ذات زمان قال مَن قال: “سأكون قمة بين القمم , وجبلا شامخا بين الجبال ” , وكنا نجلس في مقهى صغير فقلت لزميلي: هذا هراء!!
ففاجأني بنظرة غضب , لكني أضفت: بلدنا وطن القمة الواحدة , منذ سقوط الملكية , فما راق له الكلام.
وبعد بضعة أسابيع , وجدتنا أمام حصاد القمم , وبقيت قمة واحدة لا يجرؤ الإقتراب منها أحد , ومَن يقول أنا , سيأتيه الموت من حيث لا يحتسب .
وبعدها بسنوات قلت لأحد الأصدقاء: أن الأوطان القوية ذات أعمدة متنوعة ومتزايدة , ولا يدوم وطن يرتكز على عمود واحد , وكنت أحسب إرتكاز أي وطن على عمود واحد مؤامرة عليه , لأنه سيتهاوى بسقوط ذلك العمود.
وسقط العمود وسقط الوطن!!
تلك مسلمات وبديهيات برهنها التأريخ بأحداثه المتكررة , التي لا نعتبر منها , فدول الأمة ترنحت في مواطنها لإرتكازها على عمود واحد , وما فكرت بتعدد الأعمدة.
ويبدو أن بعض الدول الإقليمية أدركت الحقيقة , وإبتكرت صيغ لتوزيع مراكز القوة وزيادة عدد الأعمدة.
والعالم المتقدم يرتكز على أعداد متنامية من الأعمدة , فهو دول مؤسسات , وليس دول أعمدة فردية , فالرئيس أو رئيس الوزراء , واجهات للتعبير عن إرادة المؤسسات المتفاعلة فيما بينها.
والعجيب ببلدنا رفضه نبوغ قمم النشاطات الحياتية المتنوعة.
عندما كنت طبيبا مقيما قال أستاذي : بلدنا لا يصنع الرموز ويعوقها , بينما هذه الدولة وتلك تخلق رموزها , وعندنا ما يفوقهم.
لم أستوعب كلامه حينها , وبقي يتردد في ذاكرتي , ويعد دوران الأيام , تبين أن أنظمة حكم البلاد تعشق التبعية والإستبداد , وتأبى تعايش القمم فيها , بل عليها أن تتصارع وتتماحق والكل نطيح , والفائز كبش نطّاح نكّاح تؤازره قِوى الشر والعدوان.
فهو القمة الأعلى , والقائد الأوحد , وتلك مصيبة وطن ينكر أبناءه الأفذاذ!!
د-صادق السامرائي