23 ديسمبر، 2024 2:46 ص

قربان على مذبح الحرية

قربان على مذبح الحرية

عندما أمسك بهاتفي اللوحي، وأبدأ بنظم افكاري ورؤيتي، عن واقع حقيقي لشخصية قلّ نظيرها، وخاصةً في وقتنا الحالي، اشعر بالنشوة التي تملأ قلبي وروحي، في ذكر بعض صفاتها العظيمة، واغبط نفسي عندما اجيد التعبير واحسن الوصف الحقيقي لذكر جملة من التضحيات الجسام التي قدمها من اجل قضية آمن بها وبأحقيتها، فقدم الغالي والنفيس من اجل نصرتها، وأحزن كثيراً عندما اجد مدونتي فقيرة من العبارات التي يمكنها تبيان ولو الشيء القليل عن عظمة ذلك المجاهد الثائر الذي ظلمه الكثير عنوةً وتقصيراً وحسداً.

لعل البعض اصابه الفضول ليعرف من هو الشخص الذي يستحق كل ذلك الثناء والإحترام والتقدير، انه آية الله العظمى السيد (محمد باقر الحكيم)، نجل آية الله العظمى السيد (محسن الطبطبائي الحكيم) الذي لقب بزعيم الطائفة في زمانه.

يصعب علينا ان ننصف ذلك الرجل المجاهد، او نحيط بكل جوانب حياته ونشاطاته وتضحياته، وإنما هي مجرد بعض الإشارات فقط، فلقد امتد نشاطه لأكثر من نصف قرن، سنين معبأة ومثخنة بالأحداث والتضحيات، والذي كان احد اهم تلك الأدوات التي أسهمت في ارتفاع مستوى الخط ألبياني لقوة المرجعية الدينية، وتعاظم نشاطها في تلك الفترة، ساهم بتأسيس الحركة الاسلامية في العراق ورعايتها، كان عضواً مؤسساً لجماعة العُلَماء في أواخر الخمسينات، كما أسس مدرسة العلوم الاسلامية في النجف الأشرف سنة (١٩٦٥).

ولد الشهيد سنة (١٩٣٩)، في أسرة علمائية قل نظيرها في العالم، وتربى بين احضان الحوزة العلمية، درس الكثير من العلوم الدينية في بداية عمره, أنهى دراسة اللمعة الدمشقية في عام (١٩٥٦)، كان عمره حينها (١٧) عام، حصل على شهادة الاجتهاد في علوم الفقه والاصول والقرآن عام (١٩٦٥)، اَي بعمر (٢٦) سنة، من قبل آية الله العظمى الشيخ (مرتضى آل ياسين)، كتب في الكثير من العلوم الدينية والقضايا المجتمعية والسياسة، لا يسع المجال لذكرها تفصيلاً.

أفنى عمره ما بين الدراسات الإسلامية, وبين التصدي للحركات الضالة والمظللة الحركات اللادينية، وبين التصدي للأنظمة الدكتاتورية الظالمة المتعاقبة، ومن أهمها حكومة (عبد السلام عارف)، وهي اول حكومة عراقية أسست للطائفية المذهبية، وحكومة البعث الفاشي، حكومة الدكتاتور (صدام).

كان ملازماً للشهيد السيد (محمد باقر الصدر)، الذي وصفه بـ “عضدي المفدى”، كما ساهم في كتابة (اقتصادنا وفلسفتنا)، وهذا ما يذكره السيد الصدر في مقدمة كتابه فلسفتنا، وهي نفس المقدمة التي استبدلها السيد الحكيم بعدما وجد اسمه مكتوب فيها، وهذا ما يذكره الكاتب (صلاح الخرسان) في كتابه “السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق”.

ترك العراق سنة (١٩٨٠)، بعدما ضيق النظام العفلقي على الحركة الاسلامية في العراق، تلبيةً لرغبة الشهيد الصدر، وهاجر مباشرةً بعد استشهاده الى سوريا ومن ثم الى ايران، ليقود الكفاح والنضال من خارج البلاد، أسس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق سنة (١٩٨٢)، محاولة لجمع كافة الاحزاب والحركات والتيارات المعارضة للنظام البعثي، وانضوى تحته (١٤) جهة معارضة، كانت الغاية من وراء ذلك هو توحيد جهد المعارضة في جبة واحدة، من اجل دفعها لتحمل مسؤوليتها في مواجهة النظام الجائر، ولكي لا تتشتت تلك الحركات ويضعف كيانها وقوتها، كما ذهب الى تأسيس فيلق بدر وهو الجناح العسكري لجميع من انضوى تحت اسم المجلس الأعلى، من اجل الكفاح المسلح.

لم يكن الحراك السياسي لآل الحكيم مجاني، وإنما كان ثمنه باهضاً جداً، حيث قدموا قبال ذلك الامر (٦٣) شهيد على مذبح الحرية، ولتصبح مطامير السجون هي المأوى الوحيد لعائلاتهم، لسنوات طوال هرم فيها الشيخ وشاخ فيها الشباب, وشب فيها الصغار، ولَم تستثني مطامير السجون حتى النساء، الا ان تلك التضحيات لم تكن كافيةً، من اجل حرية ذلك الشعب المظلوم، فعمد الاٍرهاب الى نثر اشلاء ودماء آية الله العظمى السيد (محمد باقر الحكيم)مع ثلة من المؤمنين على باب ضريح الامام علي عليه السلام، ليختم تلك التضحيات بتقديم روحه الطاهرة ظهيرة يوم الجمعة في الاول من رجب، رحل الشهيد الى جوار ربه وهو صائم، بعد إن أنهى إمامة صلاة الجمعة.