآخرين الذين لا يتوافقون ونمطية رؤوسها وحجرية أدمغتها , وسذاجة عقولها المهمشة الممنوعة من الصرف , والمحرم عليها أن تفكر أو تؤمن بأنها مخلوقات عاقلة ذات إرادة حرة وقدرة على التواصل مع معتقدها وربها , ولا تحتاج إلى وسيط أو دجال يوهمها بأنه يقربها زلفى إلى ربها الذي لا تعرفه , وهو الأعرف والأدرى به وعليها أن تصغي ولا تثاغي , وأن تستكين لرغباته , وما ينطق به من خزعبلات ويأتي به من سفاهات ويمارسه من الحماقات ويتطلع إليه من التفاهات.
مجتمعات متخنعة بالخداعات ومكهربة بالأضاليل والهذيانات البهتانية , لكنها في وهم الدراية والمعرفة والتفوقية وأنها الأعرف وعليها أن تُصدر الأحكام , وتحسب رأيها مسك الختام , وبهذه التفاعلية الأمية تساهم في رعاية التداعيات الجسام.
وفي جوهر سلوكياتها أنها تعبّر عن مذهب ” ذهبت أصنام وجاءت أصنام” , وما تغيرت الدنيا ولا تحقق المرام , فالأصنام هي الأصنام , والوثنية طاعون الأنام!!
فهل بقيت قيمة للإنسان أو بعض إحترام؟!!