من المتغيرات المهمة التي تبناها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) أنه جعل، بموجب المادة الأولى منه، نظام الحكم في العراق جمهورياً نيابياً برلمانياً.
ويقوم النظام النيابي على أساس أن الشعب لا يمارس السلطة بنفسه مباشرة، وإنما يمارسها عن طريق نوابٍ ينتخبهم ليتولوا ممارستها نيابةً عنه(1).
أما الشكل البرلماني للحكومة، فإنه يقوم على أساس التعاون والتوازن بين السلطات، لكن الواقع تجاوز ذلك، إذ مالت نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) إلى تقوية اختصاصات مجلس النواب على حساب السلطة التنفيذية. وبهذا، فقد غاير هذا الدستور مبدأ التوازن، رغم أنه ركن من أركان النظام البرلماني(2).
وأفرد الدستور لمجلس النواب خمس عشرة مادة ناقشت بشكل تفصيلي جميع متعلقاته، مثل تكوينه، والبت في صحة عضوية أعضائه، وعلنية جلساته، وانتخاب رئيسه ونائبيه، ومدة دورته الانتخابية، ودورة انعقاده السنوية، وجلساته الاستثنائية، وتمديد فصله التشريعي، ونصاب الجلسات والقرارات، واختصاصاته على الصعيدين التشريعي والرقابي، وحقوق أعضائه، وامتيازاتهم، وحصانتهم، وآليات حل المجلس(3).
أما بشأن انعقاده، فقد نصّت المادة (57) من الدستور على أن لمجلس النواب فصلين تشريعيين، مدة كل منهما ثمانية أشهر، ويُحدد النظام الداخلي كيفية انعقادهما. ولا ينتهي فصل الانعقاد الذي تُعرض فيه الموازنة إلا بعد الموافقة عليها.
ويُفهم من هذا النص أن الدستور أحال آليات انعقاد جلسات مجلس النواب إلى نظام داخلي يصدره المجلس نفسه لتنظيم سير العمل فيه وفقًا للمادة (51) من الدستور.
أما الانتقاد الموجّه إلى هذا النص، فهو أن تنظيم سير العمل في مجلس النواب يتم بموجب نظام داخلي، ومن الأفضل أن يكون بموجب قانون، حتى لا يكون عرضة للتغيير باتفاقات مستعجلة، وهي أمور شهدناها في العديد من الدورات الانتخابية. وذلك بخلاف القوانين، التي يتطلب إقرارها المرور بسياقات دستورية، تبدأ بالاقتراح، ثم التصويت، وصولاً إلى الإصدار والنفاذ، وهو ما تبنّاه الدستور المصري لسنة 2014 (المعدل)، حيث نصّت مادته (118) على الآتي “يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه، وكيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام داخله، وتصدر بقانون”، وفي ضوء ذلك صدر القانون رقم (1) لسنة 2016 بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس النواب المصري(4).
وبالعودة إلى النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 (النافذ)، نجد أن المادة (22/ أولاً) منه نصّت على أن الفصل التشريعي الأول يبدأ في الأول من شهر آذار وينتهي في الثلاثين من حزيران من كل سنة، أما الفصل التشريعي الثاني، فيبدأ في الأول من أيلول وينتهي في الحادي والثلاثين من كانون الأول(5).
أما بشأن عدد الجلسات التي يعقدها مجلس النواب، فمن المفترض ألا تقل عن ثماني جلسات شهرياً، وذلك وفقاً للمادة (22/ ثالثاً) من النظام الداخلي.
علماً بأن هذا النص وُضع في عام 2019، حيث كان في السابق يحدد عدد جلسات مجلس النواب بحيث لا تقل عن جلستين في الأسبوع، مع صلاحية رئاسة المجلس في تنفيذها أو تحديدها حسب الضرورة(6).
ويبدو أن التعديل كان يهدف إلى تحييد دور رئاسة مجلس النواب في إعمال النص المتعلق بعدد جلسات المجلس، وإلغاء الصلاحية التي كانت ممنوحة لها في تنفيذها أو تحديدها حسب الضرورة، وعدم تقييد المجلس بعقد جلسات أسبوعية، مع الإبقاء على العدد المطلوب شهرياً.
ورغم ذلك، فإن مجلس النواب لم يلتزم بعقد هذه الجلسات، متجاوزاً النظام الداخلي الذي وضعه بنفسه، والذي جاء تنفيذاً لنص دستوري.
