22 ديسمبر، 2024 8:55 م

قصتي مع قانون الخدمة المدنية

قصتي مع قانون الخدمة المدنية

شرع قانون الخدمة النافذ سنة 1960، ومنذ تشريعه الى اليوم اجريت عليه عشرات التعديلات، فاصبح لايلبي حاجة الوظيفة المدنية لكثرة التناقضات في احكامه وتطبيقه. وقد بدت الحاجة منذ وقت مبكرالى سن قانون جديد بدلا منه.

واولى هذه المحاولات كانت سنة 1974، وقد أُلفت لجنة من كبار رجال الدولة لوضع مسوَّدة مشروع القانون…وانتهت اللجنة من اعمالها واصدرت مشروع القانون سنة 1978… وقد ضم المشروع احكاماً جديدة ومباديء متطورة، حتى في زمننا هذا… منها تقديم (منحة زواج) للموظف او الموظفة المتزوجة لاول مرة بما يعادل (5) رواتب, وكذلك (منحة طفل) مقدارها(3) رواتب, لحد (خمسة اطفال).

وكذلك (تمتع) الموظف بـنصف مدة الاجازة الاعتيادية (الزامياً) في سنة استحقاقها, ولا تُدَور ان لم يتمتع بها.

وفرق مشروع القانون بين (الترفيع) و(الترقية), فـ(الترفيع) بموجبه هو نقل راتب الموظف الى (المرتبة) التالية نحو الاعلى، ضمن نفس (الدرجة), اما (الترقية) فهو انتقال الموظف من(وظيفة) الى (وظيفة) اخرى في (درجة) اعلى. واكثر مواده تطورا، هي المادة (153/ د) التي اعطت للموظف الاب الحق التمتع باجازة (امومة !!!) في حال عدم تمتع الام الموظفة بها لسبب من الاسباب…كما هو الحال في الدول الاوربية كالسويد على سبيل المثال.

وبالتأكيد ان هذا المبدأ لايمكن التطرق اليه في وقتنا الحاضر ، بله تشريعه وادخاله في القانون….ومن المؤكد ايضاً ان من سيتمتع باجازة الامومة هذه، في ظل قيمنا الحالية، سوف يلقى عنتاً من مجتمعه وعشيرته التي ترفض ان يكون ابنها قد لبس ثوبا فصل للمرأة حصراً.

وللاسف ان هذا القانون لم يشرع، على الرغم من الوفرة المالية – في وقته – التي اعقبت قرار التأميم وحرب اكتوبرالتي ارتفعت بعدها اسعار النفط الى مستويات قياسية في حساب ذلك الزمن … وقد تنبأ احد الخبثاء عند تأليف اللجنة في وقتها ان عملها لن يرى النور… لسبب بسيط هو ان احد اعضائها هو المرحوم (عامر عبد الله) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي – وكان وزير دولة يومها – معللاً ذلك بان ما سيرد فيه من ميزات وامتيازات للموظف، سوف يحسب لذلك الحزب. وقد تحققت النبوءة، ولم يشرع القانون.

وفي سنة 2006 قررت هيئة النزاهة في زمن رئيسها القاضي الفاضل (راضي الراضي) ان تعمل على تشريع قانون جديد للخدمة المدنية، فقد كان رئيسها يؤمن بان النزاهة لا تفرض، ولا تعمم باساليب قسرية ، وانما هي ثقافة مجتمع ، لذا عمد على اشاعة ثقافة النزاهة من خلال المناهج الدراسية والاناشيد الوطنية ومجلات الاطفال بما تحوي من قصص وحكايات…ومن جملة تلك الاساليب كذلك، تعديل وتشريع قوانين تعمل على كبح جماح الفساد وتمنع نموه. لذا فقد كانت رؤية القاضي (راضي الراضي) العمل على تشريع قانون ينصف الموظف ويلبي حاجاته، منعاً من ان ينحرف بسبب الحاجة. وفعلاً الفت لجنة من هيئة النزاهة ووزارة التخطيط ممثلة بالمركز الوطني للتطوير الاداري – وهو ارقى معهد في العراق في اختصاصه وبمستوى عالٍ من الكفاءة العلمية الادارية – وعملت اللجنة – وكنت احد اعضائها – على وضع مسودة قانون جديد للخدمة المدنية. وعندما اطلعت اللجنة على مشروع القانون السابق اكبرته، وقررت الاستفادة من الكثير من احكامه، ومما يؤسف له ان القانون لم قد تجاوزه الزمن بل ان الزمن في العراق قد تخلف منذ وضع مشروع القانون المذكور، فقد دخل العراق بعد وضعه في سلسلة من الحروب العبثية تركت جروحا وآثاراً في بنية ونفسية المجتمع.

