23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

كالمستجير من الرمضاء بالنارِ – العراقيون في لبنان .. مصاعبٌ وصراعٌ من اجل البقاء !

كالمستجير من الرمضاء بالنارِ – العراقيون في لبنان .. مصاعبٌ وصراعٌ من اجل البقاء !

قد تبدو مسألة تناول معاناة العراقيين في لبنان، لون من البطر، والمشاكسة غير المحبذة، في ضوء ما يعانيه العراقي في الداخل، من شتى ألوان المصائب، والمصاعب، غير اننا بذلك نحاول تسليط الضوء على شريحة عراقية، اضطرتها الظروف القاهرة الى مغادرة بلدها الحبيب، فكانت كما قال البحتري:
“المستجير بعمروٍ عند كربتهِ / كالمستجير من الرمضاء بالنارِ”.
فهم حين قصدوا لبنان تفاجأوا بـ”كربة” لبنان “البحترية”! حتى على أبنائه فكيف بالوافدين من خارج ارضه ؟! مع ملاحظة ان إشارتنا الى العراقيين في لبنان تتناول الذين اتخذوا منه معبرًا، او منطقة مكوث مؤقتة، ريثما يُبت في امر لجوئهم لبلدان أخرى، أو نشير الى العراقيين المقيمين هناك، سواء كان ذلك بشكل قانوني، أو غير قانوني.

حنين وشجن عراقي
من البداهة إن الغربة لا تطاق، والاوطان لا تعوض أبدا، وإن كان أبو حيان التوحيدي قال ذات غربة “أين أنت عن غريب لا سبيل له الى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان ؟! الغريب من هو في غربته غريب، الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، إن حضر كان غائبا، وإن غاب كان حاضرا! هذا غريب لم يتزحزح عن مسقط رأسه، ولم يتزعزع عن مهب أنفاسه، وأغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه، وأبعد البعداء من كان قريبا في محل قربه، لأن غاية المجهود أن يسلو عن الموجود، ويغمض عن المشهود، ويقصى عن المعهود ”
والعراقي بطبيعته عاطفي فالكثير ممن التقيتهم يؤكدون اشتعالهم حنيناً للعراق ان سمعوا اغنية عراقية خصوصا اذا كانت من أغاني السبعينيات المعروفة بشجنها الموجع!

ديون طائلة!
تقديرات مصادر لبنانية إلى أن عدد النازحين العراقيين يتراوح بين 12-15 ألفا، فيما تقول الأمم المتحدة إن أعداد العراقيين المسجلين عندها أقل من ذلك بكثير فضلا عن أكثر من 15 ألفا تم توطينهم منذ عام 2007 في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية والمانيا وكندا وأستراليا، الناطقة باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيروت دانا سليمان افادت “إن وضع اللاجئين في لبنان، لاسيما العراقيين منهم، صعب من مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية، كافتقارهم لفرص العمل ووقوعهم تحت طائلة الديون وغيرها” مشيرا الى “وقوع العديد منهم تحت طائلة الديون التي سببت لهم مشاكل جمة ونحن نحاول ان نعمل ما نستطيع من أجلهم”.
مؤكدة “ان اغلبية منهم كان قد قدم عدة طلبات لجوء لدول غربية غير إن طلباتهم اليوم ما زالت لا تلاقي التجاوب المطلوب بسبب المعايير التي باتت تضعها تلك الدول”.

صراع من أجل البقاء
جمعية كاريتاس الخيرية في لبنان، أكدت “أن اللاجئين العراقيين يعيشون ظروفا صعبة ويخوضون صراعا يوميا من أجل البقاء، بسبب ندرة فرص العمل، وارتفاع تكاليف الغذاء والطبابة والسكن في لبنان”، ورغم عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة، عن عدد العراقيين في لبنان حاليا فأن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قدرت عددهم بنحو عشرة الاف، بعضهم يعيش في البلاد منذ سنوات، في حين وصل البعض الآخر بعد شهر نيسان من عام 2014 هربا من بطش تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي اضطر عشرات اللاجئين العراقيين، الى الاعتصام العام الماضي أمام مكاتب الأمم المتحدة شمال لبنان للمطالبة بتحسين ظروف عيشهم، أو مساعدتهم على الهجرة إلى بلدان أوروبية، وقسم غادر لبنان الى وجهات أخرى، أو رجع للعراق.
رئيسة جمعية كاريتاس نجلاء تشادا أضافت ” العراقيون الذين جاؤوا هنا كانوا متفائلين بترتيب امورهم، لكنهم أصيبوا بالإحباط والكآبة، حين وجدوا صعوبة بل استحالة الحصول على فرص عمل، وتسجيل أطفالهم في المدارس، وصعوبة العلاج والطبابة”