فعلى سبيل المثال، في السنة التشريعية الأخيرة من الدورة الانتخابية الخامسة، نجد أن فصلها الأول (الحالي) قد بدأ في التاسع من كانون الثاني من سنة 2025، وبالتالي لم يُعقد في موعده المحدد في النظام الداخلي. ولعل السبب في ذلك يعود إلى تغيير المواعيد الناتج عن تمديد أعمال المجلس شهراً وحداً، أو عدم دخوله في عطلة تشريعية في موعدها المحدد؛ بسبب عرض قانون الموازنة العامة.
على أية حال، فإن هذا الفصل التشريعي سينتهي في التاسع من شهر أيار المقبل، ما لم يتم تمديده شهراً واحداً، أو أن تتأخر العطلة التشريعية حتى إقرار الموازنة.
ولغاية الوقت الحاضر، ونحن في شهر آذار، عقد مجلس النواب أربع جلسات فقط بحسب ما هو منشور على موقعه الإلكتروني الرسمي، في حين كان من المفترض أن يعقد على الأقل ست عشرة جلسة.
هذا التعطيل في عمل السلطة التشريعية، التي تخرج منها السلطة التنفيذية، هو أمر غير مقبول ولا يمكن تجاهله دون اتخاذ معالجات قانونية صحيحة.
وعليه، لا يمكن اعتبار تعطيل جلسات مجلس النواب بهدف اتخاذ موقف سياسي أو الاتفاق بشأن تشريع قانون معين، أو بسبب الانشغال بالدعايات الانتخابية، أو بداعي عدم وجود مشروعات أو مقترحات قوانين مهمة، أمراً مقبولاً من الناحية الدستورية.
ونجد أن الدستور التونسي لسنة 2022 (النافذ) قد التفت إلى حالة تعطيل جلسات مجلس النواب، حيث نص في الفصل السادس والستين على الآتي: “لا يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس أو خارجه، ولا يتمتع بها أيضاً في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس”.
وبهذا، يمكن القول إن تعمد تعطيل جلسات مجلس النواب هو تعطيل للدستور الذي ينشئ السلطات العامة في الدولة ويحدد اختصاصاتها، ولا يمكن اعتباره من وسائل حرية الرأي والتعبير التي يتمتع بها النائب.
ذلك على أساس أن مجلس النواب يمثل الشعب بأسره، وقد انتخب هذا الشعب أعضائه لتمثيله في دورة انتخابية كاملة مدتها أربع سنوات، تبدأ بانعقاد أول جلسة وتنتهي بانتهاء السنة الرابعة.
وعندما أحال الدستور إلى مجلس النواب وضع نظام داخلي لتنظيم سير عمل الجلسات، فإنه أراد بذلك ضمان سير أعمال المجلس بانتظام وإطراد، وليس تعطيله أو عدم تمكينه من ممارسة اختصاصاته الدستورية.
ولذا، نقترح أن يقتفي دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) أثر الدستور التونسي لسنة 2022 (النافذ)، وأن يُدرج في أي تعديل يجري على نصوصه نصاً صريحاً يقضي بعدم جواز تعطيل جلسات مجلس النواب. كما نقترح استثناء هذا الفعل من الحصانة التي يتمتع بها النائب عن آراءه أثناء دورة الانعقاد، بما يتيح محاسبته وفقاً للقانون عن هذا الفعل، كونه يتعارض مع أداء المهام والمسؤوليات البرلمانية بأمانة وإخلاص. علاوة على ذلك، يعد هذا الفعل إساءة في استخدام الاختصاصات الدستورية، خصوصاً وأن المحكمة الاتحادية العليا قضت في قرار لها بأن النائب مكلف بخدمة عامة(7).
إياس الساموك
باحث دكتوراه في القانون العام
____________________________________
الهوامش
1- د. رافع خضر صالح شبر، السلطة التشريعية في النظام الفيدرالي، الطبعة الأولى، مؤسسة زين الحقوقية والأدبية، لبنان، 2017، ص11.
2- د. حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، مكتبة السنهوري، العراق، 2013، ص335.
3- تنظر المواد من (48) إلى (64) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ).
4- تنظر الجريدة الرسمية المصرية، بالعدد: 14 مكرر- ب، بتاريخ (14/ 4/ 2016).
5- ينظر النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد: 4694، بتاريخ (17/ 10/ 2022).
6- تم تعديل هذا النص في الدورة الانتخابية الرابعة/ السنة التشريعية الأولى/ الفصل التشريعي الثاني/ الجلسة رقم (9) في (13/ 4/ 2019).
7- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (9/ اتحادية/ 2023).