وقد عملت اللجنة بجد وقامت بزيارات ميدانية لقطاعات معينة من الموظفين لمعرفة امالهم وحاجاتهم. وفي النهاية لم ير مشروع القانون النور ايضا، لشتى الاسباب.

وفي عام 2010 أُلفت لجنة في الامانة العامة لمجلس الوزراء لوضع مشروع قانون سمي بقانون ( الخدمة المدنية الاتحادي) وعممته على الوزارت جميعها، ومنها وزارة التربية التي كنت موظفاً فيها، لبيان رأيها ومقترحاتها، فشمرت ذراع الجد وعملت دراسة للقانون ارسلت الى مجلس شورى الدولة معبراً عن رأي وزارة التربية فيه.

وفي عام 2016 قرأَ القانون في مجلس النواب قراءة اولى، ثم استدعيت في الشهر الرابع من العام نفسه للمشاركة في اللجنة المالية لمناقشته وتعديل واضافة ما يمكن اضافته…وبعد عشرة اجتماعات ساهم فيها اعضاء اللجنة جميعهم، تم الوصول الى الصيغة النهائية لمشروع القانون. وقد تضمن المشروع مباديء جديدة ومهمة اهمها: انه تجاوز الصيغة التي فرضها الامر 30 الصادر عن سلطة الاحتلال سنة 2003، والقاضي بربط الراتب بالدرجة الوظيفية، والتي تضرر منها الاف الموظفين الذين ظلوا سنين عديدة دون ترفيع، لعدم وجود الدرجة الشاغرة..في حين فك مشروع القانون ذلك الاشتباك وفصل الراتب عن الدرجة الوظيفية ، فاصبح بالامكان ترفيع الموظف، دون انتظار حصول درجة شاغرة…..ومن المباديء الجديدة منح اجازة الحج لمرة واحدة خلال خدمته الوظيفية..وقد اعترضت على هذا المبدأ مبدياً رأيي : ان عدم وجود اجازة للحج لم تكن مانعاً منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة الى الان دون اداء الموظف لتلك الفريضة، فبمجرد قضاء الموظف خدمة وظيفية لسنة واحدة فقط.. سيكون رصيده من الاجازات شهر واحد يكفيه لاداء فريضة الحج..هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان قانون الخدمة الجديد سمي بقانون (الخدمة المدنية الاتحادي) اي يشمل العراقيين جميعهم، ومعنى هذا ومن المنطلق نفسه، يجب منح اجازة حج للاخوة المسيحين لزيارة القدس او دير مار هرمز ، ومنح الصابئة اجازة لزيارة قلعة صالح او اي مكان لقداسهم، والايزيدية لزيارة لالش وهكذا…ولكن اللجنة اكتفت بحذف اجازة العمرة التي كانت في النص الاصلي مراعاة للحكومة (الاسلامية!!!!).

وفي ظني المتواضع ان القانون لن ير النور في المستقبل المنظور لانه مرتبط بقانون (مجلس الخدمة العامة) الذي شرع سنة 2009 واجري عليه اكثر من تعديل، لانه هو الذي يشرف على تطبيق قانون الخدمة المدنية من تعيين وترقية وما الى ذلك. الا انه لم يفعل لعدم اتفاق الكتل السياسية على تقاسم الغنيمة… وقد لاحظتم اصدقائي كيف ان المجلس لم يوافق في الجلسة الاخيرة على المرشحين والمرشحات لرئاسة وعضوية المجلس– وجلهم من الاختصاصيين (التكنوقراط) – وذلك لانهم ليسوا حزبيين، وقد ثار احد النواب غضباً عندما قالت المرشحة لرئاسة المجلس انها غير حزبية، فاعتبر ذلك اهانة ومنقصة للاحزاب، واظنه لايدري ان سبب خراب العراق هي الاحزاب.