وضع لا يحسدون عليه
يقوم (ج.خ) الموجود في لبنان منذ عامين” اللاجئ العراقي ليست لديه حقوق مثلما كنا في العراق، الوضع هنا صعب للغاية، لذا نتمنى ان تستقر الاوضاع في العراق لنعود او نتمكن من الهجرة إلى أي بلد أوروبي يقبلنا”. فيما يفيد فنان تشكيلي عراقي آثر عدم الإفصاح عن اسمه مقيم في لبنان منذ عام 2009 “الأوضاع في لبنان صعبة على اللبنانيين أنفسهم “الله يساعدهم”، وهو بلد موارده محدودة وجاء اليه حوالي مليون وربع مليون لاجئ سوري، ليشكلوا ضغطا على شعبه في كل المجالات” ويضيف وهو يشعل سيجارته ” في خضم ذلك أصبح العراقي هنا في وضع لا يحسد عليه أبدا”

إحباط بسبب الواقع!
تشاطره الرأي أم احمد، وهي كانت تعمل مدرسة في العراق، تقول” النزوح السوري الهائل مثل مشكلة في لبنان للبنانيين أنفسهم ولنا حيث أصبح السوري -وانا لا الومه بسبب ظروفه-مصدرا للعمالة الرخيصة وهو تمثل خزانا بشريا ليس بالقليل ” وتقول ام احمد” انا وزوجي لا نعمل منذ جئنا الى هنا، بعت مخشلاتي الذهبية، وانفقنا مبلغ بيع بيتنا في العراق، وما لدينا من مال انتهى ولا امل لنا يلوح بالأفق!”
أما يعقوب شامل ،فيقول إنه “تهجّر لمرات عديدة اعتبارا من عام 2005 في العراق بسبب الظروف التي كادت تكلفه حياته في مراحل حرجة مؤكدا إنه جاء الى لبنان عام 2015 و منذ قدومه هنا قدم عدة طلبات هجرة إلى أستراليا رفضت جميعا، وانه وعائلته يعيش في وضع مأساوي فلا وجود لفرصة عمل ومتطلبات الحياة صعبة جدا”

حصرم المسؤول وتسوس المسكين
أبو نور عراقي متزوج من لبنانية، ومقيم في الضاحية الجنوبية من بيروت، هو صحفي يراسل الصحف العراقية عبر النت، ويدير الصفحة الثقافية لاحداها توقف مرتبه الذي كان يصله من العراق، والذي يعتاش عليه (بالدفعات) كما يقول، جراء الازمة المالية التي تعصف بالبلد، فكيف وقد انقطع مرتبه وأصبح بدون مورد رزق؟! يقول “ثمة صورة نمطية في لبنان عن العراقي، إذ إنهم ينظرون اليه على إنه (زنكين) وموسر الحال بسبب ما ينفقه السائح العراقي، لا سيما المسؤول أو أبنائه الذي يأتي (للونسه) والذي يصرف بدون وجع قلب في أماكن معروفة، لهذا كثيراً ما أكون انا وغيري من (المكاريد) ضحية لذلك، فحين نقصد بعض محلات الفاكهة والخضر مثلاً، نفاجأ بأن كيلو البندورة (الطماطم) اذا كانوا يبيعونه بألف ليرة يقال لنا بألفين! بعد معرفتهم بعراقيتنا ! والخلاصة ان السائح العراقي (البطران) يأكل حصرماً لبنانياً مختلفاً، ونحن نضرس”!!

تشجيع على العودة
مصدر في السفارة العراقية في لبنان اكد ” نحن نتابع شؤون العراقيين هنا و نشجع الناس على العودة الى العراق، وعلينا ان نحسن الوضع في العراق حتى يعودوا، وحبذا لو استطاعت الحكومة العراقية من تأمين تكاليف عودتهم، ونضمن حقوقهم، لأن بلدهم أولى بهم، ووضع العراق اليوم افضل بكثير من السابق، سابقاً كانت هنالك اشكال عديدة للقتل، أما الآن فالإرهابيون لم يبق امامهم سوى تفجير السيارات، وداعش أصبحت قاب قوسين او ادنى من الانتهاء في العراق، وايام الجثث الملقاة في الشوارع انتهت، القتل على الهوية انتهى، اليوم الارهاب موجود عبر بؤر متشرذمة هنا وهناك تفجر السيارات المفخخة، والجهد الأمني والاستخباري ماض في تحجيم حتى ذلك، وهذا يحدث في كل الدول كما حدث في مترو موسكو، وربما في العراق يحدث بشكل اكثر، لأن هؤلاء الارهابيين يجدون فرصة للاصطياد في الماء العكر، فأرى ان العراقي الذي يجد ان موقفه سليم في العراق عليه ان يرجع الى وطنه.