لم يكد منذ ثلاثة ايام ان يفارق المرآة، امر غريب، ينظر فقط، ويدير وجهه هنا وهناك، يصرخ بين آونة واخرى لم ارَ شيئا، انجدوني، انا لا ارى شيئا، استبدل المرآة عدة مرات بلا جدوى، ما الذي حصل؟، زاره صديقه رامي، اقسم عليه ان يقول الحقيقة، هل تراني؟، فقال : نعم اراك ، صدقني اراك والمسك، ما الخطب؟ الى اين تريد ان تصل؟ لاشيء، ربما انا الوحيد الذي لا ارى وجهي في المرآة، قال له صديق آخر وكان ساخرا، ربما انت مخلوق اثيري، هل تتوقع ان تكون روحا فقط بلا جسد، اتمنى ان اكون كذلك، لادخل جميع البيوت، وارى كل الاسرار.
هدأ وجلس مع اصدقائه متزنا، بلا قلق، ودون اي تشويش، انهم يرونني ، فلماذا اخاف، ومن ماذا اخاف، لأكن اثيريا، فليكن، سوف اوفر على الحكومة الكثير، لايمكن ان اكون نازحا في يوم ما، ولا فما مفتوحا، ولاموظفا عالة، اتقاضى مرتبا بلا اي عمل يذكر، ولاسياسيا فاسدا، ولانائبا فاشلا، ولاقاتلا مأجورا، ولاعميلا مزدوجا، اتسنم منصبا في بلدي وانا اوالي دولة اخرى وشعبا آخر، اتمنى ان اكون اثيريا، لاتفرج فقط ولا اكون ضمن اللعبة، لا قاتلا ولامقتولا، وربما لا احتك بداعشي، او غيره من القتلة، وربما استطعت ان اكتشف الكثير من الاسرار في الغرف المغلقة.
حاول ثانية علّ الامر يتعلق بعينيه، وحاول ثالثة ورابعة وخامسة، لاشيء ليس هنالك ولاظل بسيط، لماذا يرونني الآخرون ولا ارى نفسي؟، هل حدث هذا الامر من قبل لاحد ما، سأذهب اليوم الى طبيب نفسي، لاعرف مايجري، اصطحب اخاه معه وذهبا الى الطبيب النفسي، كان الطبيب مبتسما واستقبله استقبالا حافلا، وحين عرض مجاهد الامر على الطبيب، رد الطبيب ببساطة، انا ايضا لا ارى نفسي في المرآة، وما الضير في ذلك، تعرف ان الاطباء النفسيين في العراق فقراء، اليس كذلك، في البداية كنت اظن ان احدا لا يراني، ولذا لم يراجع عيادتي احد، لكنني علمت من زملاء المهنة ان الصحة النفسية في العراق غير مهمة.
خرج من عيادة الطبيب متفائلا، وراح يذرع الشارع بحزم وقوة، تضربه بين الحين والآخر نسمات نيسانية رطبة، فيشعر بوجوده اكثر واكثر، نام تلك الليلة مرتاحا وابعد المرآة عن سريره الذي لم يفارقه، سوى بضعة ساعات في اليوم، ربما تكون المرآة خادعة، هي من خدعتني ولم ترسم صورتي بشكل مهني، ربما لم تهبط الى
اعماقي وترى سطحي الخارجي الذي ينبي عن الم ومعاناة، ربما هي من اخطأ، انا اشك ان الطبيب لايرى نفسه هو الآخر، قال ذلك ليجاملني، لم يكن صادقا.
خف الجمعة مسرعا الى شارع المتنبي، بعد ان اتفق مع صديقه الشاعر، تعانقا وجلسا يحتسيان الشاي، وبدأ حديثه المعهود: يا اخي لا ارى نفسي، سوف اجن، في المرآة مساحة بيضاء فارغة، هل تراني انت بربك؟ ضحك كاظم وربت على كتفه، انا ايضا لا ارى نفسي في المرآة، مالضير في ذلك، اجعل احدهم مرآة لك، انا جعلت احدهم مرآة لي، يراني كل يوم اكثر من مرة، ابحث لك عن مرآة غير تلك الزجاجة الرعناء، انها كاذبة، انتفض مجاهد، نعم هذه الطريقة الوحيدة التي ساتغلب بها على ما اشعر به، شكرا على النصيحة الرائعة، وراح يجوب الطرقات يبحث عن مرآة.