18 ديسمبر، 2024 9:53 م

كرنفال اليوم الدراسي الأول

كرنفال اليوم الدراسي الأول

ليس هناك أجمل من مدن الخليج العربي صبيحة اليوم الدراسي الأول، إذ يخص أولياء الأمور هذه “الأصبوحة” الجميلة بأجود موائد الفطور “لتقوية” ابنائهم وهم يدخلون صفوف الدراسة معتدين بأنفسهم، وواثقين من قدراتهم مدشنين سنة دراسية جديدة، صعودًا إلى أعلى درجات سلم التقدم والاستنارة (من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، ثم إلى المرحلة الثانوية نحو المرحلة الجامعية): فحال خروج الجميع (مبكرين دفعة واحدة أو دفعات متقاربة التوقيت المبكر إلى المدارس والكليات والجامعات) يجعل المرء يشهد الشوارع كرنفالًا حقيقيًّا يعبِّر عن حال التوثب والتمسك بمستقبل زاهر للفرد وللمجتمع (بمعنى مجموع الأفراد). وإذا لا تظهر علامات التجدد والعنفوان على المعلمين والقياديين التربويين على نحو واضح للغاية، بسبب مسلكيتهم واعتيادهم هذه الدورة السنوية، فإن تلاميذهم وتلميذاتهم هم الذين يحملون رايات التجدد والتطلع إلى مستقبل أفضل. وهذا لا يتجسد صبيحة ذلك اليوم الكرنفالي المبهج فحسب، لأنه يتجسد تتويجًا لأيام عديدة من الاستعداد والترقب: حيث تخص الطالبات (وكذلك الطلاب) اليوم الدراسي الأول بأفضل ما يبتاعونه من ملابس وعطور وحقائب وقرطاسية وتصفيف شعر، تزيد من بهائهم وجمال طلعاتهم، وهم يسيرون (فرادى أو جماعات) نحو مدارسهم على الأقدام، بينما ينتظر البعض الآخر حافلات النقل العام للوصول مبكرين للدرس الأول في المدرسة أو الجامعة أو المعهد.
بل إن بعضهم “يتفاخر” بما أحرز من تقدم على سلم الدراسة والمعارف أمام الآخرين: فيتعمد طالب الهندسة أن يحمل معه ما يدل على أنه سيكون مهندسًا بعد بضعة أعوام، حاملًا معه أدوات الرسم الهندسي لجذب ملاحظة الحسان من جارات الحارة. وهذا، بالضبط، ما يفعله طلاب كليات الطب والصيدلة وطالبات التمريض وهم يحملون معهم الصدريات البيضاء، معلقين سماعات الفحص على رقابهم، كناية عن تخصصاتهم “النادرة”. ولا يختلف طلاب العلوم الإنسانية عمن سبق ذكرهم، لأنهم يتبخترون بحمل الكتب الكبيرة والمصنفات الضخمة، مبرزين عناوين أغلفتها لكل من يدفعه حب الاطلاع لأن يعرف بماذا يتخصصون: تاريخ، جغرافية، آداب، لغات أجنبية.
حتى المسؤولين الكبار في إدارة الدولة إنما تغبطهم هذه المشاهد التي تثلج القلوب، وذلك لأنهم يعدونها من منجزات إدارتهم ومن ثمرات عملهم المثابر على خدمة وحفظ البلاد والعناية بالعباد!