18 ديسمبر، 2024 3:40 م

ما كتبناه ونكتبه يأخذنا بعيدا عن جوهر المأساة ولب المعاناة والمقاساة اليومية للإنسان ، ويحوّل كتاباتنا إلى أبواق دعائية للكراسي ، ويعتّم على التفاعلات السلبية المناهضة للوجود الصحيح للإنسان والوطن والحياة.
وما نكتبه لا يكتبه الكاتب في الدول المتقدمة ، ولا يقترب منه مثلما نقترب.
ما نكتبه يُظهر آليات تفكيرنا ، ونفوسنا المضطربة ورؤيتنا المشوشة.
وبما نكتبه نساهم بتعزيز السلوك القائم , وتوفير دواعي إستمراره , والحفاظ على إنجازاته الضارة والمدمرة.
فهل غيّرت كتاباتنا واقع الحال والمآل؟
بما نكتبه ربما نشارك في برامج التضليل وغسل الأدمغة , وإشاعة ثقافة البهتان وزعزعة الحقيقة وتمرير الأكاذيب ، ومؤازرة الذين يسرقون وينهبون ويعبثون بالبلاد والعباد.
وأصبحت نسبة كبيرة من الكتابات تخطها أقلام الكراسي ، بأساليب وتوجهات تخدم تكريس الحالة القائمة ، ومنهاضة التغيير المعاصر للحياة.
ومعظم الكتابات ، إحتفاليات أحزان وآلام وإندفاع نحو إستلطاف الأوجاع والقهر والذل والهوان والحرمان ، وربطها بالديمقراطية والقيم والمعايير الإنسانية النبيلة السامية , وفي ذلك إجهاز على الحقيقة وإطفاء للنور المعرفي ومنع للوعي الصادق الأصيل.
وقد كتب الكتاب عشرات الآلاف من الصفحات عن الذي مضى وما إنقضى ، وتراهم مصفدين في لحظة زمنية ، وحالة يرفضون أمامها أبسط بديهيات الوجود وقوانين الزمن ومعاني ومعايير الحياة ، حتى تحولت الكتابات إلى موضوعات غثيثة ، لا تأتي بجديد ونافع ومتواكب مع الحاضر والمستقبل.
نصوص ومقالات وغيرها ، تدور في ذات النقطة وتغرف من ذات البئر ، وكأن الأجيال تدور في ناعور المراوحة , وإعادة تصنيع المآسي والأحزان والويلات ، التي تحولت إلى طقوس ترى الحياة بمنظارها الأسود.
ما نكتبه لن يبني حالة ذات قيمة حضارية وثقافية مؤثرة في صناعة الأجيال والمستقبل ، إلا فيما قل جدا وندر تماما , حتى فقدت الكلمة قيمتها ودورها وتأثيرها في الواقع الإجتماعي والسياسي ، وما عادت تهم أو تعني أحدا ، وأصبحت المواقع والصحف منافذ للترويح النفسي ، وإنسكاب الإنفعالات والعواطف والتصورات.
فالسائد الكتابة عن الأشخاص لتنمية شهرتهم وتعزيز وجودهم في وعي الناس ، ولن تؤثر الكتابات ضدهم ، فلكل كرسي طابور أقلام منتفعة ، تسعى لتسفيه ومواجهة ما يُكتب حوله ، وبهذا يتحقق الدعم الإعلامي في الوعي العام.
إن الأقلام مطالبة بثورة حقيقة على مستوى العقل والنفس ، ومراجعة رؤاها وتصوراتها وآليات أقلامها ، وأن تفكر بالمصلحة الوطنية أولا وأخيرا ، بعيدا عن النرجسية ، وتفخيم الذات ، والإمعان في وهم المعرفة وإمتلاك الحقيقة المطلقة.
فالكاتب لم يقدم مثلا ديمقراطيا يُحتذى به ، وعبّر عن المأساة السلوكية ، ولهذا فسلوك الكراسي قد تأسن ، وما تبدل أو إمتلك رؤية ذات قيمة وطنية وحضارية.
ولذلك فالثورة الحقيقية المطلوبة ، هي ثورة ثقافية.
ثورة القلم والعقل والنفس والروح.
وبدون هذه الثورة التي على الكتّاب أن يقوموا بها ، لن تتحقق مصالح الإنسان ، وسيضيع الوطن ، وسيكون الكاتب أو المثقف ، قد أسهم بفاعلية واضحة في التفتت والإنحدار , والضياع الحضاري والأخلاقي والتاريخي المروّع!!
“ثورة الأقلام صارت مطلبا لانطلاقٍ نحو آتٍ واعدٍ “