17 نوفمبر، 2024 3:19 م
Search
Close this search box.

قانون التدافع.. وصناعة البديل

قانون التدافع.. وصناعة البديل

تواجه المجتمعات والأمم والأوطان على حدٍ سواء، تحدٍ خطير للغاية، ويتمثل ذلك باشتداد طوفان التفاهة، وغلبته او يكاد على معاني الوعي والثقافة الرصينة والالتزام بإدراك قيمة العقل ومكانته في الحياة والإعمار والبناء.

وإذا كانت هذه ظاهرة عالمية باتت اليوم تلمس بشكل كبير، وان قانون التدافع الحضاري ينطوي على تفهم لاستمرار حملات التشويه والتضليل والانحراف، فإن الأثر المتحقق في العراق يبدو أكثر سلبية، لما يعانيه هذا الوطن الحزين على الدوام من هشاشة في الوضع، وخلل في بنية النظام، وعدم القدرة على تمثل العلاج بالشكل المطلوب.

كذلك، ومع وجود التحذيرات المستمرة والمتنامية، فإن هذا الطوفان الهائج لا يكتب له التوقف، وتجد أثره بائناً في تكوين الأجيال، من خلال التقليل من قيمة التفكير ومكانة العقل وبناء الذات والوعي، والانتصار لمعاني الهزالة واطلاق الجانب الغريزي ــ على اختلاف صوره ـ دونما ضابط، ذلك ان العلاج ما زال يرتكز بشكل أساسي على 3 مفردات: (التوصيف ـ التحذير ـ العقاب)، بينما نجد أن الركن الأهم ما زال غير متوفر والمتمثل بصناعة البديل المكافئ الذي يحل محل ذلك المضمون الفاسد والتافه.

ولا يمكن لأحد نكران ما تفرزه تلك الموجات الواسعة من المعاني المبتذلة، والأفكار السلبية، من تشوهات في أبناء مجتمعاتنا، ممن باتوا يرون الحياة بلا غاية، وانها لا تتأسس إلا على المال الذي يمنح الفرد قيمته لا غير، واللهاث المبكر إلى الغنى دون إدراك الخطوط الحمراء في الكسب، وما يحققه ذلك في نهاية المطاف من غلبة فكر الاستهلاك والمتعة لا غير، مما يتقاطع مع غاية خلق الإنسان بتحقيق معنى العبادة بمفهومها الشامل والذي يتجلى في نهاية المطاف بإعمار الأرض وإرساء رسالة الخير عملياً عليها لنكون مستحقين خيرية الأمة وصفاً ومكانة وجزاء.

وصناعة البديل التي نقصدها وتدور حول زرع وغرس الخير والفكر والتفاؤل والعبودية الحقة لا يكفي إطلاقها هكذا دون عمل لاحق يحقق الفهم المطلوب لها والقناعة بها والعمل بمقتضاها، فإيجاد الفرد الواعي هو مدعاة لنشر نوره إلى من يجاوره ويتواصل معه ليتشكل بعد ذلك جيل متكامل من المدركين لغاية في هذه الحياة، والحاملين للفكر الملتزم والوسطي في ذات الوقت.

ولا حاجة لتكرار القول ان امتداد الأفكار الفاسدة إنما هو يتحقق في فراغ الفكرة النيّرة، ولذلك فالمطلوب اليوم ادامة زخم الاستبدال الايجابي، ووحده ذاك من يحقق غلبة الخير على أمواج الشرور القديمة والمستحدثة.. فكلها في الضرر بالبنيان سواء.

أحدث المقالات