23 ديسمبر، 2024 6:12 ص

قانون العشائر… قانون البراءتليهْ

قانون العشائر… قانون البراءتليهْ

قبل عام 1958 كانت العشائر باعلى مستويات قوتها، حتى انه من ظلم الشيوخ وجبروتهم، اضطر الفلاحون الى الهجرة على غير هدى، وحين شرعت الهجرة المعاكسة بعد عام 58، بقي الخوف معششا في قلوب الفقراء فلم يعودوا ثانية، لكن العشائر هذه المرة ستحظى بفرصة وفكرة جديدة، الا وهي فكرة الديمقراطية وممارسة الانتخابات لشيخ العشيرة الذي يحظى بالاجماع مضافا الى الوراثة، ولا ادري هذه التجربة الديمقراطية ستمارس كل اربع سنوات ام مرة واحدة في العمر،وقانون العشائر سيضع مسمارا كبيرا في نعش القانون المدني، وربما سيسحب البساط من تحت قدمي المرجعية الدينية لتحل محلها مرجعية العشيرة، وسنكون امام فتويين، فتوى المرجعية وفتوى العشيرة، وبعدها تأتي الجماعة والحزب والكتلة، والبراءتلي كناية بغدادية عن صنف من العسكر السلطاني، صدرت بتشكيله براءة من السلطان، قد اثبت فيها انه داخل في السجل العمومي في اسطنبول، فلا يعاقب، ولايسجن، ولايحاكم، الا بامر من المرجع العمومي في اسطنبول، وبالنظر للبعد مابين بغداد واسطنبول، وانقطاع الوسائط، فان العسكري البراءتلي كان يصنع ماتسول له نفسه، من دون رادع ولازاجر، وتناقل البغداديون على سبيل الفكاهة قصة خلاصتها ان بغداديا كان في بيته هر يؤذيه، فضربه وطرده، ولكن الهر عاد الى البيت وفي عنقه ورقة، وقال لصاحب البيت، هذه في عنقي براءة من السلطان، خولني ان اقيم بها في هذه الدار من دون معارض، فقال له صاحب الدار: انك كنت تفعل الافاعيل، وكنت بلا براءة، فكيف بك الان وقد صرت (براءتلي)، وترك له البيت ورحل.
جميعنا يسمع بما وصل اليه الحال في النزاعات العشائرية التي جلبت الويلات على ميزانية العائلة العراقية، 12 مليون دينار للصفعة، ومئات الملايين للحوادث المرورية التي تتعلق بالعوق او الموت، وتمزقت ثياب احدهم في مشاجرة فكان الفصل العشائري يتجاوز الخمسة ملايين دينار، في حين ان دشداشته لاتساوي اكثر من عشرة آلاف دينار، وقد سمعنا بقصص خيالية منها ان عشيرتين برجالها اجتمعتا على فصل يتعلق بزوج من الطيور الحمر، وقصة اخرى تتعلق ببقرة، وثالثة بفأر كبير، وصار الشيخ هو من يتمتع بقابلية كبيرة في المحاججة والانتصار على خصمه بشتى الاساليب، جرائم قتل تصل الى اربعة او خمسة اشخاص لايسجن مرتكبها يوما واحدا لانها تحل عشائريا وينتهي الامر بالتنازل، وصار الشيخ ثيابا نظيفة وسيارة فارهة مضافا اليها اربعة او خمسة اشخاص يسيرون خلفه لكسب الهيبة والوجاهة، اما اذا كان الشيخ منتميا لاحدى الحركات المسلحة، فتلك العشيرة قوية جدا وتفرض سطوتها على اي كان، كل هذه الفوضى ستشرعن بقانون، ومجلس النواب العراقي درج ومنذ نشوئه بعد الفين وثلاثة على شرعنة الفوضى وسن قوانينها، ياسادتي عودوا الى الوراء ولاحظوا سلطة الدين قد الغت بعد الاسلام سلطة العشيرة، في حين انتم تريدون ان تجمعوا على الناس سلطتين، الدينية والعشائرية، ربما كان حمورابي اكثر منكم حاجة لتبويب العشائر في جماعات وجلب صناديق الاقتراع، لكنه آثر ان يكون القانون سيدا ولذا كانت الحضارة، ربما سنعود الى المنازعات الكبيرة التي جاءت بالغزو والسبايا ويكون القول العشائري هو السيد : الحك بالسيف والعاجز يدور اشهود.